إضاءة .... عندما يٌكتم الرأي والرأي الآخر

بقلم / ريم يوسف الحرمي :
لم أتفاجأ كما لم يتفاجأ الكثيرون بقرار محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية تعليق أعمال مكتب قناة الجزيرة في الضفة الغربية وذلك على خلفية بثها تصريحات لرئيس الدائرة الفلسطينية وأمين سر حركة فتح فاروق القدومي والذي تحدث عن تواطؤ محمود عباس وعناصر قيادية من حركة فتح و ضلوعهم في اغتيال الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
كذلك فقد صب محمود عباس غضبه على الجزيرة زاعما أنها تقلب الرأي العام وانها منحازة لحركة حماس و ان الجزيرة تبث اخبارا تحريضية ضد السلطة الفلسطينية وزعيمها محمود عباس.
أثار هذا الخبر بالطبع حفظية واستنكار منظمات صحفية وهيئات إعلامية فلسطينية وعربية وعالمية، وهو ما يعود سلباً على رئيس السلطة الفلسطينية، فما لبث بعد تصريحاته أن قام بإغلاق مكتب قناة الجزيرة، حتى يعلن رئيس الوزراء الفلسطيني في بيان له انه تقرر معاودة الجزيرة نشاطها ومزاولة العاملين فيها عملهم، على ان يتم مقاضاة الجزيرة قانونياً لتحريضها على الفتنة والاقتتال الفلسطيني – الفلسطيني! اي كأنهم يستخدمون اسلوب العصا والجزرة وهذا ما تراءى لي!
خسر محمود عباس الرهان وسوف يخسر المعركة القضائية التي يود شنها على الجزيرة، فقد ساندت الجزيرة القضية الفلسطينية اكثر من أي قناة أو أداة اعلامية فقد عرضت وساندت القضية الفلسطينية والحرب على غزة اكثر من مساندة الدول لغزة بل واكثر من مساندة محمود عباس نفسه للقضية التي ينبغي ان تكون لها الاولوية والاهمية بدلاً من محاولاته في اخماد صوت الجزيرة ووضع العراقيل والعقبات امام مراسليها والعاملين فيها بدلاً من تذليلها!
منذ ظهور الجزيرة وحتى هذا اليوم لم تستطع اي قناة مجاراتها في طريقة عرضها للاحداث ومواكبتها للاحداث في شتى بقاع الارض وبالأخص في فلسطين ، نعم قد اختلف كثيراً وكما يختلف الكثيرون في بعض محتويات البرامج وفي بعض الأخبار (المُضخمة) التي تُعطى اكبر من حجمها، لكن ينبغي القول ان الجزيرة تحاول جاهدة ان تحافظ على حياديتها وبالرغم من انها تبث من دولة قطر، الا انها لم تتأثر بأي تيارات سياسية او دينية او غيرها فحاورت الصديق والعدو، حاورت الحليف والمقاتل، لم تحرض فئة على اخرى او دولة على اخرى، على عكس الكثير من الفضائيات التي من صاحب او مالك تلك القناة تعرف ايدلوجيات برامجها، وتعرف ماهي السمة والصبغة الغالبة عليها!
ان الحيادية في الاعلام امر صعب، وارضاء الاطراف المتنازعه والمتقاتلة أصعب بكثير، وبناءً على هذا فقد عادت دول كثيرة وانظمة سياسية قناة الجزيرة ، سواءً من دول عربية او خليجية او حتى اجنبية واتهموها بتهم كثيرة الواحدة تلو الاخرى، واغلقوا مكاتبها، وطردوا مراسليها، ولكن صوت الحق يعلو اي صوت، ويأبى الحق ان ينقشع بسهولة، فبالرغم من الاضطهادات الممارسة ضد الجزيرة، وسقوط كثير من العاملين فيها ضحية لعملهم ووفاءً له فكيف ننسى طارق ايوب الشهيد الذي سقط ابان الغزو الامريكي لبغداد، او سامي الحاج الذي تم اعتقاله بدون وجه حق في غوانتناموا، او مراسلي الضفة الغربية وغزة وغيرهم في مناطق فلسطين الذين يؤدون عملهم ليلاً نهاراً تحت وطأة الاحتلال وصوت الصواريخ وابان الحرب والسلم وغيرهم من جنود مجهولين!
هل نسيت السلطة الفلسطينية أثناء حرب غزة عندما فضحت الجزيرة الجرائم الوحشية التي ارتكبتها اسرائيل في الوقت نفسه الذي منعت فيه تل ابيب كثيرا من القنوات الاخبارية العربية والعالمية من تغطية الحرب، بينما كانت قذائف الفسفور الابيض و قنابل الدايم تستخدم من قبل اسرائيل والتي شاهدناها على شاشات التلفاز من مراسلي الجزيرة هناك!
ان الاعلام القوي له تأثير واضح سواء على المجتمع او على الدول، وقد يكون الإعلام في كثير من الاحيان هو المتنفس الوحيد وهو الصلة التي تصل شرق العالم بغربه، فعندما يُكتم صوت الاعلام ويُسلب الاعلاميون مزاولة مهنتهم بشكل طبيعي، في اعتقادي ان هنالك امرا خفيا متعلقا بإخفاء الحقائق وطمسها حتى لا تظهر للعيان وهذا هو نفسه ما حصل اخيراً بين السلطة والجزيرة.
عموماً اسم الجزيرة لا يحتاج الى تلميع، فالجزيرة سحبت البساط من كبريات الوكالات الاخبارية العالمية قبل العربية، واثبتت تفوقها وجدارتها في مجال البث الاعلامي، الاعلام الراقي الهادف غير المبتذل وغير المُتأثر بالأهواء