الإعلام حارق الأموال
عبدالرحمن بن عبدالعزيز الهزاع
عنوان هذا المقال سمعته من الزميل الدكتور فهد السنيدي خلال تقديمه لبعض فقرات الحفل الذي أقامته الأسبوع الماضي مجموعة قنوات المجد بمناسبة مرور عشر سنوات على انطلاقتها.
وقد تحدث عن المعاناة التي تعيشها وسائل الإعلام، وخاصة المرئي، في ظل ارتفاع تكاليف التشغيل والإنتاج، وانخفاض الدخل الإعلامي الذي يعتبر مصدراً مهماً في تمويل كثير من أعمال الإنتاج البرامجية من دراما، ومنوعات، ومسابقات إلى غير ذلك..
الإعلام فعلًا يحرق الأموال وتبقى المواد المنتجة رماداً لايمكن الاستفادة منه مرة أخرى، إلا ما ندر. معظم الأعمال المُنْتَجة، وإن كانت قد حققت نجاحات كبيرة وقت عرضها أول مرة إلا أنها قد لا تكون صالحة للإعادة أكثر من مرة، أو حتى لمرة واحدة. ولو تكلمنا بلغة الأرقام عن تكلفة بعض هذه الأعمال لرأينا إلى أي مدى يحرق هذا الإعلام الأموال.
مسلسل درامي من النوع الجيد، وليس المتميز، في ثلاثين حلقة تتراوح تكلفته الإنتاجية بين السبعة والعشرة ملايين ريال، وعند عرضه في أي قناة سيغطي ساعة تلفزيونية واحدة على مدار بث مستمر أربعاً وعشرين ساعة، وجمهور مشاهدين يبحث عن الجديد والمشوق. بعد هذا العرض ستقبع أشرطة المسلسل في أدراج المكتبة وقد لا ترى النور مرة أخرى، وإن رأته فهي لإعادةٍ أخرى لن تلقى القبول والرضا. هنا نتساءل عن كيف يمكن لهذه القناة أن تغطي ساعات بثها؟ وأين هي مصادر التمويل التي لاتنضب؟
يعتبر الإعلان والتمويل والرعاية من الركائز المهمة في دعم العمل الإعلامي وبدونها تبقى القنوات التلفزيونية، وحتى الحكومية، قاصرة عن توفير الحد الأدنى من الاحتياجات لتغطية الكم الهائل من الأعمال البرامجية المكلفة.
الشركات والمؤسسات والهيئات الداعمة هي الأخرى تجد نفسها أحيانا في حيرة لمن تقدم دعمها، وماذا يمكنها أن ترعى من أعمال، وعند من تعلن في فضاء ازدحم بالقنوات وطلبات من ملاكها تصل أحيانا حد الاستجداء، يقابله نقص في معدلات التخصيص لبنود الدعاية والإعلان.
الإعلام الناجح، وخاصة المرئي لن يستطيع الوقوف على قدميه بقوة في ظل علاقة ضعيفة بين المؤسسة الإعلامية، والجهات الداعمة من شركات ومصانع وبنوك ومؤسسات حكومية وغير حكومية.
المعلن أو الراعي عليه أن يضع نصب عينيه أن هناك مسؤولية اجتماعية هو طرف مهم فيها، وعن طريق إسهامه في دعم المنتج الإعلامي المتميز الهادف إنما يمارس دوره الطبيعي في تحمل جزء من هذه المسؤولية، وهو في الوقت نفسه يتطلع إلى منتَج إعلامي مكتمل العناصر يمكّنه من استقطاب جمهور المشاهدين الذين سيكون لزاماً عليهم مشاهدة المادة الإعلانية للراعي.
هناك إذاً علاقة تكاملية بين المؤسسات الإعلامية، وبين الجهات الأخرى؛ فكما أن هذه المؤسسات تحتاج إلى مبالغ كبيرة لإنتاج عمل مكتمل يُرضي تطلعات جمهور المتلقين، وهي تعوّل في ذلك على من يدعمها، فكذلك الراعي أو الممول يحرص على أن يكون العمل الذي يقف بجانبه سيظهر في صورته الأخيرة على نحو توفرت له كل عناصر النجاح، ولقي القبول والمتابعة من الجميع..