التحقيق الابتدائي في الدعوى الجنائية هو عمل إجرائي يضم في ثناياه مجموعة من الإجراءات التي تتخذها سلطة معينة هي سلطة التحقيق؛ وموضوع هذا التحقيق هو الجريمة الواردة في محضر الاستدلالات، والهدف منه كشف الحقيقة بصدد هذه الجريمة والتحقق من مدى نسبتها إلى المتهم المذكور، بغية إحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة في حالة رجحان أدلة الإدانة، أو إصدار قرار بمنع المحاكمة إذا رجحت أدلة البراءة.
طبيعة مرحلة التحقيق الابتدائي:
يمثل التحقيق الابتدائي الحلقة الوسط في ثلاثية سيرورة الدعوى الجنائية. فهذه المرحلة تعقب مرحلة الاستقصاء التي يقوم عليها رجال الضابطة العدلية، وتسبق مرحلة المحاكمة التي يضطلع بها نضاء الحكم.
ومرحلة التحقيق الابتدائي لازمة ولا غنى عنها في مواد الجنايات.. إذ لا يجوز بأي حال من الأحوال عرض جناية على المحكمة ما لم يكن قد سبق تحقيقها بواسطة سلطة التحقيق. أما في مواد الجنح والمخالفات ، فالتحقيق ليس إجبارية. ولهذا فقد أن للنيابة العامة - بناء على محضر الاستقصاء (جمع الاستدلالات) - أن تحيل الدعوى الجنائية مباشرة أمام المحكمة المختصة دون عرضها على سلطة التحقيق.
وليس من الضروري أن تنتهي مرحلة التحقيق إلى إحالة الدعوى الجنائية إلى المحكمة. فسلطة التحقيق هي سلطة محايدة وموضوعية غايتها ليست إلا تمحيص الأدلة ومحاولة الكشف عن حقيقة الجريمة الواقعة، ومدى صحة نسبتها إلى المنهم. وبالتالي فليس ثمة ما يمنع من أن توقف سيرورة الدعوى الجنائية ونصدر قرارا بمنع المحاكمة إذا ما ارتأت أن الأدلة التي بين يديها، وما توفر لها من حقائق بناء على ما اتخذته من إجراءات، لا يؤكدان ثبوت التهمة في مواجهة المتهم.
الجهة التي بعهد إليها القانون بمهمة التحقيق (قاضي التحقيق):
تسمى الجهة التي تتولى التحقيق بسلطة التحقيق. وقد تجمع هذه السلطة بالإضافة للتحقيق سلطة الادعاء. وقد تستقل بالتحقيق فقط دون الادعاء. وقد أخذ المشرع اللبناني بنظام الفصل بين سلطتي الادعاء
وتتولاها النيابة العامة) وسلطة التحقيق (ويضطلع بها قاضي التحقيق). أما المشرع المصري، فقد عهد بسلطتي الادعاء والتحقيق معا إلى النيابة العامة بصفة أصلية. لكنه أجاز في حالات معنية أن يتولى التحقيق قاضي التحقيق او مستشار التحقيق.
وقد نظم المشرع اللبناني أمور تعيين قضاة التحقيق وتحديد وظائفهم وحدود سلطاتهم، وما يقومون به من معاملات التحقيق في المادة 51 وما بعدها من قانون أصول المحاكمات الجزائية .
ونظرا لأهمية مرحلة التحقيق، بما قد تسفر عنه سواء من استمرار الدعوى الجنائية، او صرف النظر عنها فقد احاط القانون هذه المرحلة بقيود وضمانات متنوعة. فإجراءات التحقيق لا بد وأن تصدر فقط عن الجهة التي خولها المشرع هذه السلطة، ألا وهي قاضي التحقيق. وبالتالي فلا تعتبر الإجراءات التي يتخذها مأمور الضبط العدلي المندوب من جهة التحقيق من قبيل إجراءات التحقيق. فمأمور الضبط المندوب إنما يستمد سلطته من أمر الندب ذاته وليس من صفته كأمور للضبط .
بل إن الإجراء التحقيقي الذي يتخذه قاضي التحقيق لا بد لصحته من مراعاة بعض القيود والضمانات. وأي إجراء يخالف هذه القيود والضمانات يفقد صفته كعمل تحقيقي، ويلحقه البطلان. من ذلك سماع المحقق شهادة أحد الأشخاص دون سبق تحليفه اليمين؛ أو القيام باستجواب المتهم في غير حضور كاتب للتحقيق يقوم بنفسه بتدوين أقوال المتهم في محضر التحقيق الرسمي.