الهوس الإلكتروني.. لله في خلقه شؤون
د.عبد الله بن موسى الطاير
قديماً في المدن والمناطق الحضرية، وإلى عهد قريب في القرى والهجر البعيدة، كان الناس ينظرون لكل ما يبث في التلفاز على أنه من الحكومة وموثوق ثقة تامة، وانسحب هذا الاعتقاد على القنوات الفضائية عند بعض الأسر الأقل تعليما والتي ترى في الدولة حامية من كل شيء وحاضنة لكل شيء، ولذلك فتحوا الأبواب على مصاريعها لكل البرامج غثها وسمينها على اعتبار أنها صنعت على سمع الحكومة وبصرها.
الحال الآن تغيرت، وأصبح كل ما يأتي من خارج الأجهزة الحكومية مصدر ثقة لا يخالطه الشك، وبذلك تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى ساحة لاقتناص البسطاء من المتعلمين وأنصافهم، ويكفيك كناشر على تويتر مثلا أن يكون لديك أجندة تستطيع إدارتها بذكاء معقول وتستخدم لغة تلامس عواطف الناس لتكون بعد ذلك المصدر الأساس لمعلوماتهم، وربما المحرك لردود أفعالهم السلوكية. وهكذا نحن باعتبارنا جزءت من السلالة العربية لانقنع إلا بأن نكون في أقصى المدى:
فنحْنُ أُنَاسٌ، لا تَوَسُّطَ بيننَا
لنَا الصّدرُ، دُونَ العالَمينَ، أو القبر
الإحصاءات التي تتحدث عن اقبال السعوديين على تويتر مذهلة، ذلك أن معدلات استخدام تويتر في المملكة العربية السعودية هي الأعلى من بين جميع دول العالم مقارنة بعدد السكان الذين يستخدمون الإنترنت. هل يعد ذلك ظاهرة سلبية أم إيجابية؟ وهل تحولت تلك الوسائل إلى ساحات حرب داحس والغبراء سيئة الذكر، بأسلحة العصر وأدوات التقنية؟
ما المؤشرات التي يمكن للدارسين الاجتماعيين أن يخرجوا بها؟
وهل تعتبر التقنية الجديدة هدية من السماء لممارسة تقيّة من نوع جديد للتخفي وراء الأسماء المستعارة؟ حتى في هذه الزاوية، عندما أراجع التعليقات أجد بعض الوجوه المحجبة القريبة مكانا مني، تنفث بعض سمومها، فنحن قوم نجيد المعارك في الظلام، ونعشق الخروج في قارعة النهار بوجوه غير تلك التي نكِّر بها ونفّر ضد شخص أو فكرة لا يتروق لنا.
ما قيل يعد من نافلة القول، فالجميع سمع عن هذا الرقم القياسي للسعوديين على تويتر، ويقيني أنه ينسحب على العرب الميسورين أينما كانوا. فنحن وجدنا وسائل باهرة لتسويق أفكارنا (الجهنمية) فعندنا لكل داء دواء، ولكن مشكلة حل، ولكل ناجح منقصة، ولكل بارز هفوة، ولكل نجاح سقطة، وخلال ساعات من نزف الكلمات نبني دولا ونهدم أخرى، ونرفع مؤسسات ونُقيّض غيرها، ونرفع أشخاصا ونخسف بسمعة الآخرين الأرض، ونفرش على دروب الأماني الكثير من الأحلام الوردية، لكننا عندما نعود للواقع نكتشف مستوى النقص الهائل في قدراتنا للتعامل مع شؤوننا الشخصية والرسمية.
الأمر هنا ليس اتهاما أو تنديدا من طرف بالآخر، فكلنا في الهوى سواء ولكن بدرجات متفاوتة.
ولأن ظاهرة تويتر لم تعد وباء يمكن الحجر على المصابين به في بقعة جغرافية محددة، وإنما عم بلاد العرب بفضل الله، ولذلك لا تستغرب أن شقيقاً يمنياً نشأ في تربة العرب الأصلية يزوج ابنته بمليون "لايك" على الفيس بوك. وقد عُرِّف الأب الذي أمهر ابنته تلك العلامات التقنية بأنه ناشط، بمعنى (مدمن) على متابعة التواصل الاجتماعي، وهو في أعماقه ربما يردد:
إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر
ولا يريد أن يناسبه في ابنته من لايقاسمه الاهتمام ويشاطره (الدجة).
ولي في ذلك أسئلة: إن كان طيب الذكر والد العروس ناشطا حقيقيا، فهل من حقه أن يفرض على ابنته هذا المهر؟ خاصة وأن المهر للعروس وليس لوالدها، يحدده كما وكيفا كما يشاء؟
وهل يضمن أن العريس بعد أن يبحر في عالم (اللايكات) المليوني سيعود لابنته؟ أم أنه يمكن أن يجد في التقنية ما يستهويه وبدون مسؤولية الأسرة والزواج؟ وهل ذلك يدخل في مدلول إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه؟ وهل يمكن أن يتحول هذا الأب إلى نموذج فيتسابق الكتاب مثلا ويقول أحدهم الذي يعلق على مقالتي مليون تعليق إيجابي أزوجه ابنتي؟
ولله في خلقه شؤون.