التفكير في المستقبل
عدنان بن سلمان الدريويش
التفكير هو كل العمليات الذهنية التي يقوم بها عقل الإنسان، وأفضل التفكير ما كان في خلق الله من تدبُّر وتأمُّل فيما أبدعه الخالق سبحانه، وهو من العبادات التي يؤجر عليها الإنسان، قال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 164].
إن التفكير في المستقبل مهارة يحتاج إليها كثير من الشباب والفتيات، وهو توقُّع وتخيُّل ما قد يحدث مستقبلًا من أحداث وتطوُّرات، إلا أنه بسبب التحديات المستقبلية التي فرضتها الحياة المعاصرة، جعلت الشباب والفتيات يميلون إلى التوتُّر والقلق من مستقبلهم، وهو حالة طبيعية خاصة عندما يواجهون موقفًا جديدًا أو أمرًا مربكًا في حياتهم، ويكون هذا القلق مفيدًا للمراهق إذا كان دافعًا له للتخطيط والإنجاز ومواجهة الحياة، لكن المشكلة الكبرى عندما يسيطر التفكير السلبي على عقله، فيجعله يتجنب مواجهة المجتمع والحياة.
يقول خالد: أنا شاب أعاني من القلق والخوف من المستقبل وأميل للانعزال، أخشى من عدم الحصول على الوظيفة رغم أن عمري 14 سنة، وأخاف أن تكون خياراتي المستقبلية خاطئة، كيف أتخلَّص من التفكير الزائد؟
التفكير الزائد في أمر ما، يعني وجود مشكلة أو موضوع يشغل تفكير المراهق، ويؤثر في حياته سلبًا؛ مما يجعله يجد صعوبة في اتخاذ القرار، والتشكيك فيه، وكثرة الندم، والشعور بالإرهاق العقلي والعاطفي، وصعوبة النوم أو النوم المتقطع، وقضاء الكثير من الوقت في القلق والتوتُّر، وللتخلص من هذه المشكلة أنصح المراهق بالتالي:
اشغل وقتك بالأمور النافعة والهوايات المفيدة؛ كالمحافظة على الصلوات في المسجد، وصلة الرحم، والأعمال التطوعية، والرياضة والكتابة.
تقبَّل نفسك بسلبياتها وإيجابياتها، وأن الماضي ذهب وانتهى ولن يعود، وعلينا أن نركز على الحاضر بتطوير أنفسنا حتى ننجح في المستقبل.
لا تسرد قصتك بأحداثها السلبية على أحد؛ وإنما دائمًا اذكر لهم الوقائع الرائعة في حياتك؛ كمحافظتك على الصلاة وتفوقك في الدراسة وبرك بوالديك وغيرها من الأمور التي تحفزك للمستقبل.
قراءة قصص الناجحين والمؤثرين، مثل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح، كيف تغلبوا على واقعهم وخططوا لمستقبلهم؟
تذكر أننا بشر والخطأ والقصور وارد علينا، جاء في الحديث الصحيح: "كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ، وخيرُ الخطَّائينَ التَّوَّابونَ"؛ رواه الترمذي.
تحدَّث مع شخص يحبك وتثق به عن مخاوفك، حتى يساعدك في التخلص من هذه المشكلة.
الذهاب مع العائلة أو الأصدقاء إلى الحديقة أو البحر أو أحد المنتزهات الهادئة، حتى تسترخي وتستمتع وتترك التفكير الزائد.
ركِّز على الحلول بدلًا من المشكلة، فكلما تقدَّمت قليلًا في الحلول استطعت أن تقضي على المشكلة.
تخلَّص من الأشخاص والوسائل التي تزيد من تشتُّت تفكيرك، وابحث بالمقابل عن الأشخاص والطرق التي تساعدك على التركيز والانتباه.
تذكَّر أن التوفيق والهداية والبركة من الله، فعليك بالدعاء الصالح، واللجوء إلى الله، وترك المعاصي، والإكثار من الطاعات، وقراءة القرآن، والمحافظة على أذكار الصباح والمساء.
المسلم مُبْتلًى في ماله وأهله وفي نفسه، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزالُ البلاءُ بالمؤمنِ والمؤمنةِ في جسدِه ومالِه ونفسِه حتَّى يلقى اللهَ وما عليه مِن خطيئةٍ"؛ صحيح ابن حبان، وهنا عليك بالصبر والاحتساب والإيمان بما قدره الله عليك من أقدار الدنيا.
قد يكون التوتر والقلق بسبب مرض عضوي أو نفسي وهنا أنصحك بعرض نفسك على الطبيب، والبحث عن مستشار متخصص يساعدك في تخطي هذه المشكلة.
أسأل الله العظيم أن يصلح أولادنا، وأن يجعلهم هُداةً مهتدين على سيرة حبيبنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.