ثمة ضمانات يوجب المشرع إحاطة الحكم الجزائي بها. ويمكن رد هذه الضمانات إلى نوعين : ضمانات لصيقة بالحكم الجزائي ذاته (وتستقى جلها من وجوب اشتمال الحكم على بيانات معينة). وضمانات متعلقة بآلية إصداره .
اولا - الضمانات اللصيقة بالحكم ذاته (مشتملات الحكم):
يوجب القانون اشتمال الحكم الجزائي على بيانات معينة تفضلها المادة 3۲3 من قانون أصول المحاكمات الجزائية بقولها «يشتمل الحكم على ملخص الوقائع الواردة في قرار الاتهام أو المحاكمة العلنية وعلى ملخص مطالب المدعي الشخصي والمدعي العام ودفاع المتهم وعلى الأسباب الموجبة للتجريم أو عدمه وعلى المادة القانونية المنطبق عليها الفعل في حالة التجريم وعلى تحديد العقوبة ومقدار التعويضات الشخصية ....
ويستخلص من النص السابق أن الحكم الجزائي يشتمل على أجزاء ثلاثة هي: الديباجة، والأسباب، والمنطوق (أو ما يطلق عليه الفقرة الحكمية) وتكون هذه الأجزاء الثلاثة كة واحدة يكمل بعضه بعضا : فالديباجة هي مقدمة الحكم، والأسباب هي سرد لوقائع الدعوى وطلبات ودفوع الادعاء والدفاع والرد عليها، أو هي في عبارة أخرى تعليل الحكم وبيان الأسباب التي بني عليها. أما المنطوق فهو ما قضت به المحكمة تحديدا في موضوع الدعوى الجنائية، وهذا الجزء هو الذي يكتسب حجية الشيء المحكوم فيه . ويصح الطعن فيه بطرق الطعن المقررة .
1- ديباجة الحكم:
يجب أن يشتمل الحكم في ديباجه على بيان أسماء أعضاء هيئة المحكمة التي اشتركت في التدقيق والمذاكرة (المداولة) وأصدرت الحكم، وكذلك تاريخ صدور الحكم والبيانات الخاصة بالمنهم من اسمه ولقبه وسنه وصناعته ومحل إقامته. كما يجب أن تتضمن الديباجة على وصف الواقعة أو التهمة وذكر مواد نصوص القانون المنطبقة عليها.
وليست كافة هذه البيانات السابقة التي تشتمل عليها الديباجة على نفس الدرجة من الأهمية: فثمة بيانات لا يؤدي تخلفها إلى بطلان الحكم كإغفال النص على البيانات الخاصة بسن المتهم وصناعته ومحل إقامته ما
دام أن المتهم لا يدعي أنه كان في سن تؤثر على مسؤوليته(1). لكن هناك على العكس من ذلك بيانات من الأهمية ذكرها بحيث أن تخلفها يجعل الحكم معيبة ومثال ذلك تاريخ وقوع الجريمة. فمثل هذا البيان يرتب نتائج قانونية لا سيما فيما يتعلق بالحق في رفع الدعوى الجنائية(2).. وكذلك الأمر بالنسبة لتاريخ صدور الحكم إذ هو بيان جوهري يترتب على خلو الحكم منه اخبار هذا الأخير باطلا(3) .
۲. أسباب الحكم:
يقصد بأسباب الحكم أو تعليله سرد وقائع الدعوى، وبيان طلبات ودفوع أطراف الخصومة الجنائية والرد عليها، وما يترتب على ذلك من وجهة نظر المحكمة من الكشف عن الأسباب التي تبني عليها هذه الأخيرة حكمها(4)
ويجب من ناحية أولى أن يشتمل الحكم الصادر بالإدانة على تحديد الواقعة المنسوبة للمتهم والظروف التي أحاطت بوقوعها وإضفاء التكييف القانوني السليم عليها، وذكر النص القانوني الصالح للانطباق عليها. أما الحكم الصادر بالبراءة أو بامتناع مسؤولية المتهم فيتعين أن يبين على وجه واضح سبب هذه البراءة أو سبب امتناع المسؤولية .
ويلزم من ناحية ثانية أن يورد الحكم الأدلة التي استند إليها في منطوق الحكم الصادر بالإدانة؛ كاعتراف المتهم على سبيل المثال. وإنما يجب عرض هذه الأدلة على نحو واضح وتفصيلي متى انت هي الأدلة الحاسمة في تكوين قناعة المحكمة والتي اعتمدت عليها في منطوق الحكم. فيكون الحكم قاصرة في بيان الأسباب التي ارتكز عليها إذا اقتصر على استخلاص ثبوت التهمة من أقوال المجني عليه أو من تقرير الخبير دون أن يذكر تفصيلات هذه الأقوال أو هذا التقرير .
كما ينبغي من ناحية ثالثة أن تتضمن أسباب الحكم رد المحكة على ما يبديه الخصوم من طلبات ودفوع. فإذا أنكر المتهم الاعتراف المنسوب صدوره عنه أمام جهة التحقيق وجب على المحكمة أن تشير إلى هذا الإنكار.
وفي كافة الأحوال، يلزم أن يتحقق الانسجام بين أسباب الحكم فيما بينها وإلا وصم هذا الحكم بعيب التناقض في التسبيب وهو ما يمثل وجهة من أوجه الطعن المحتمل في هذا الحكم. إذ التناقض في التسبيب يعيب الحكم فيما يخلص إليه من منطوق. والتناقض في تسبيب الحكم الذي يصمه بالقصور هو ما يقع بين أجزاء هذا الحكم بحيث ينقض بعضها ما يثبته البعض الآخر ولا يعرف أي من الأمرين قصدته المحكمة. فإذا ذكرت محكمة الجنايات في موضع من حكمها أن الثابت لديها أن المتهم أطلق على المجني عليه عبارة نارية قاصدا قتله بسبب الضغائن، ثم أثبتت في موضع آخر أنها ترى استعمال الرأفة معه لأنه كان مدفوعة فيما اقترفه بعامل الرغبة في القبض على المجني عليه الهارب من المراقبة... فمثل هذا التضارب يعيب الحكم ويصمه بالتناقض في التسبيب(5).
٣. منطوق الحكم:
ويقصد به نص ما قضت به المحكمة في الطلبات المطروحة عليها وتم تلاوته في الجلسة عقب المداولة (التدقيق والمذاكرة). ولمنطوق الحكم أهمية خاصة من ناحيتين: الأولى، أنه الجزء من الحكم الذي يكتسب حجية الشيء المحكوم فيه، وينصب عليه - احتمالا - التظلم من الحكم او مراجعته بطرق الطعن المقررة قانونا. الثانية، أن هذا الجزء من الحكم هو الذي تتحدد به حقوق الخصوم (الفرقاء) فيما رفعت به الدعوى وتبين به مراكزهم القانونية .
وقد يصدر الحكم بالبراءة أو بالإدانة أو إبطال التعقبات أو عدم الاختصاص. ويستخلص ذلك مما تنص عليه المادة ۲03 أ.م.ج بالنسبة للمحكمة البدائية (الابتدائية) بقولها: " إذا تبين أن الفعل لا يؤلف جرمة أو أن المدعى عليه بريء منه فإن المحكمة تقرر إبطال التعقبات أو تعلن براءة المدعى عليه وتقضي في الوقت ذاته بطلب المدعى عليه عطله وضرره" . أما بالنسبة لمحكمة الجنايات، فتنص المادة 3۲۲ أ.م.ج في فقرتها الثانية على أن تقضي المحكمة بالتجريم عند ثبوت الفعل وبالتبرئة عند انتفاء الأدلة أو عدم كفايتها وبعدم المسؤولية إذا كان الفعل لا يؤلف جرمة أو لا يستوجب عقابا" ثم تضيف نفس هذه المادة في فقرتها الأخيرة " إذا قررت المحكمة التجريم فإنها تقضي في الحكم نفسه بالعقوبة وبالتعويضات الشخصية ورد المال" .