الشيخ سارية الرفاعي: منارة الدعوة والثبات في وجه المحن
في حياة الأمم، تُولد شخصيات تحمل على عاتقها هموم الناس وآمالهم، وتجعل من رسالتها نبراساً يُهتدى به في طريق الإصلاح والبناء. ومن هؤلاء، فضيلة الشيخ سارية بن عبد الكريم الرفاعي (1367-1446 هـ/ 1948-2025 م)، الذي جمع بين الدعوة الصادقة، والثبات أمام المظالم، والعمل الدؤوب لخدمة الدين والمجتمع.
نشأته وتعليمه
وُلد الشيخ سارية الرفاعي في حيّ القنوات بدمشق عام 1367 هـ/ 1948 م، لعائلة دمشقية عريقة ترجع أصولها إلى مدينة حماة، ذات نسب شريف يتصل بالإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما. نشأ في كنف والده الشيخ عبد الكريم الرفاعي، أحد أبرز أعلام الدعوة المسجدية بدمشق، وتشرّب من مدرسته روح الإيمان والعمل الصالح.
تلقى تعليمه الشرعي في الأزهر الشريف، حيث تخرّج من كلية أصول الدين، وأكمل دراساته العليا لينال درجة الماجستير عام 1977 م. منذ شبابه، حمل همّ الدعوة، وعمل على ترسيخ القيم الإسلامية في النفوس، سواء من خلال خطب الجمعة، أو عبر نشاطه المجتمعي الواسع.
دعوة وبناء
كان إماماً وخطيباً لمسجد زيد بن ثابت في دمشق، حيث أصبحت منبراً للتربية الإيمانية والدعوة إلى الله. لم يكتفِ بالدعوة من خلال المنبر، بل أسس العديد من الجمعيات والمؤسسات الخيرية والاجتماعية، منها:
لم تكن حياة الشيخ سارية الرفاعي بعيدة عن التحديات والمحن، فقد اشتهر بمواقفه الجريئة في وجه الظلم، خاصة خلال الثورة السورية. ففي عام 2012، دعا إلى إضراب عام في دمشق احتجاجاً على مجزرة الحولة، ما أدى إلى إغلاق الأسواق في العاصمة.
اضطُر إلى الهجرة مرتين بسبب تضييق النظام السوري عليه؛ الأولى عام 1980 حيث أقام في المدينة المنورة حتى عام 1993، والثانية بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، إذ غادر إلى القاهرة ثم استقر في إسطنبول حتى وفاته.
مذكّرات في زمن الثورة (الجزء الأول)، إسطنبول، 2020.
الأربعون السَّنية في ثلاثيات الأحاديث النبوية، إسطنبول، 2023.
مذكّرات في زمن الثورة (الجزء الثاني)، قيد الطباعة.
تفسير القرآن العظيم، مخطوط.
الأربعون السنية للشيخ سارية الرفاعي
حياته الشخصية
تزوّج الشيخ سارية الرفاعي من الداعية الواعظة سهام عبدو من بلدة سقبا بريف دمشق. كان له ستة أبناء: أربعة أبناء هم محمد ياسر، محمد عمار، محمد بشار، ومحمد، وابنتان هما الداعيتان أمامة وغفران، الذين ساروا على درب والدهم في نشر الدعوة وخدمة المجتمع.
وفاته ورسالة تعزية
في يوم الاثنين 6 رجب 1446 هـ الموافق 6 يناير 2025 م، أسلم الشيخ سارية الرفاعي روحه الطاهرة إلى بارئها في مدينة إسطنبول، عن عمر يناهز ثمانين عامًا.
لقد فقدت الأمة الإسلامية رجلاً قلّ نظيره في زمننا هذا، عُرف بصدقه وشجاعته وإخلاصه في نصرة المظلومين ونشر دعوة الحق. نعزّي أهله وذويه ومحبيه، ونسأل الله أن يتقبله في الصالحين، ويجزيه خير الجزاء على ما قدم لدينه وأمته.
اللهم اغفر له وارحمه، وأسكنه فسيح جناتك، واجعل ما تركه من عمل صالح شفيعاً له يوم القيامة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تسلــم الأيــــادي على الإنتقـــاء المميز والقيـــم
وبارك الله فيك على الطرح الرائـع وجزاك الله خيرا
لمـــا تقدمــــه من مجهــــودات طيبـــة .
واصل تميــــزك وتألقـــك ، في إنتظــــار جديـــدك
تحيـــــــاتي.