التسويق السياسي عبر الإعلام
تتمحور منهجية الإعلام والتسويق السياسي على استقراء القوى المحرّكة للمجتمع السياسي واستقراء الرأي العام المتأثر بهذه القوى، واستخدام الأدوات الاتصالية الموجودة في هذا المجتمع؛ وعلى عملية الاستنتاج التأثير القائم بين الأدوات الاتصالية والمتلقي والأهمية والأثر المتوقع بغية إيجاد مناخ ملائم لتسويق الرسائل الإعلامية.
التسويق السياسي عبر الإعلام ميدانه المجتمع، وحركته هي سلسلة من التواصل القائم داخل حركة دائرية تتفاعل وتتحرك دائرياً بناءً على جملة من العناصر الفاعلة والمنفعلة، المؤثرة والمتأثرة في المجتمع .. من الزعيم السياسي إلى المقهى ، مروراً بالمؤسسات الرسمية والأحزاب الوطنية والتنظيمات السياسية والثقافية والاجتماعية والنقابية ، الخ ... ومن العناصر التي تدخل في محل العلاقة التبادلية مع مؤثرات المجتمع، أو العناصر المؤثرة في المجتمع. أن الإعلام، وهو يسوق رسائله، يتطلب فهم محورية العلاقة بين وسائل الإعلام والرسالة والمرسل إليهم . فالتسويق السياسي عبر الإعلام يخضع أدوات الاتصال إلى جملة من الرسائل الإعلامية المبنية على الطرح السياسي أو الأيديولوجي المتبنى والمراد توزيعه على المجتمع.
إن دراسة التسويق الإعلامي هي محطة أساسية في أي عمل تسويقي سياسي. ودراسة اختلاف المقدرة الاقناعية تساعد في الاستخدام الأمثل للرسائل، يضاف إلى ذلك دراسة قادة الرأي والزعماء. وتتكامل عملانية نجاح التسويق الإعلامي حين تتكامل الأهداف وتتناسق مع بعضها البعض. هذا التكامل يجب أن يوضع في عناصر الرسالة الإعلامية: من المرسل إلى المرسل إليه؛ فالرسالة والوسيلة وكيفية التوجه والأثر المتوقع.
هنا نختم بالقول أن أكثر الدراسات لعمليات التسويق السياسي عبر الإعلام أثبتت أن لكل وسيلة إعلامية مقدرة تزيد أو تقل في إقناع الجمهور. وإن أفضل عملية تسويق سياسي عبر الإعلام هي تلك التي تستخدم كافة وسائل الاتصال في الوقت عينه.
مفاهيم أولية .. وإشارة نيولوجية
أورد معجم روبير الصغيرpetit Robert كلمة التسويق شارحاً: كلمة أميركية، وتعني مجموعة تقنيات وطرق تهدف إلى إيجاد إستراتيجية تجارية بكل ما تحمله من مضامين وعلى الأخص دراسة الأسواق التجارية .
فإذا كان منطلق التسويق هو نشاط اقتصادي وتجاري يستهدف الأسواق، فإنه في السياسة، يعمل على تغيير سلوك الرأي العام، وجعله منضوياً تحت مجموعة أفكار ومبادئ سياسية . ويحتوي على نقاط رئيسة تروج وتتبنى الأفكار والأيديولوجيات والسياسات التي يراد تسويقها ، والتي تعتنقها الدول المسوقة لهذه السياسات عبر الإعلام .
ومصطلح التسويق السياسي يبرز استخدام تقنيات ومبادئ التسويق لشرح وعرض قضية سياسية ومجموعة أفكارها. وهنا يمكننا أن نحلل ماهيات المفهوم العملاني لمصطلح التسويق السياسي، الذي يحتوي على فكرة سياسية أو منتج سياسي ومسوقين سياسيين، كأن يكون هناك دولة أو حزب أو منظمة أو تيار .. الخ، وكذلك تقنيات الاتصال الإعلامي وكافة وسائل الإعلام والتحرير المبدع للرسائل الإعلامية السياسية المراد تسويقها .
يعرّف فيليب كولتر التسويق بأنه: "التحليل والتنظيم والتخطيط والسيطرة على نشاطات وعلى استراتيجيات وعلى موارد المشروع التي تؤثر تأثيراً مباشراً في الزبون، بقصد إشباع رغبات واحتياجات مجموعة الزبائن المختارين بشكل مريح ". (1)
على العموم، إذا أردنا التوسع في التسويق السياسي لإيجاد نظرية، فإننا نرى أن ذلك يأتي ضمن النظريات المعاصرة التي وجدت قبولاً بين الخبراء والباحثين في مجال الاتصال . وهذه النظرية ، كما يراها باران ودافست ، ليست بناءً فكرياً موحداً ، ولكنها تجميع أو توليف للنظريات الخاصة بتسويق المعلومات أو المعرفة التي تتبناها الصفوة لتكتسب القيم الاجتماعية ، وتعتبر ، في نفس الوقت، امتداداً لنظريات الإقناع ونظرية انتشار المعلومات ، حيث تهتم أساساً بالمداخل والجهود المختلفة لزيادة تأثيرات وسائل الإعلام في مجالات الحملات الإعلامية.(2)
نختم، في المضمار، بالقول بأن السوق السياسية هي مجموعة من الناخبين، ومن أحزاب ومرشحين، هذا في الداخل المحلي، أو الوطن.. أما على الصعيد العالمي والدولي، فأنت اليوم في عصر العولمة، وأحادية النظام الدولي، حتى إشعار آخر.. أي أنك تتحدث عن المجتمع الدولي وما يحمله من مفاهيم تسويقية سياسية إلى معظم بلدان المعمورة .
مفاهيم عملانية:
غدا الإعلام، منذ نهاية القرن التاسع عشر، وأثناء الحرب العالمية الأولى حاجة اجتماعية في الغرب لأنه يؤسس للحاجة الشخصية لدى الفرد المرتبط بفضولية المعرفة، وبالحاجة الملحة التي تشمل المواضيع المختلفة من سياسية واقتصادية وعلمية وفنية واجتماعية. ويجد الإعلام داخل المجتمع وبنيويته السياسية والاقتصادية والاجتماعية أصول عمله وأسبابه الأعمق ونزعاته المنطقية .
وعند انتشار التطور التكنولوجي للإعلام، بدأ هذا الإعلام يفرض على إنسان القرن العشرين الاهتمام بحيوية الأحداث العالمية ويشعره بالارتباط بها. كما أن الأشكال والنظم السياسية بدأت تأخذ مداها في العالم. وعن هذه اتلنقطة يقول بيار منديس فرانس: "إن ما يميز عصرنا الحالي هو أنه للمرة الأولى، فإن العالم قاطبة يعيش تاريخاً دبلوماسيا موحداً . كل واحد منا يشعر كل صباح بأن الأخبار التي تأتي من الصين، من الولايات المتحدة، من أفريقيا، ومن الشرق الأوسط تعنيه مباشرة ". (3)
إن الحاجة إلى الإعلام ليست أحادية، فهي تحتوي على ميول ومراكز قوى غير منسجمة. ذلك أن الإعلام هو التعبير عن حقيقة تتواجد خارج الإنسان لتربطه مع وقائع تصنع خارجه وتسيطر عليه جاعلة منه أسيراً لوقائع مفروضة من الغير.
وإذا كان الإعلام لا يمكن أن يكون سوى المعبّر عن التصوير الحقيقي للأحداث المنطلقة من محيطنا الضيق، ومن رحاب محيطنا العالمي، فإن هذا الإعلام يتحرك عبر تقنيات اتصالية عالية الدقة، أخضعت لها كل أسباب التطور التقني والإلكتروني التي نعيشها اليوم، بغية إدخاله في عملية التسويق السياسي. وفي يومنا هذا، تعمل شبكات الاتصال على قولبة طريقة تنظيم الكوكب الأرضي سياسياً وثقافياً، وعلى تسجيل الحقبة الجديدة من الانفتاح على العالم حيث تاريخ الأشكال الاجتماعية ومسارات التدويل قد تجسدت على مدار الزمن .
إن التطور في الاتصالات والجيوبوليتيك الاتصالي، وعمليات الرقابة، ودخول التسويق السياسي عبر الإعلام بألق على هذا الأمر، قد أدخل العالم في أزمات وتوترات وطنية وعالمية، بين قوى النفوذ العالمية. كما أن مجيء الفضائيات ثبّت النقاش حول عولمة الاتصال .. هنا؛ بإمكاننا العودة لنثبت موقف غوستاف لوبون في كتابه "سيكولوجية الجماهير"، وغابريل تراد في كتابه " الرأي والجمهور":
"إن الصحافة هي الإسفنجة الماصة للإعلام المنتشر في كل نقاط الكرة الأرضية.. وإن التطورات الصناعية والتقنية في الإعلام والاتصال عملت على كسر الاحتكار والتقوقع، .. غير أن خلق شبكات الاتصال الإعلامية المنقولة قد خلخلت القوانين المنظمة للإعلام والاتصال على المستوى الوطني .. هذا الأمر أدى إلى خلق خارطة جديدة من اللاعدالة في توزيع الاتصالات الإعلامية في العالم وإلى انحراف التدفق العلمي للإعلام عن مجاله الحيوي .. هذه العملية ستؤدي إلى خلق حدود الثقافة الأحادية والتي ستكون ضريبة التبادل الحر وتشكيل التجمعات الاقتصادية الكبرى".(4)
وتؤول إلى مركب الثقافة المعاصرة وتعزيز ثلاثية التسويق السياسي عبر الإعلام للولايات المتحدة الأميركية والذي من خلاله تقود عملها السياسي في العالم مدعوماً بترسانتها الحربية وأساطيلها البحرية المنتشرة في بحار ومحيطات العالم.
