إن الكاريكاتير كفن مستقل تبلور بشكل تقريبي في أواخر القرن الثامن عشر، وأوائل التاسع عشر وبشكل أساسي في بلدان أوربا، على القاعدة الفنية لعصر النهضة الأوربية.
ولكن الكاريكاتير كفن مركّب من عنصري التشكيل والكوميديا، أو السخرية له جذوره القديمة الضاربة في أعماق التاريخ، لدرجة تدفع بعضهم للقول إن الكاريكاتير ولد مع ولادة الإنسان. ويمكن العثور على الرسوم الكوميدية في آثار تعود حتى لحضارات وفنون ما قبل التاريخ. حيث كان الإنسان يصوّر على جدران مغارته، وعلى الصخور حياة الحيوانات المحيطة به وحياته الشخصية. وقد عُثر على الكثير من الرسوم التي تحتوي على عناصر الكوميديا والسخرية فوق الكثير من جدران الكهوف في فرنسا وإيطاليا وأمريكا الجنوبية والجزيرة العربية والصحراء الجزائرية وقبرص و في الكثير من الأمكنة الأخرى.
ولعل أبرز ما تم العثور عليه هو تلك الرسوم المنفذّة على الصخور والتي عثر عليها بكميات كبيرة في الصحراء الجزائرية، والتي تتميز السخرية فيها عن السخرية في فنون الحضارات القديمة الأخرى كما يؤكد القس «بريل» الخبير بفن ما قبل التاريخ، بأنها لا تحمل الطابع الديني. وبين هذه الرسوم ما يكتفي بالتشويه والمبالغة في رسم الأشكال البشرية، وبينها ما يحتوي على عناصر الكوميديا والسخرية في موضوعه. فعلى جرف صخري في (وادي الجرات) مجموعة كبيرة من الرسوم ذات الموضوع الجنسي، وهي الرسوم الأكثر فحشاً من بين الرسوم الجنسية التي تعود لحضارات ما قبل التاريخ. فعلى هذا الجرف رُسم رتل طويل من الرجال ذوي القرون، وأعضاؤهم التناسلية جاهزة للاتصال مع أعضاء تناسلية مؤنثة، ومن الجدير بالذكر أن التفاصيل التشريحية في هذه الرسوم منفذة جميعها بإتقان بالغ، ورغم الوضوح التام للشكل الخارجي لهذه الرسوم فإنه من غير المحتمل أن البشر سيفهمون في يوم ما المضمون الحقيقي الذي أراده الرسام من هذه الرسوم المضحكة. وفي مكان آخر على هذه الصخور امرأة، على رأسها قبعة من القش حادّة الأطراف يهدّدها من ثلاث جهات ثلاثة أعضاء جنسية ذكرية.
وفي منطقة (تيسوقاي نافيلا) في الصحراء الجزائرية أيضاً عثر على رسم فوق إحدى الصخور يصور مخلوقاً غريباً يجلس القرفصاء، وله عضو تناسلي ضخم، وذيل أزلط، وأذنان كبيرتان حادّتا النهايتين، وعينان دائريتان واسعتان وأنف معقوف كمنقار البوم. وإلى الشمال الغربي من هذه المنطقة رَسْمٌ على إحدى الصخور يصور أشخاصاً ممشوقي القامات لهم ذقون طويلة، دقيقة النهايات ويرتدون جلود وحوش مغلقةً عند الصدور مسلحين بالسهام والأقواس ذات الانحناءات الثلاثة يذكرّون بالمحاربين "الهكسوس" الذين احتلوا مصر في حوالي 1550 ق.م، وبالنقوش السومرية العائدة الى ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد.
في هذه الرسوم جميعا يُلاحظ التشويه في المقاييس التشريحية لجزء من الجسم أو للجسم كله ولكنه يمكن القول إنه رغم ذلك فإنه لا يمكن التأكيد على المضمون الساخر فيها.
