الأصل أن الحرية حاجة إنسانية لازمة لتأكيد كرامة الإنسان، وهي حق من حقوقه، لا يجوز أن يُسلب منه أو أن ينازعه فيه أحد.
وتماشياً مع هذا الأصل سعت الدساتير في العالم إلى تكريس الحرية والحدّ من سلطات التوقيف والتضييق من نطاق اللجوء إليه.
1- كل متهم بريء حتى يُدان بحكم قضائي مبرم.
2- لا يجوز تحري أحد أو توقيفه إلاّ وفقاً للقانون.
وقرينة البراءة تقضي بأن المدعى عليه بريء، ويجب أن يُعامل على هذا الأساس خلال فترة النظر في الدعوى حتى صدور حكم قضائي مبرم. غير أن ضرورات اكتشاف الحقيقة قد تقتضي تقييد حريته في بعض الأحيان.
أولاً- تعريف التوقيف الاحتياطي Preventive detention:
التوقيف الاحتياطي هو «إيداع المتهم السجن خلال فترة التحقيق كلها أو بعضها أو إلى أن تنتهي محاكمته».
وفي تعريف آخر هو «سُلب حرية المتهم مدة من الزمن تحددها مقتضيات التحقيق ومصلحته وفق ضوابط قررها القانون».
كما يمكن تعريفه بأنه «وضع المدعى عليه في أحد محال التوقيف طيلة مدة التحقيق معه أو خلال فترة منه بموجب مذكرة صادرة عن قاضي التحقيق. وقد يستمر هذا التوقيف إلى أن يصدر حكم مبرم في الدعوى».
ولابدّ من الإشارة إلى أن المشرع السوري قد اكتفى في قانون أصول المحاكمات الجزائية باستعمال تعبير (التوقيف) فقط، دون أن يصفه بوصف ما، كما فعل المشرع المصري الذي سمّاه (الحبس الاحتياطي)، أو المشرع الفرنسي الذي سمّاه (التوقيف المؤقت).
ثانياً- مبررات التوقيف الاحتياطي وعيوبه:
يرى الفقه الجزائي أن للتوقيف الاحتياطي عدة مبررات لا يجوز تجاوزها وإلاّ أضحى حجزاً للحرية غير مشروع، وهذه المبررات هي:
أ- الخشية من تمكن المجرم عندما يترك حراً طليقاً من طمس معالم الجريمة المنسوبة إليه أو محو آثارها، أو التأثير في الشهود الذين لم يستمع القاضي إلى شهاداتهم.
ب- عدم فرار المدعى عليه وتواريه عن الأنظار، واحتمال تعذر إنزال العقاب به عند إدانته.
ج- الخوف من إقدام المدعى عليه على ارتكاب جرائم أخرى؛ ولاسيما إذا كانت العوامل الإجرامية التي قادته إلى جريمته الأولى ما تزال قائمة.
د- حماية المدعى عليه نفسه، فوجود المدعى عليه طليقاً في مكان جريمته قد يغري أهل المجني عليه بالانتقام منه.
هـ- تهدئة الرأي العام وكبح غضبه، فبقاء المدعى عليه حراً على الرغم من جريمته قد يثير مشاعر الاستنكار في المجتمع، فالتوقيف الاحتياطي للمدعى عليه يمثل إرضاء عاجلاً لمشاعر المجتمع ريثما يتحقق الرضا الكامل بإنزال العقاب بالمدعى عليه فيما بعد.
وعلى الرغم من هذه المبررات فإن للتوقيف الاحتياطي عيوبه، فهو يناقض قرينة البراءة، باعتباره ينزل بالمدعى عليه إيلاماً في الوقت الذي لم تثبت فيه إدانته بعد، كما أنه يؤدي إلى قطع صلاته بعائلته،
ويوقف نشاطه المهني؛ وقد يحدث التوقيف الاحتياطي صدمة نفسية للمدعى عليه ولاسيما إذا ثبتت براءته فيما بعد.
والواقع أن الفقه الجزائي قد تقبّل عيوب التوقيف الاحتياطي بسبب مبرراته التي سبقت الإشارة إليها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