وهنا يلعب الإعلام السياسي عبر تقنياته التسويقية المعدّة إعداداً كبيراً في الولايات المتحدة، دوراً هاماً في عمليات إخضاع الأمم إلى الطروحات السياسية للولايات المتحدة الأمريكية .. معتمدة على ميكانيزمات عملانية اتصالية تساهم في عملية صنع القرار السياسي ووضع السياسات من ضمن ثلاث وظائف أساسية: الأولى، عندما تقوم وسائل الاتصال بتنفيذ عملية صنع القرار بتيار مستمر من المعلومات معتمدة على دراسة مدى تأثيرها في إدراك صانعي السياسة ومدى تأثيرها في إدراك صانعي القرار لحجم التأثيرات الواقعة على الجمهور بشأن القضية وفي اعتقاد صانعي القرار بضرورة اتخاذ قرار لمواجهة القضية ومدى وجود علاقة بين الاعتقاد في مصداقية التغطية الإعلامية ودرجة التأثير بها ومدى وجود تشابه بين وجهة نظر الجمهور وصانعي القرار . والثانية تتمثل في خلقه دينامية صنع القرار حيث توفر وسائل الاتصال المعلومات القابلة للاستخدام داخل عناصر وأطراف صنع القرار ورسم استراتيجيات الاتصال القائمة على تحديد المشكلة والبدائل واختيار المعلومات وصولاً إلى تطبيق القرار استناداً إلى أهمية وسائل الاتصال كمصدر لمعلومات صنع القرار. والثانية ترتبط بمخرجات عملية صنع القرار، فهي تنقل وتفسر القرار للرأي العام .*
ميكانيزمات التسويق السياسي عبر الإعلام:
يستند التسويق السياسي عبر الإعلام إلى القوة الهائلة لأسس الدعاية ومقوماتها السيكولوجية ، وقد تتعدى إلى الباراسايكولوجية وإلى دراسة واستخدام خصائص وسلوكيات الرأي العام المستهدف. عليه فإنها تقوم بتوظيف نتائج بحوث الإقناع وانتشار المعلومات في إطار حركة النظم الاجتماعية والاتجاهات النفسية بما يسمح بانسياب المعلومات وتأثيرها من خلال وسائل الإعلام، عاملة على خلق طرق لتحقيق الهدف الرئيس من عملية التسويق السياسي عبر الإعلام، ومنها: طرق، أو وسائل إغراء المتلقين من أجل ترويج الأفكار أوالشخصيات ليدرك المتلقون وجودها.
وتصويب الرسائل أو استهداف فئة معينة من الجمهور، وتدعيم الرسائل الموجهة إلى الجمهور المستهدف، وتشجيع هؤلاء الناس على التأثير في الآخرين من خلال الاتصال المباشر أو المواجهي، وغرس الصور الذهنية والانطباعات للناس، مثل الصورة الإعلانية. حيث عملية التعرض إليها تتم بشكل مستمر وشبه إجباري. والحث على إثارة اهتمام المتلقين، وإغرائهم بالبحث عن المعلومات .
تجدر الإشارة هنا، إلى أن عملية الاهتمام بالمعلومات تزداد عندما يتعلق الأمر بالأفكار والشخصيات.
وكذلك الأمر، إثارة الرغبة لدى الجمهور في اتخاذ القرارات أو المواقف ليستعدوا للتحرك نحو اتخاذ القرار، وبالإمكان تصنيفهم في الترتيب غير الواعي للأولويات، وعلى أهبة الاستعداد لاتخاذ المواقف دون عناء، ودون خوض مناقشة حادة.
هذه العمليات المستخدمة، تستخدم رجع الصدى لتقييم الانجاز وتغيير الرسائل مع التمسك بالأهداف. وإذا ما تبدت عمليات رفض أو عدم قبول من المرسل إليهم، فإن الرسائل الجديدة تصاغ بطريقة تحافظ على الهدف مع تغير في الشكل.
إن التسويق السياسي يتم من خلال النخبة المسيطرة على المجتمع. من هنا لا بد من أن تكون برامج حملات التسويق السياسي الإعلامية متبادلة حوارياً بين النخبة وعموم فئات الشعب بطريقة تشعرهم أنها لصالحهم . **
وهنا، يمكننا الحديث عن خمس نقاط تحدد التسويق السياسي من خلال الأداء الإعلامي ضمن عمليات التفاعل المتبادل .
الأولى: توجب علينا معرفة أن المعلومات المكونة للرسائل المسوقة هي جزء هام من المنظومة الإعلامية المستخدمة. هذا الأمر يحدونا إلى اختيار المعلومات المراد تسويقها سياسياً، وصياغتها في أشكال صحفية تسهل عملية نشرها وبثها .
الثانية: توجب معرفة أن المعلومات أو الرسائل المراد تسويقها عبر الإعلام ترتبط وتتأثر بشكل كبير بالقيادات والقوى المتحكمة بالمجتمع .