إلا أنه تم العثور على رسوم ذات مواضيع، يؤكد الكثير من الباحثين بشكل قاطع أنها ساخرة. من هؤلاء الباحثين القس «بريل» الذي دُهش للطابع القصصي الذي تحمله مجموعة من الرسوم التي تم العثور عليها في الصحراء الجزائرية، والتي قام القس بدراستها بشكل عميق وأكد على أن المضمون الفكاهي فيها، يحتل المكانة الأولى، وقد أثارت هذه الرسوم تساؤلاتٍ كثيرةً لدى القس، فهل يدور الحديث عن حركة قطيع من الثيران؟ أم عن مضارب الرعاة المكونة من الأكواخ، أم عن ثيران مقيّدة أم عن نساء يمشطن شعور بعضهن بعضاً أم عن صيد الغزلان أم عن اقتسام لحم حمار الوحش أم عن كل هذه الأشياء مجموعة؟ والتي تشكل مع بعضها بعضاً صورة مكتملة لحياة رعاة القطعان في البراري السودانية، حتى عصرنا الراهن.
وفي بعض الأحيان يبلغ التعبير الفكاهي أوجه بالنسبة إلى ذلك العصر في بعض هذه الرسوم، وبهذا الصدد يمكن الإشارة إلى رسم ذي مضمون جنسي، تم اكتشافه ونسخه على الكوتشوك في عام 1956 من قبل بعثة أثرية فرنسية، يقودها عالم الآثار الفرنسي الشهير «لوت» وقد رسم على صخرة ليس من السهل الوصول إليها حيث يقع الرسم على ارتفاع ستة أمتار وكأن الرسام أراد أن تقع عليها عين الناظر مهما كانت الجهة التي مر بها من هذا المكان. وفي هذه اللوحة التي تمثل العلاقة بين المرأة والرجل لا شيء فاضح، ونقول لا شيء فاضح لأن تصوير عملية الاتصال الجنسي في ذلك الوقت لم تكن أمراً خارجاً عن الحياء العام وهذا ما عرفته الكثثير من الحضارات القديمة مثل الحضارة اليونانية، وبعض الحضارات البائدة في القارة الأمريكية ، وهو ما زال موجوداً حتى عصرنا الراهن، لدى بعض التجمعات البشرية مثل بعض قبائل الأسكيمو وبعض قبائل الهنود الحمر وبعض القبائل الأفريقية البدائية والتي تعتبر عملية الاتصال الجنسي الجماعي عندها أمراً عادياً جداً لا يختلف عن تناول الطعام والشراب، ومن الممكن أن هذا الرسم يصور عملية اتصال جنسي جماعي أو مكاناً للدعارة أو حتى من الممكن مراحل مختلفة لقصة واحدة، ومن الممكن أيضاً أنه يصور الأشكال المختلفة لعلاقة الرجل بالمرأة، ففي الوسط من الأعلى امرأة مستلقية منفرجة الساقين وفوقها رجل بوضعية لا يمكن أن تفهم إلا بشكل واحد، والمضحك أن امراة تجلس القرفصاء على يمينهما وتلوح بيدها وكأنها تعد لهما الحركات أو تضبط إيقاع العملية، وإلى أقصى اليمين رجل يشد امرأةً من يديها جاذباً إياها نحوه ناظراً إلى الرجل والمرأة المستلقيين، وكأنه يدعوها للقيام بنفس العمل. إلا أن المرأة تتمنّع، وفي أسفل الرسم رجل يدعو امرأة، إلا أن المرأة ترفع يديها بحركة تدل على أنها غير راغبة بما يقترحه عليها الرجل، وإلى اليسار امرأة تهرب من رجل يحاول الإمساك بها محاولةً إنقاذ نفسها من عناق لا حاجة لها به، وإلى الأعلى قليلاً على يسار الرسم رجل يمسك بالقوس ومنظره وحركته يدلان على أنه غاضب لأمر ما ويتجه باتجاه المرأة والرجل المستلقيين وكأنه يريد الانتقام للخيانة التي يرتكبانها وربما هذا الرجل الغاضب زوج تلك المرأة أو شيئاً من هذا القبيل ( 1).