وتريات ثقافيّة.. ثقافة التحدّي

بقلم : جمال فايز

كان الرابع من أكتوبر عام 1957م يومًا مفصليًا في تاريخ البشرية وشكل نجاحًا باهرًا للاتحاد السوفييتي الذي تفكك إلى دول مستقلة في 25 ديسمبر 1991م، يومها نجح الاتحاد السوفييتي في إطلاق أول قمر اصطناعي في العالم ومثل خيبة أمل للأمريكيين وجعلهم في ذهول وهم يرون النجاح الذي حققه الاتحاد السوفييتي لكنهم لم يسلموا ولم ييأسوا من إعادة الاعتبار لهم وإن في مجال جديد من مجالات غزو الفضاء وكان القرار الأول بمراجعة المنهج التعليمي والتغيير فيه والإصرار على فعل شيء جديد وكان لهم ما أرادوا عندما نجح الأمريكان في إنزال نيل آرمسترونغ أول إنسان ينزل على سطح القمر وكان ذلك في 12 يوليو 1969م.

إنها ثقافة التحدي التي لا تعترف بالفشل ولا تنهزم أمام الصعاب وتعي "أن كل مشكلة ولها حل" كما نقول في الأمثال ، وكل نجاح يحققه غيرنا دافع كافٍ ليس لتقليده إنما لتجاوزه في النجاح. ثم إن ثقافة التحدي ليست حصرًا وليست ملكية خاصة بالدول إنما هي مزروعة مثل شجرة وارفة الظلال في أفئدة المؤمنين بثقافة التحدي أفرادًا وقطاعًا خاصًا .. فإذا - على مستوى الدول - نجح الاتحاد السوفييتي في تسجيل السبق على الولايات المتحدة خاصة وعلى بقية دول العالم عامة في إطلاق أول قمر اصطناعي ثم بعد سنوات قلائل نجحت الولايات المتحدة في الوثبة الأطول على الاتحاد السوفييتي في إنزال أول إنسان على سطح القمر فإن - على مستوى الأفراد والقطاع الخاص - نجح فيليكس بومغارتنر الرجل النمساوي وريد بول ستراتوس الشركة النمساوية في قيام فيليكس بدعم من الشركة بوثبة أطول من الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة عندما نجح كأول رجل يتجاوز سرعة الصوت في قفزة حرة من ارتفاع 39 كيلو مترًا من سطح الأرض وعندما سئل لماذا أنجزت هذه المهمة أجاب: "تعتبر فرصة لتجميع المعلومات التي قد تساهم في تطوير التدابير التي تعنى بإنقاذ أرواح رواد الفضاء والطيارين، وربما سياح الفضاء في مرحلة ما بالمستقبل. ونجاحنا في إثبات أن بمقدور الإنسان خرق سرعة الصوت في طبقة الستراتوسفير والعودة للأرض، هو خُطوة نحو تطوير إجراءات تعنى بعملية إنقاذ قرب الفضاء غير موجودة في الوقت الراهن". وأجزم ولا أظن أننا في قادم الأيام التي لن تفصلنا عنها إلا سنوات معدودة ستحمل لنا محاولات ستكون وثبتها أطول مسافة من الثلاث الوثبات السابقة التي أعطت للبشرية تقدمًا علميًا هائلاً قام بها نيابة عنا أفراد وشركات ودول تؤمن بثقافة التحدي التي للأسف أغلب شعوب العالم الثالث لا تمتلك منها إلا السخرية والتنكيت والتشكيك فيها ولا تقدر عليها حكومات دول العالم الثالث. كما أن ثقافة التحدي ليست حصرًا على المهام الكبيرة التي تبدو في وقت ما قبل وقوعها أنها من المستحيلات ولا ترتع إلا في مخيلة الواهمين كمثل قدرة البشرية في إطلاق قمر اصطناعي أو الوصول والنزول على سطح القمر أو الهبوط من ارتفاع شاهق على سطح الأرض إنما هي تكمن في الأشياء الحياتية التي نستصعبها والحياة مليئة بمثل هذه الأشياء التي نجح أصحابها في تحقيقها ونقرؤها في الصحف عن نجاح إنسان في إكمال تعليمه أو الحصول على رخصة القيادة في مرحلة عمرية متقدمة والتاريخ شاهد على حكايات كثيرة بما في ذلك الذين فشلوا مثل عباس بن فرناس أول إنسان حاول تجربة الطيران، وجميعهم يجمعهم الثبات والإصرار على هزيمة التحدي حتى وإن انقضى عمرهم وما حققوا أمانيهم. نحن أيضًا في مرحلة ما من مراحل حياتنا نحتاج إلى "ثقافة التحدي" الذي يبدو للناظر له من المستحيل تحقيقه لكن بالإصرار على الذي نريد فإننا نستطيع تحقيقه وقد نعجب في وقت لاحق عندما نسترجع شريط الذكريات كيف استطعنا تحقيق المحال؟!.