من أجل ثقافة إنتاج وإنجاز
عبدالله مغرم
لعل المتأمل لواقع الأجيال في المملكة وفي المحيط العربي يجد التناقض الحاد، فبينما توجد كوادر بشرية موهوبة ومبدعة إلا أن ذلك لم يسفعها في الحصول على فرص عمل مميزة بل ومؤشرات ارتفاع البطالة في المستقبل تلوح في الأفق وما يؤكد ذلك بعض الإحصائيات العالمية التي صدرت عن منتدى الاقتصاد العالمي التي توضح أن العالم العربي يحتاج إلى 75 مليون فرصة عمل بحلول عام 2020م بزيادة نسبة نمو تقدر 40% عن عام 2011م فقط للمحافظة على مستوى توظيف متقارب مع الفترة الراهنة وهي بالطبع إحصائيات قبل ثورات الربيع العربي والتي تزيد من مصاعب توفير فرص عمل.
اما في المملكة فكما أن الطفرة كان لها تأثير إيجابي بفضل الله على تحسن مستوى المعيشة الا أنها أفرزت ثقافة اللا انتاج أو ثقافة الانتاجية المنخفضة التي أفرزت ثقافة الفساد وإهدار المال العام ليكون البديل لضعف الإنتاجية والتمكن من تحقيق مستوى معيشة أفضل بغض النظر عن التركة الثقيلة من انتشار تلك الثقافة على واقع المجتمع والوطن ومستقبل الأجيال وهو ما يحتم التأسيس لأجيال قادمة قادرة على التحرر مما وقع فيه المجتمع من رغبة في اللاإنتاج واللا تعلم.
في حوار سابق لمعالي وزير الاقتصاد والتخطيط د. محمد الجاسر في ملتقى ريادة الأعمال الأول بالقصيم أوضح أن كوريا الجنوبية بصدد إصدار تشريع للحد من ساعات تعلم الطلاب حيث أنهم يمارسون التعلم من الصباح وحتى العاشرة مساء وهو ما يفتح باب التساؤل عن الدوافع التي تدفعهم للتعلم بتلك الطريقة وعن اغتباط طلابنا بانتهاء ساعات التواجد في مؤسسات التعليم!
إن المطلوب لتغيير ذات الواقع البدء بتأسيس ثقافة جديدة للأجيال تأخذ بعين الاعتبار قياس معدلات إحباطهم وأثرها على انخفاض رغبتهم في التعلم والشعور الذي يراودهم عند الذهاب لمؤسسات التعليم لتحقيق رغبة أكبر في التعلم ولتوجييهم للإنتاج والإبداع ولن يتحقق ذلك إلا بتوجيه المجتمع ككل للتعلم وليس التعليم فقط فالأولى ثقافة تنعكس على القدرات الإبداعية للإنسان وعلى مستقبل الأجيال والوطن والمجتمع بينما الأخيرة تصنع ثقافة حمل المؤهلات وهي من أسست لثقافة الجهل وأدت إلى اعتقاد البعض أنه ليس بحاجة إلى تعلم وإنما يحتاج إلى شهادة فقط وبالطبع أثرت تلك الثقافة بشكل سلبي على التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
في ظل ذات الواقع ولتصحيح الوضع الراهن لا بديل عن تغيير ثقافة المجتمع ولن يتحقق ذلك إلا بتحديد معايير عمل لإتاحة فرص عمل إضافي لموظفي القطاع العام بعد انتهاء العمل الرسمي للعمل في القطاع الخاص أو في أداء أعمال تجارية دون تعارض مصالح، وكذلك بتغيير هيكلة الرواتب لموظفي القطاع الخاص ففي النمسا على سبيل المثل لا توجد تفرقة في قيمة المداخيل المالية بين المواطن والأجنبي وأرجو أن لا يفهم القطاع الخاص أنها دعوة لتخفيض رواتب السعوديين وإنما تحقيق العدالة في المداخيل المالية تمكن المواطن من الحصول على فرص عمل لا يكون الخيار فيها لغير السعودي لانخفاض الرواتب وفي نفس الوقت تحقيق العدالة المالية للمقيم يحقق مزيدا من الإنتاج والإبداع، كل تلك التحديات وأكثر تحتم فتح باب الحوار في واقعنا بشفافية لاستشراف مستقبل أفضل للوطن والأجيال في ظل المعطيات الحالية.