العلاقة بين الشكل والموهبة
فهد عامر الأحمدي
جيمس واتسون عالم أحياء مشهور حاز على جائزة نوبل لاكتشافه التركيب البنيوي للشفرة الوراثية أو ال DNA. واكتشافه هذا فتح نافذة كبيرة في علم الأحياء مانزال نعيش ثورتها حتى اليوم - من استنساخ وهندسة وراثية ورسم لخريطة الجينات.. لهذا السبب حين يقول (واتسون) ان هناك علاقة بين لون البشرة والنشاط الجنسي، وبين البدانة وبلادة الحس يصبح لرأيه صدى كبير - مختوم بطابع العنصرية والحتمية الوراثية للبشر.
هذا الرأي الغريب ذكره في محاضرة ألقاها مؤخرا في جامعة بيركلي قال فيها: " إن حرارة الشمس تجعل من أصحاب البشرة السمراء اكثر نشاطا في الحب والجنس. لهذا كان أعظم الناشطين جنسيا من السود وأعظم المحبين من السمر وذوي الاصل اللاتيني.. هل سمعتم مثلا بعاشق انجليزي.. هناك فقط مريض انجليزي بارد".. وقال في نفس المحاضرة "ثبت دائما ان البدناء يحظون بأقل الفرص وآخرها في المجتمع، وقد لايكون هذا غريبا لأن بلادة الحس ترافق السمنة غالبا"!!
وحين أثارت ملاحظاته بعض الاعتراضات قال: " أنا آسف ؛ ولكنني لم استطع التعبير عن شيء واقعي بصورة اكثر لطافة".
وبعيدا عن النفاق لاينكر احد ان لدينا (نحن العامة) أفكارنا الخاصة بهذا الخصوص. فجميعنا لاحظ أن أذكى طلاب الفصل يلبس نظارة، وأكثرهم برودة أكثرهم بدانة، واغلب "اللعيبة" من سمر البشرة.. ولكن الأمر يصبح خطيرا (ورسميا) حين يصدر من علماء ومثقفين يسعون لإثبات التفوق العرقي بطريقة علمية أو مقارنة إحصائية.. فمن المفهوم أن عامة الناس تحترم آراء العلماء وتصدق ما يقولون، لهذا يصبح لرأيهم تأثير كبير حين يحاولون إقناع الناس بأن تخلف هذا العرق أو ذاك " أمر حتمي وليس للبيئة دخل فيه".
وللأسف تكرر هذا الرأي من أكثر من عالم وباحث في الغرب.. فمن الكتب التي حققت مبيعات كبيرة في امريكا وبريطانيا كتاب يدعى "منحنى الجرس" لعالمي النفس تشارلز مواري وريتشارد هيرمستين. ومنحنى الجرس هو نموذج بياني يعبر عن انقسام المجتمع إلى شكل يشبه "الجرس"؛ فنخبة المجتمع يمكن تمثيلها بقمة الجرس الضيقة (التي تنحصر وتضيق كلما اتجهنا إلى الأعلى) ودهماء الناس يكثر عددهم وتتسع قاعدتهم كلما هبطنا للأسفل.
وقد يكون هذا صحيحا وموجودا في كل مجتمع إلا أن مواري وهيرمستين حاولا حصر السود والمهاجرين في قاع الجرس ورفع النخبة المسيحية البيضاء الى قمته.. كما القيا باللوم (فيما يتعلق بازدياد قاعدة المهمشين) على برامج الرعاية الاجتماعية التي - على حد قولهما - تشجع الفقراء والمهاجرين على مزيد من الكسل والتقاعس.
المثلب الآخر أن كتاب منحنى الجرس حاول إثبات أن تخلف السود أمر فطري - وليس مكتسبا نتيجة الفقر والعنصرية - وأنه لا فائدة من محاولة تطوير مواهبهم أو زيادة ذكائهم.
.. على أي حال هذه ليست المرة الأولى التي يدعى فيها أحدهم أن تخلف عرق ما مطبوع في جيناتهم، ففي مناسبات عديدة حاول بعض العلماء ترسيخ هذا المعتقد بالاستشهاد بنتائج الذكاء التي تميل غالبا لصالح البيض (رغم انها تؤخذ أيضا كدليل على تربيتهم المكلفة). أما بالنسبة لنا فليس هناك ما يجعلنا نعتقد بوجود شعب متفوق بعد قوله تعالى: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم".