وتريات ثقافية..مفتاح التقدم على الأمم

بقلم : جمال فايز

لفتت انتباهي في مكتبة بقسم الكتب طفلة من ملامحها تبدو أنها من إحدى دول جنوب شرق آسيا فرحة بكتاب قصص مصور أعطاها إياه والدها ثم نظرت في الكتب القصصية المصورة الأخرى الموضوعة على الأرفف بينما رأيت في ذات الوقت طفلاً من أطفالنا واقفاً ينظر في رسوم الحقائب المدرسية وتذكرت حينها المثل القائل: "العلم في الصغر كالنقش على الحجر" وسألت نفسي لماذا هذه الطفلة كانت فرحة بالكتاب وتتصفحه بينما طفلنا جذبته الرسوم الملصقة على الحقائب المدرسية ، ترى ما السبب ، ومن المتسبب ؟ ..

هل هذا الواقع المؤلم لحال معظم أطفالنا مرجعه نحن أولياء الأمور لأننا لا نغرس فيهم عادة القراءة منذ الصغر ولو رغبنا كيف ننجح إن لم نبادر نحن أولاً بالقراءة أمامهم ونكون لهم القدوة ليحذو حذونا أم أن السبب في نظامنا التعليمي أو في نمط حياتنا ؟.

أما إذا أردنا تكبير هذا المشهد بصورة أكبر فإننا عند سفرنا إلى أي من المدن الأوروبية أو الولايات المتحدة فمن المشاهد المألوفة إنك ستجد في داخل القطارات وفي الحدائق العامة الأوروبي والأمريكي يقرأ كتاباً لكن يندر أن تجد عربياً يفعل بالمثل.

هذا من حيث الواقع أما من حيث الأرقام فاليونسكو تصدمنا بسوء واقع القراءة في العالم العربي، حيث أشارت إلى أن الطفل العربي لا يقرأ أكثر من (6) دقائق خارج المنهج المدرسي وعلى مستوى الكبار فإن كل (20) عربياً يقرأون كتاباً واحداً فقط في مقابل أن كل بريطاني واحد يقرأ (7) كتب وكل مواطن أمريكي يقرأ (11) كتاباً أي بمعنى آخر أن المواطن العربي يقرأ في السنة ربع صفحة فقط لا أكثر بينما المواطن الأمريكي على سبيل المثال يقرأ أحد عشر كتاباً في السنة ، أما من حيث المنتج فإن الدول العربية مجتمعة تبلغ نسبتها 1.1% من الإنتاج العالمي فقط علماً بأن عدد سكان الوطن العربي يصل إلى 5% تقريبا من نسبة سكان العالم وذلك حسب إحصائيات عام 2006م.

فكيف لنا ونحن أمة أول ما أنزل في كتابها كلمة "اقرأ" أن نستطيع أن نكون في مقدمة دول العالم أو ضمن دول العالم المتقدمة تعليماً ما دمنا أمة - هي اليوم - لا تقرأ والقراءة شرط لا بد منه لتقدم الأمم ، فالولايات المتحدة مثلا التي أصابها الذهول عندما تقدم عليها الاتحاد السوفييتي في إطلاق أول قمر اصطناعي في العالم وكان ذلك في 4/10/1957م قررت مراجعة منهجها التعليمي والتغيير فيه فاستطاعت أن تسجل السبق لها عندما نجح نيل آرمسترونغ في 21 يوليو 1969م أن يحقق لبلاده الولايات المتحدة السبق في أن يصبح أول إنسان يضع قدمه على سطح القمر.إذاً بالقراءة تنهض الأمم وبالتعليم الصائب يكون المفتاح لتقدم الأمم ، هكذا فعلت الولايات المتحدة لتتغلب على روسيا في سباقهما غزو الفضاء وتكاد تكون هذه الحالة هي ذاتها التي حدثت للعرب قبل الإسلام حيث كان التعليم يكاد يكون غير موجود بحيث نستطيع القول إن العرب كانوا قوماً أميين لا يقرأون وتغير الوضع بنزول الرسالة الخالدة التي ما كانت الكلمة الأولى فيها اسمع أو أنظر أو وحّد أو ردّد إنما كانت أول كلمة هي "اقرأ" فكانت المفتاح لنهضة العرب ويصبحون في مقدمة الأمم في ذلك العصر وهو ذاته المشهد الذي تكرر لاحقاً في تاريخ العرب وعلى سبيل المثال اهتمام هارون الرشيد ومن بعده ابنه عبدالله المأمون بالعلم من خلال إنشاء بيت الحكمة الذي أصبح في القرن التاسع الميلادي مركز إشعاع ثقافي وحضاري ليس فقط لطلبة العلم المسلمين إنما وجهة طلاب العلم يأتون إليه من بلاد العالم القديم. إن أردنا أن نصبح أمة بين الأمم المتقدمة فعلينا بالتعليم الصائب الذي ينهض بنا ويجعلنا في مقدمة الأمم.