الثالثة: توجب علينا أن نفهم أن العلاقة بين مرسلي الرسائل المراد تسويقها والسياسة المتبعة في المؤسسات الإعلامية المستخدمة في ذلك، يجب أن تكون منسجمة وهمّ الذين يحددون السياسة التحريرية أو يؤثرون عليها بشكل كبير، وبطريقة تحدد أولويات النشر والبث، وتحديد الممنوعات والقواعد الخاصة بذلك .
الرابعة: توجب التيقن والالتزام بأن المسوِّق السياسي هو من ينتج أو يشرف على إنتاج الرسائل في المؤسسات الإعلامية.
الخامسة: تحدونا إلى معرفة أن معدي الرسائل المسوقة عليهم التيقن بأن رسائلهم قد أفضت إلى تفاعلات واستجابات متساوقة مع أهداف الرسائل من قبل الجمهور المتلقي . ومن المطلوب بقوة أن يسبق ذلك اللجوء إلى الأبحاث الأولية عن معارف الجمهور المستهدف واتجاهاته وعاداته وقيمه وسلوكه حتى يتمكن المسوقون السياسيون من الوقوف مسبقاً على ردّ فعل الجمهور المستهدف. وبذلك يمكن تطويعه ودفعه إلى الاستجابة لعملية التسويق السياسي عبر العمليات الإعلامية.
وبتعبير آخر، يمكننا هنا تلخيص الفكرة بالآتي :
المنتج السياسي تنطلق منه الأفكار السياسية أو الأيديولوجية والممارسات والتطبيقات الميدانية. من الأفكار نتلمس المعتقدات والاتجاهات والقيم. ومن الممارسات والتطبيقات نتلمس العمل والسلوك.
نختم، في هذا الصدد، إلى التيقن بأن كل لعبة سياسية ترتكز إلى تسويق معين لنجاحها. وإن أصحاب اللعبة السياسية يستندون إلى التسويق السياسي بكل وسائله للوصول إلى سدة الرئاسة أو السلطة. ولهذا فإن عدداً من السياسيين يفهمون مدى تأثير التسويق السياسي على الجمهور، وكيفية جذبهم واللعب على النواحي السيكولوجية والاجتماعية للجمهور، وبالتالي فإنهم يفهمون التسويق السياسي على أنه نوع من أنواع الدعاية المعاصرة بحسب الطريقة الأميركية. غير أن التسويق السياسي هو شيء آخر. فالدعاية هي جزء من التسويق السياسي المستند إلى أدوات الاتصال الجماهيري التي تساعد القادة السياسيين على إيصال رسائلهم أو حملاتهم. والقادة، اليوم، يعتمدون على خبراء في التسويق السياسي، ويرسمون لهم الخطط العملية التي يتبعونها أثناء حملاتهم .. من هنا يمكننا أن نفهم أن من دون وسائل الاتصال بالجماهير لا يستطيع أحد، خارج الحلقة السياسية، الاطلاع على الأحداث السياسية. إن البيئة السياسية تبنى من قبل وسائل الإعلام. لأن هذه الوسائل وحدها القادرة على أن تعرفنا بهذا الواقع. إذ لا يمكن، أو ربما يمكن بصعوبة، التهرّب من تأثير عملية الهيكلية السياسية التي تبثها وسائل الإعلام. ويمكن أن نقول، إن وسائل الإعلام أبعد من أن تشكل سلطة رابعة (4) ضعيفة نوعاً ما، بل هي حصيلة السلطة الاجتماعية ككل.
النموذج الأميركي :
تعتبر الولايات المتحد الأميركية رائدة للتسويق في كل مجالاته، وبخاصة المجال التجاري والاقتصادي. ومن هذا الميدان طوَّرت الولايات المتحدة ميدان التسويق السياسي عبر الإعلام في الداخل الوطني، وفي الخارج العالمي. فلم يعد موضوع التسويق السياسي عبر الإعلام مرتبط بالحملات الانتخابية الرئاسية، والاستفتاءات، والحملات التشريعية، بل تعدت ذلك إلى الدولي، في لعبة هي غاية في الخطورة والتعقيد، في السياسة الخارجية وما يرتبط أو يتوازى معها في الأمن والحروب والاقتصاد.
