مهمة الصحافة العربية
إبراهيم الباروني
لقد سلكت الصحف العربية على سبيل التقليد، طريقاً أقل ما يقال فيها إنها شائكة... فالربح المادي أصبح غاية كثير منها، والمخلصون من أرباب الصحف الذين توخوا المصلحة العامة من وراء التقليد، لم يكونوا موفقين كل التوفيق في تقليدهم لصحافة الغرب، لأنهم لم يراعوا الفرق، وأقل ما هنالك من فرق بين القارئ الغربي والعربي، أن ثقافة الأول أوفى وأكمل، والروح التي تتمثل في صحافة الغرب هي انعكاس صادق لنفسية الجمهور، فشأن الصحافة في الغرب شأن الموسوعة المقتضبة عند العالم المتخصص، لا تزيده علماً ولكنها تعيد عرض كثير مما يعلم في صور وألوان مختلفة، جديدة مختصرة، وهذا كله بخلاف ما يتطلبه مستوى الجمهور العربي من صحافته.
على الصحافة العربية أن تسد النقص الباقي في جهود المدرسة، وعليها أن تتولى قيادة الرأي العام إلى حيث (يجبُ) لا إلى حيث (يحبّ) وعليها أن تشق الطريق لرجال الإصلاح ودعاة التقدم وهنا يجب أن نلاحظ، في كثير من الأسف، أن الصحافة العربية بهذا الاعتبار، وباعتبار أنها مرجع ومصدر للثقافة الصحيحة، لم تحظ بالثقة الكافية إلى الآن، وإذا كانت مادية الغرب تبرر لصحافتها توخي الربح، وإرضاء ميول الجمهور، فإن واجب الصحافة العربية يحتم عليها أن تتحرى النفع العام، وأن تكون عاملاً قوياً في توجيه ميول قرائها وجهة أسمى وأقوم مما تتجه إليه بطبيعة الحال.
وأستطيع أن أذكر هنا (القصة كمثال لما تلجأ إليه صحافتنا عامة بدون استثناء، لملء الفراغ، والاستكثار من القراء، وإذا كانت القصة المثالية في حد ذاتها نافعة في التهذيب والتثقيف، فإني أعتقد أن هذا النوع من القصص التجاري الرخيص الذي لا تخلو منه صحيفة من الصحف إلا ما ندر، أبلغ ضرراً وأسوأ أثراً في توجيه الفكر العربي العام، وفي تهذيب الوجدان العربي العام، من كثير من عوامل النقص والفساد في حياتنا الاجتماعية.
فلتحمل صحافتنا نفسها على (صيام) موقوت، تتطهر فيه من أمثال هذه الأدران والنقائص، ولتخلص النية والعزم في قيادة الرأي العام السليم الطوية، المتعطش للمعرفة، إلى حيث يدرك جمال الحقيقة وسمو الحق، وجلال العدل، وطهر الفضيلة، فيرتفع رويداً رويداً، مغالباً نـزوات النفس ومطامع الهوى إلى مرتبة يشعر فيها بالكرامة، ويستطيع أن يقوم بنصيبه كاملاً في بناء صرح النهضة.
مجلة التمدن الإسلامي: السنة الثالثة، العدد الثامن، 1356هـ - 1937م