الثرثرة ليست من صفات المسلم، ولكنها بمفهومها المستخدم ليست مقصودة هنا، بل المقصود بالثرثرة الإعلامية معنى آخر تمامًا يستخدمه كثير من الإعلاميين ويعتبر " ثرثرة إعلامية ".
أقصد بالثرثرة هنا الخوض في العموميات التي بات الناس يفهمونها ويحفظونها عن ظهر قلب، وتكرارها بغير جدوى ولا قصد، وإنما بقصد تكرارها وحسب.
فالأصل بالمسلم وقت لاح له فجر خطاب إعلامي من خلال وسيلة إعلامية ما أن يهب لاستثمار كل لحظة وثانية في هذا المجال، وبكل ما أوتي من قوة؛ من أجل أن ينشر أمام الناس فطرته، وعلى الجمهور توجهاته، وأن يسمع القاصي والداني حقيقة توجهه وأدلته ونحو ذلك من أسس الدعوة والبلاغ.
ولذلك، فالمنطقي أن يكون الإعلامي المسلم خلف الميكروفون أو أمام شاشات التلفزة أو الفضائيات موضوعيًا صاحب طموح، ولا يقبل منه بحال أن يفوت الفرص الإعلامية، وأن يهدر الزمن المخصص لتياره في عموميات لا جدوى من ذكرها في هذا الموضع أو ذاك.
ولكن، ومن وحي التجربة، فإن الإعلامي المسلم قد يُضطر إلى اللجوء إلى هذا النوع من الحديث في عدة حالات، يكون اعتماده فيها للمنطلقات العامة، والأطروحات الكلية، والمفاهيم الشمولية براءة منه لا سبّة عليه.
فقد يقع الإعلامي المسلم نتيجة ظرف أو آخر في موقف حرج يتطلب منه الفرار منه، ومن سبح في بحر العموم فلا أضاف ولا أنقص، فتراه يكرر مسألة كلية سبق ذكرها، ويحوم حول القواعد الكلية والتصورات الشمولية للأحداث أو يستخدم الكلام الفضفاض الواسع ليعفي نفسه من موقف ألمّ به.
وعلى سبيل المثال لا الحصر.. فقد يكون الإعلامي المسلم منشغلًا في أحد الأيام بشؤونه الخاصة، ثم يأتيه الإعلام طارقًا باب بيته، أو يأتيه تكليف إلزامي له بالظهور أمام وسيلة إعلامية، وتخيل معي هذا الموقف:
( سيد فلان - ما رأيك بتصريح "السيد علان" هذا اليوم حول الاستيطان) هذا السؤال اعتيادي وبسيط، ولكن انشغال الإعلامي المسلم " فلان " جعله في عزلة عن تصريح "السيد علان" الذي هو من نفس تياره مثلًا أو من تيار آخر بعيد عنه عقائديًا وفكريًا وسياسيًا.
الحقيقة: أن الإجابة " بلا أعرف " أو " لم أسمع تصريحاته " أو " ماذا قال؟ " تعتبر ومثيلاتها نقطة على الإعلامي، لا سيما وهو لا يمثل نفسه هنا، فتقصيرك في سماع تصريح فلان لانشغالك مبرر، ولكن تقصير من كلفك بالظهور الإعلامي ولم يبلغك بمجريات الأمور غير المبرر، ولكن الرأي العام في مواجهتك أنت، وضعفك ضعف لمن تمثلهم شئت أم أبيت.
في هذه الحالات، وفي الحالات التي لا يعرف الإعلامي المسلم إجاباتها التفصيلية، فإن لجوءه إلى الثرثرة الإعلامية في العموميات ينقذه ولا ريب، ويحفظ ماء وجهه، وهو هنا إن لم يحسن ويضيف شيئًا فلن يخطئ، وهذه الالتفاتة إلى جهة النظريات الكلية العامة تصبح نقطة قوة له إذا ساقها بشكل رتيب، وشمل فيها بعض عناصر القوة.
ولاستكمال الصورة، فإن رد الإعلامي المسلم عن نظرته إلى الاحتلال والاستيطان عمومًا إجابة، ولو أضاف إليه مثلًا " ولن تجد على الساحة الفلسطينية فردًا ولا تيارًا يبرر هذا الاستيطان المحموم " مثلًا فإنه قد عمم وأرسل إشارات، فإن كان " السيد علان " قد صرح بما ينسجم مع طرح الإعلامي المسلم فالإجابة جاءت كاملة ضمنًا، وإن كانت له رؤية مخالفة مثلًا أو موقف شاذ فإن إضافة العبارة السابقة رد مسبق وضمني عليه، وبالتالي سيتيح المجال لمقدم البرنامج أو باذل السؤال أن يحدد تصريح "السيد علان" أو يعيد قوله لتعليق إضافي من الإعلامي، وعندها يكون من السهل التعامل مع الموقف.