وبغية التأثير على دول العالم وإخضاعها للضخ الإعلامي الأميركي عمدت الولايات المتحدة إلى خلخلة القوانين المنظمة للإعلام والاتصال، وقادت عمليات الضغط على أوروبا من أجل خلخلة قوانينها الوطنية الناظمة للإعلام، (أدخل الرئيس الأميركي بيل كلينتون في تموز 1997 قاعدة ليبرالية بالمطلق تخص الإنترنت مقترحاً أن عمل التجارة الالكترونية تؤول إلى خلق منطقة عالمية للتبادل الحرّ، وتفسح المجال أمام التنظيم الإعلامي الخاص والذاتي الذي ينجم عنها. إنها حرية التعبير التجاري القائمة على مقولة: "دعوا الناس شاهدون ما يريدون، ودعوا الأحرار يقيمون ما يشاهدون .. والسيادة المطلقة هي للمستهلكين "والحقائق تشير دائماً إلى أن السيادة المطلقة هي دائماً للمنتجين والمصدرين. هذا الأمر أدى إلى خلق خارطة جديدة من اللاعدالة في توزيع الاتصالات الإعلامية في العالم، وإلى انحراف التدفق الإعلامي عن مجاله الحيوي. (6)
وإذا كانت نشأة كلمة "التسويق" تعود إلى الولايات المتحدة في عام 1959، فإن تطبيقها في الميدان الإعلامي ضمن لعبة التسويق السياسي يعود، في الولايات المتحدة نفسها، إلى إدارة الرئيس الأمريكي ودروو ويلسون. وحسب المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي، فإن إدارة ويلسون كانت قد تورطت في الحرب الأوروبية، لذلك تأسست لجنة" كريل "للدعاية الحكومية، التي نجحت في تحويل الشعب من شعب هادئ إلى شعب هستيري، يتاجر بالحرب ويروّج لها. ومن الوسائل التي استعملت اختلاق العديد من الأعمال الوحشية التي ارتكبها الألمان ضد الأطفال البلجيكيين.. ويعتبر تشومسكي أن جهاز دعاية الدولة الأميركية مخصص للدعاية، ويشمل وسائل الإعلام والصحافة المعدَّة للرأي العام. ويتضمن الإشتراك الواسع لرجال العلم والفكر. وهو الجزء المتعلم من الشعب، والعناصر الأكثر وضوحاً للجماعات التي تصل إلى وسائل الإعلام، وتوظيفها لتعميم وخلق ونشر جهاز من العقائد والمبادئ التي ستقوض الفكر المستقل وتمنعه من التحليل والفهم، وهذا ما نسميه غسل الدماغ الجماعي الذي يؤدي إلى نتائج ظاهرها قرار حرّ، أما باطنها فوليد الضخ والتنظير لآراء الدولة. (7)
ويرى تشومسكي، أيضاً، أن المثقفين هم الذين يكتبون التاريخ، وهم المؤتمنون عليه، وقد طرحوا على الرئيس ويلسون "هندسة التاريخ" خلال الحرب العالمية الأولى للسيطرة على فكر الشعوب. ويمكن لأجهزة الإعلام أن تؤثر في المتعلمين أكثر لأنهم عملاء لوسائل الدعاية ووكلائها. ضمن مجموعة صغيرة بيدها مصادر الإعلام المادية والمعنوية ومفتاحها. ومفتاح الإعلام في الولايات المتحدة الاميركية مرتبط بالسياسة، وعليه فإذا قررت الولايات المتحدة خوض حرب فيجب الزعم بأنها للدفاع عن النفس، لأن المشكلات الاجتماعية والاقتصادية في الولايات المتحدة عصية على الحلول، فلا بد إذن من توحد "القطيع الشارد وإخافته" و "فبركة الأعداء" له. فالسيناريو إذن بداية هجوم أيديولوجي بهدف خلق وحش خيالي ثم شنّ حملة للقضاء عليه .
وعلى اعتبار أن الولايات المتحدة دولة عظمى، فمن ناحية الشأن الدولي كان لابد من إيجاد مؤسسات "الفكر والرأي" الهادفة إلى تطوير وترويج الأفكار وتسويقها متوخية درجة التأثير الذي تتمتع به في صياغة الرأي العام وبلورته. وتستخدم وكالة المخابرات (سي. أي .أي) عملاء لها في هيئات التحرير ودور النشر، ومن مهامها، تقديم المشورة لرؤساء الولايات المتحدة الأميركية عن العمليات السرية الخارجية الموجهة ضد أعداء أمريكا، والتدخل في شؤون الدولة الداخلية، والعمل على تحليل وتنسيق معلومات السياسة الخارجية وإطلاع الرئيس ومجلس الأمن القومي بالمغزى السياسي لهذه المعلومات. لذلك فإن هاجسها الأوحد هو استخدام الصحافة للتأثير والتلاعب بالرأي العام ***. وهذا ما تؤكده كير كباتريك، سفيرة الولايات المتحدة الأميركية في الأمم المتحدة، إذ تقول: "إن الإعلام هو العنصر الأهم في سياسة أميركا الخارجية". وتتدخل الإدارة الأميركية مباشرة من خلال تمويل وكالة فيدرالية تعمل في مجال الإعلام بـ 37مليار دولار. وفي المنطقة العربية حدد "قانون الحرية "الذي أصدرته الولايات المتحدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 135مليون دولار لإنتاج برامج تلفزيونية خاصة بالمنطقة العربية، وكذلك شراء ساعات بث في الفضائيات العربية بغية تسويق سياسات أمريكا الداعية لـ "حقوق الإنسان"، وصون الحريات والديمقراطية والتسامح الديني ومحاربة الإرهاب .. بل تعدى الأمر إلى استحداث قناة فضائية وراديو ومجلة باللغة العربية .
