هل انتهى عصر (كاتب) المقال الصحفي؟
د. فايز بن عبدالله الشهري
بعيداً عن التعريفات الأكاديميّة يمكن القول إن المقال الصحفي هو فكرة يقتنصها كاتبها ليحلّل أبعادها موظِّفاً المعلومة والخبرة، وبالطبع عليه أن يعرضها في أسلوب جذّاب بحسب حظّه من المهارة والعمق لتصل إلى القارئ رأيا متكاملا في معرض الآراء. والمقال الصحفي كما نعرف هو فنّ من الفنون مذ عُرفت الصحافة ويحظى بمساحة مهمة من صفحات الصحف بمختلف أشكاله الفنيّة والموضوعيّة.
تُرى هل انتهى عصر المقال الصحفي؟ وهل بقي المقال - كما كان في السابق - يُقرأ ويستثير الناس للحديث والتفكير في الأندية والمجامع؟
ما يبدو في عصر الإنترنت وصحافة الوسائط الإلكترونيّة أنّ المقال الصحفي لم يعد بتلك الأهميّة فعناصر سحر المقال في السابق مثل المعلومة والرأي والخبر باتت متاحة على اكثر من وسيط معرفي. اضف إلى ذلك ان "الانتفاخ" المعلوماتي لمستخدمي شبكات المعلومات جعلهم لا يحتاجون (النخبة) للتحليل والمعرفة من وراء الرقم والمعلومة فلكل تفسيره. وما زاد الطينة بلّة أن تاريخ العمود الصحفي في الصحافة المطبوعة خاصة في عالمنا العربي لم يسلم من كُتّاب لم يصونوا أمانة القلم كما هو حقها عليهم فظهرت فِرَق الكُتّاب المرتزقة والانتهازيين وضعيفي الأدوات الذين ملأوا الصحافة ضجيجا ما افقد المقال روحه وبالطبع اسقط توقعات الناس المثاليّة من بعض ساكني "الزوايا" الصحفيّة.
درسنا أن القلم الأمين في المقال الصحفي يستمد حبره وعطره من هموم الناس وأوجاع المحرومين، ومن تطلّعات المجتمع وطموحه نحو حياة افضل. وممّا تعلّمنا من روح المجتمع أن على كاتب المقال أن يكون الضمير اليقظ حين تُنصب المزادات للكلمة والمبدأ، وأن يكون مشعل نور حين يسود الظلام راهنا نفسه وقلمه للحق والخير والجمال حتى يكون لوطنه معنى ولمجتمعه أمل وطموح.
ولكن كيف يتحقق كل هذا مع وضوح دخول كثيرين لعالم الصحافة من بابها الخلفي؟
بعض هؤلاء وظّفوا القلم مندوب فئة أو سفير تيّار أو حتى معقب معاملات مصلحيّة فلم يعد يذكرهم الناس إلا من باب ضرب الأمثلة على النماذج السوداء في بياض الصفحات. كيف هي أمانة القلم وبين الكتّاب من يغمد قلمه خنجرا طائفيا أو يرفعه رمحا مناطقيّا أو يلوّح به عصا زجر وتشهير غليظة فوق رقاب الخصوم الذين صنعهم ضمن متلازمة هذا معنا وذاك ضدّنا.
إذا كانت ركائز المقال الصحفي قد استندت تاريخيّا إلى الرأي الناضج والمعلومة المتفرّدة والتحليل المستوعب للمجتمع والحياة فما نفع عشرات "التكايا" التي لا يجيد أصحابها إلا نثر كثير الملح على الجراح متلّذذين بصراخ اليائسين والمحبطين والمهمّشين على حواف المجتمع.
وما نفع "الزوايا" التي تصطاد الجماهيريّة بنصب فخاخ المختلف عليه في ساحات الفتنة ونبش المسكوت عنه في أضابير الغواية؟
وما منفعة من ينكأ الجراح بنثر الحبر الزعاف مستثيرا هدوء العقلاء ووسطيّة المسالمين وكأنّه متعهد نقل عدوى الفرقة والانقسام بين من تآلفوا ديانة مؤمنين أن من شذّ.. شذّ في النار.
* مسارات:
قال ومضى: دَرَسَ النحو والصرف ليستقيم "عموده" الصحفي، وبعد عشرين عاما اصبح اسماً حكمه "النصب" أمام المسؤول "مستثنى" من كل شرط.