الحكومة الأمريكية التي تدعي لنفسها الليبرالية وعدم التدخل في الإعلام ، على اعتبار أن حرية الإعلام مقدسة للجميع ، ويجب صونها ، هي أكبر منتج للمعلومات ومسوق لها حسب هربرت شيلر **** .. وأكبر مروج للدعاية ووكيل للعلاقات العامة ، وأداة توجيه للإعلام .
وفي عملية التسويق الدعائي تستفيد من وكالة الـ سي. أي. أي التي تتعاون مع اللجنة الاستشارية للولايات المتحدة لشؤون الاستعلامات. ومهمة الحكومة كوكيل للعلاقات العامة من خلال الاستخدام الاجتماعي للمعلومات. الأمر الذي يؤكد عدم حيادية الإعلام ويجعله مغلولاً في قيود التحكم الحكومي. وعن أسطورة الحياد يقول شيلر، إن عملها هو في إخفاء شواهد التضليل بحيث يعتقد المستهدف المضلل بحياد مؤسسات الإعلام . وتعمد الحكومة إلى إيجاد اتفاقات بين الإدارات الحكومية ووسائل الإعلام لتنظيم الرقابة على الأخبار بطرق خفية. ويؤكد على وجود علاقات مجهولة بين السلطات الحكومية ومؤسسات استطلاع الرأي، علماً بأن دورها الملموس في التأثير في الرأي العام أمر لا ينطوي على أي مبالغة.
وعلى المستوى الخارجي، لا يختلف تأثير الحكومة الأمريكية على وسائل الإعلام بل يتعدى ذلك من خلال حملات تسويق سياسية عبر الإعلام لكل المواقف والقرارات التي تتخذها عالمياً ، سواء أكانت ديبلوماسية أو أمنية أو عسكرية أو اقتصادية ..الخ .
وتستخدم الولايات المتحدة كل تقنيات التسويق الإعلامي لسياساتها، ولا تتوانى أبداً عن استخدام التضليل والكذب *****، ويرى سيمون سيرفاتي أن وسائل الإعلام تخضع لضغط الحكومة أو لاتتحقق من المعلومات التي تنشرها، ويكون مصدرها الإدارة نفسها. ويعطي الأدلة على التضليل الذي مورس تاريخياً، وآخرها سلسلة الأكاذيب التي أطلقتها حكومة الرئيس بوش في سعيها لاحتلال العراق .
من ناحية أخرى، تمارس وسائل الإعلام، إلى جانب إفشاء الأسرار وتسريب الأخبار، سياسة ضبط النفس تحت ضغط الحكومة الشديد. وتعمل على تشويه المعلومات. فكانت تنشر بشكل عدواني معلومات كاذبة عن ليبيا، وكانت إدارة ريغان هي التي تسيطر على العناوين الكبرى. وتتمكن هذه الإدارة من تحقيق ذلك نظراً لوجود ثلاث حقائق قاسية تشكل الرأي العام الأميركي، وهي :
- جهله المطبق بوجه عام في فهم العالم .
- قابلية قليلة لزيادة الفهم للعالم .. لأن الجمهور الاميركي لا ينجذب بسهولة إلى الأحداث الدولية الهامة .
- ليس هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن الرأي العام الأميركي سيصبح أكثر اطلاعاً في المستقبل.
غير أنه يسجل بدء بعض ملامح التغيير، عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر الشهيرة وما تلاها من أحداث وحروب لاسيما في "أفغانستان والعراق، والنفير العام عالمياً الذي أحدثته وقادته الولايات المتحدة ضمن ما يسمى بالحرب على الإرهاب". وكانت الولايات المتحدة قد طلبت من ممثلي وسائل الإعلام أن يعيدوا النظر في طاعتهم العمياء لمبدأ التبادل الحر للمعلومات، وأن يضعوا الخطوط التوجيهية لتغطية الحوادث الإرهابية دون أن يغيب عن بالهم الفرق بين وسائل الإعلام المطبوعة والإلكترونية. فمن الضروري أن تتعامل وسائل الإعلام والحكومة للاحتفاظ باتصالات فعالة خلال أي حادث إرهابي.
حرب احتلال العراق: تجربة نموذجية
بدأت الحرب الميدانية على العراق التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية في العشرين من آذار 2003 عندما بدأت الصواريخ بعيدة المدى تدك العاصمة العراقية بغداد من البوارج الحربية الأميركية المتواجدة في البحر الأحمر والبحر الأبيض والخليج العربي. هذه الحرب تجاوزت فيها الولايات المتحدة قرارات الأمم المتحدة ومجلس أمنها . في هذا الإطار، يرى نعوم تشومسكي، أن الولايات المتحدة تعمدت تجاوز الأمم المتحدة، إذ أنها وضمن مفهوم الحرب على الإرهاب الذي اتخذت قراره رفضت الحصول على تفويض من مجلس الأمن، مشدداً على أن الإدارة الأميركية استغلت، بطريقة فظة وسوقية، الخوف والعذاب لدى الأمريكيين جراء أحداث 11 أيلول 2001 من أجل الاندفاع عبر نظام من المقاييس التي كانت لتثير، في ظروف أخرى، الاحتجاجات الشعبية.
ويتحدث تشومسكي عن الطرق الدعائية والترويجية التي اتبعتها الإدارة الأمريكية بحيث شكل إخفاء الحقائق خدمة هامة لتأجيج عنف الدولة تحت ذريعة الحرب على الإرهاب. ويشير إلى وجود متلهفين من داخل الإدارة الأمريكية لاستثمار الفرصة للهجوم على الآخرين.(8)
مع الحشد الحربي الهائل، حشدت الولايات المتحدة آلة حربها الدعائية الضخمة، وفرضت مصفاة إعلامية حربية تمرّ من خلالها كل وسائل الإعلام لكي لا تتعارض مع حملتها التسويقية السياسية لهذه الحرب التي تخوض غمارها . وبالتالي فقد تحولت وسائل الإعلام إلى ميكانزمات تسوق لسياسة الحرب الأميركية، وتطلب لذلك فرض حصار ورقابة شديدة على كل الوسائل الإعلامية ومنع أي انتقاد للسياسة الأميركية .. بل سخرت هذه الوسائل الإعلامية في خدمة الديبلوماسية الأميركية وهي تسوق لحربها على العراق داخل الأمم المتحدة ودول العالم. كما عملت على تسويق حجج شن الحرب بدون أية مستندات حقيقية ولاسيما حجة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل ودعم الإرهاب وتحريره من الديكتاتورية.
ما إن بدأت الحرب، حتى أطلقت الولايات المتحدة عليها اسم "حرية العراق". هذه التسمية لهذه الحرب تحتاج إلى إيراد الكثير من الإدعاءات والحجج، وهي تتطلب استخدام مجموعة كبيرة من وسائل الإعلام لتسويقها. وبالتوازي مع الميدان العسكري، عمدت الولايات المتحدة إلى إعداد مركز صحفي في قاعدة السيلية الحربية الأميركية الذي أقامته في دولة قطر، ومهمته إعطاء التقارير الحربية التي تتوالى من أرض المعركة حتى تمرّ عبر مصفاتها الدعائية. وخلاف ذلك ، كانت القوات الحربية الأمريكية تقصف أجهزة الإعلام والكاميرات التي تنقل بعض الأخبار التي تخالف منطق التسويق الأميركي لها. وهذا ما حدث مع قناة "الجزيرة"، وقناة "أبو ظبي"، ومع "التلفزيون الإسباني".. مع العلم أن كل الصحافة العربية كانت قد استنفرت لتغطية الحرب بالتنسيق مع إدارة الحرب الأميركية، وبالانسجام التام مع آليات تسويقها.
عمدت الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاستخدام الأمثل لوسائل الإعلام، وشنت من خلالها، حرباً إعلامية موازية للحرب الميدانية دفاعاً عن آلة حربها وخططها اللوجستية، وأهدافها الإستراتيجية. وتحول إعلامها إلى إعلام هجومي مشابه للهجوم الحربي في الإطارين الدفاعي والهجومي. وكان القصف الإعلامي المركز يواكب القصف الحربي الميداني. وغدا التدفق الحرّ للمعلومات عبارة عن تزوير للحقائق، لا بل تشويهها، وإخفائها وتعميتها وبلبلتها وتهويلها، واختلاق الذرائع باستمرار .. وكذلك ابتكار الحجج المسوقة للحرب.
وميدانياً، كانت الصحافة تخضع للإيعاز الحربي الذي تقدمه القيادة الحربية من قاعدة السيلية المخصصة لذلك . وهنا لابد من معرفة أن هذا الخضوع يأتي نظراً لعدم قدرة الصحافي ميدانياً على نقل إلا القليل. وما عملته الإدارة الأميركية في إدارة الحرب إعلامياً تأتى لها من خلال السيطرة على تدفق المعلومات والأخبار التي من شأنها أن تمسّ الروح المعنوية للجنود، وأن تمسّ الرأي العام في داخل الولايات المتحدة وفي العالم. وأصبح التعليب المسبق للمعلومات قبل النشر سمة عمل وسائل الإعلام الأميركية. حتى أن وسائل الإعلام العربية التي غطت الحرب في منطقة النفوذ الأميركي كانت قد خضعت إلى اثنتي عشرة صفحة من الممنوعات. يشار هنا إلى أنه قبل احتلال العراق بدأت التحضيرات الإعلامية للحرب. وتمنى البنتاغون أن يسافر الصحافيون مع الوحدات، وأن يلتزموا بمتطلبات ستؤدي حتماً إلى رقابة مقيدة للمعلومات. ومن لا يلتزم قد يتعرض للطرد. وبذلك خلت الساحة الإعلامية، تقريباً، من التحليل النقدي للحرب. وفي مرحلة التخطيط، كان التلاعب والحيلة وبث الإشاعات سيد الموقف ... وكان تقاسم الأدوار، من التفاصيل الجديدة للعبة الإعلام، إذ تنقل الـ سي . أن . أن. CNN الشائعات وتنسبها إلى قائد ميداني ثم تذيعه قاعدة السيلية كمعلومة. أما البنتاغون فعليه سماع الخبر دون أن يؤكده ، بذلك لا تكون هناك إمكانية للتحقق من صحة الخبر أو عدمها.
أما بالنسبة إلى تكنولوجيا الاتصال فقد استخدمتها الولايات المتحدة في عملية تسويقها السياسي للحرب في أدق حالاتها. فاعتمدت على سياسة النقل المباشر، وأخضعت من خلالها كواليس الدعاية الأميركية. (9)
كما أخضعت كل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة في العالم ولاسيما الفضائيات ذات الشهرة الدولية، بوعي أو بلا وعي، إلى إرادتها، وإلى تسويق الحجج والمعايير الأميركية والحليفة لها. واستغل الأميركيون والبريطانيون هذا الأمر فكانوا يطلقون سيلاً من التصريحات ضمن منظومة القصف الإعلامي المركز والهادر .. وكانت المراكز القيادية الرسمية في الولايات المتحدة وبريطانيا مستنفرة بشكل دائم لعقد مؤتمرات صحفية وغيرها .. وكان الظهور شبه دائم من البيت الأبيض والكونغرس والبنتاغون والخارجية وما يعادلها في بريطانيا .. وكان ذلك أشبه بعملية احتلال شبه كامل للشاشات العالمية من القيادات السياسية والأمنية الفاعلة في الولايات المتحدة الاميركية .. والهدف من ذلك هو غزو العقول سياسياً، وإخضاعها لما يريدونه هم وليس لما يريده الآخر، ضمن منطق عدم ترك الوقت للآخر حتى يعبر عن رأيه. وبذلك تمّ التأكد من أن عملية التسويق السياسي لهذه الحرب تتجاوز كل المنافسين .
أخيراً، لا بدّ من الإشارة إلى ما أورده الصحافي لاري ايفرست، مراسل صحيفة رفوليوشنري ووركر عن أن القوى الفاعلة داخل المؤسسة الأميركية انشغلت في حملة من التضليل لتحميل مسؤولية كل الهجمات التي استهدفت مركز التجارة العالمي والجمرة الخبيثة المرسلة بالبريد على العراق، ونبه إلى أن الجهود لربط العراق بالجمرة الخبيثة كان يديرها خبراء مفتونون بالحرب وفق جدول أعمال يقوده التخمين دون دليل ، في الوقت الذي كانت وسائل الإعلام الأميركية تتجاهل التصريحات العراقية التي تنكر فيها أية علاقة لها بـ 11 أيلول أو بالجمرة الخبيثة. مشدداً على أن الحملة التضليلية على العراق تظهر أن الصحافة الأميركية الحرة هي مجرد سن عجلة في آلات نظام الظلم والحرب الذي يعمل بخداع منظم ****** هذا الأمر جاء في مرحلة التمهيد لانطلاقة الحملة العسكرية الأميركية لمحاربة دول "محور الشر" التي اصطلح عليها الرئيس الأميركي السابق جورج بوش. والحقيقة أن هذه العملية تميزت بألق التسويق السياسي والأيديولوجي للإدارة الأميركية التي جاء بها الرئيس جورج بوش والتي اعتمدت على ما يسمى بـ"المحافظين الجدد" .
ومن أجل أن تنجح في تسويق سياساتها الجديدة استندت إلى كافة أشكال العمل الصحفي والمؤسسات الإعلامية، ولاسيما الفضائية منها والإنترنت معتمدة في ذلك على شبكة من الكتاب والصحافيين الذين صمموا وخططوا وابتكروا آليات تسويقية دعائية فعالة تتخطى تجميل صورة السياسة الأميركية إلى الهجوم على ما يرونه عدواً وتشويه صورته.
بكلمة أخيرة ..
هل نجحت عمليات التسويق السياسي الأميركي عبر وسائل الإعلام ؟ الجواب يأتي سريعاً من خلال النتائج المحققة على الأرض .. وبتفصيل أدق ، يمكننا القول إنه على الرغم من وجود أصوات عالمية مرموقة تحررت من ضغط ماكينات التسويق السياسي الأميركي الضخمة، وخاصة بعد أحداث سبتمبر وغزو أفغانستان، وحرب احتلال العراق، إلا أن النتائج الفعلية جاءت لمصلحة الولايات المتحدة التي صارت قراراتها السياسية موضع تطبيق من دول العالم وتحت رعاية الأمم المتحدة ومجلس أمنها. بل أكثر من ذلك، لقد أصبحت هذه السياسات ثقافة يحتذى بها في الكثير من دول العالم.
ولكن قد يتساءل متسائل: أليست الماكينة الحربية الضخمة هي التي انتصرت لهذه السياسات؟
هنا بالإمكان القول: إن هذه الماكينة الحربية ما كانت لتنتصر لولا مواكبتها بماكينة إعلامية ضخمة أيضاً