أولا ً: قوة مبادئ المحكمة العليا.
أكد المشرع على مكانة المبادئ التي تقررها المحكمة العليا ، فنص في المادة 31 من القانون رقم 6 لسنة 1982م بإعادة تنظيم المحكمة العليا على أن [ تكون المبادئ القانونية التي تقررها المحكمة العليا في أحكامها ملزمة لجميع المحاكم وكافة الجهات الأخرى في الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية ] وقد ثار خلاف بين الفقهاء حول مدى إلزامية هذه المبادئ من قبل المحاكم أو الجهات الإدارية فبعض الشراح يعتبر الالتزام بمبادئ المحكمة العليا التزاما أدبيا وليس قانونيا بالرغم من صراحة النص ، وحجتهم في ذلك أن النص وضع إبان الحكم الاتحادي لكي تكون المبادئ ملزمة للولايات ، وأن إضفاء القوة القانونية على أحكام المحاكم، إنما يكون في الدول التي ليس فيها قانون مكتوب ، فترقى السوابق القضائية إلى مرتبة القانون ، وقد رد على هذا الرأي بأن نص المادة 31 (الذي يماثل نص المادة 28 من قانون المحكمة العليا السابق) جاء واضحا في الدلالة على أن المشرع الليبي يقصد إضفاء صفة الإلزام القانوني على المبادئ التي تقررها المحكمة العليا في أحكامها، وجعلها كالقوة الملزمة للقوانين ، أي أن مبادئ المحكمة العليا الواردة في الأحكام تعتبر مصدرا من مصادر الشرعية في ليبيا(1).
ثانياً: بيان الاختصاصات.
تناول الباب الرابع من قانون المحكمة العليا رقم 6 لسنة 1986 م بيان اختصاصاتها :- فنصت المادة 23 على أن تختص المحكمة العليا دون غيرها منعقدة بدوائرها المجتمعة برئاسة رئيسها أو من يقوم مقامه بالفصل في المسائل الآتية :
أولاً : الطعون التي يرفعها كل ذي مصلحة شخصية مباشرة في أي تشريع يكون مخالفاً للدستور .
ثانياً : أية مسالة قانونية جوهرية تتعلق بالدستور أو بتفسيره تثار في قضية منظورة أمام أية محكمة .
ثالثاً : تنازع الاختصاص بين المحاكم وأية جهة قضاء استثنائي.
رابعاً : النزاع الذي يثور بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صادر أحدهما من المحاكم والآخر من جهة قضاء استثنائي، ويجوز للمحكمة في هذه الحالة أن تأمر بوقف تنفيذ أحد الحكمين أو كليهما إلى أن تفصل في موضوع النزاع.
خامساً : العدول عن مبدأ قانوني قررته أحكام سابقة بناء على إحالة الدعوى من إحدى دوائر المحكمة .
وتشكل الدوائر المجتمعة من عدد كاف من المستشارين بقرار من الجمعية العمومية على أن يكون من بين أعضائها مستشار من كل دائرة من دوائر المحكمة على الأقل .
(1)- القانون الإداري الليبي ، المصدر السابق ، ص 138 / 2 وما بعدها .
كما نصت المادة الرابعة والعشرون على أن تختص المحكمة العليا كمحكمة نقض بنظر الطعون التي ترفع إليها في المسائل الآتية : -
أولاً : الأحكام الصادرة في المواد المدنية والتجارية ومواد الأحوال الشخصية في الحالات المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية .
ثانياً : الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف منعقدة بهيئة قضاء إداري طبقا للقانون رقم 88 لسنة 1977 م
ثالثاً : الأحكام الصادرة في المواد الجنائية طبقا لقانون الإجراءات الجنائية .
ونصت المادة الخامسة والعشرون من قانون المحكمة العليا على أنه (استثناءً من القواعد المقررة في قانون الإجراءات الجنائية إذا حكمت المحكمة بنقض الحكم المطعون فيه وكان الموضوع صالحا للفصل فيه جاز لها أن تحكم فيه ، ويجوز للمحكمة في حالة الضرورة أن تقضي بوقف تنفيذ العقوبة المحكوم بها لحين الفصل في الموضوع بكفالة أو بدونها إذا طلب الطاعن ذلك ) .
غير أن المحكمة العليا لا تختص بنظر الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة نصت على ذلك المادة السادسة والعشرون من قانون المحكمة العليا ، وهي في ذلك تتساوى مع بقية المحاكم الأخرى .
تناول الباب الخامس من قانون الإجراءات الواجب إتباعها في الطعون الإدارية والمدنية ومواد الأحوال الشخصية والجنائية ، ونص الباب السادس على صدور الأحكام،أما الباب السابع فقد تناول الأحكام المتعلقة بموظفي المحكمة العليا، ونص الباب الثامن على أن تكون ميزانية المحكمة وحساباتها مستقلة ونظم كيفية تحصيل الرسوم والغرامات والأمانات والودائع وحفظها وتضمن الباب التاسع الأحكام العامة والختامية ، حيث نصت المادة الحادية والخمسون على تشكيل الجمعية العمومية للمحكمة وبيان اختصاصاتها ومن ضمنها وضع اللائحة الداخلية للمحكمة العليا وتضمن الباب التاسع أيضا تحديد بداية السنة القضائية وإجازات المستشارين واختصاصات المكتب الفني ، وتنظيم مكتبة المحكمة .
ثالثاً : كيفية عمل المحكمة العليا.
وفقا لما سلف يكون المشرع قد نظم عمل المحكمة العليا حيث يتم بطريقتين: الأولى عن طريق الدوائر المتخصصة ، التي يتم تشكيلها بقرار من الجمعية العمومية للمحكمة والثانية عن طريق الجمعية العمومية للمحكمة ، وطبقا لذلك فإن نشاط المحكمة العليا حاليا تقوم به عدة دوائر، منها الدوائر المدنية ، وعددها أربع دوائر تتكون كل منها من خمسة مستشارين ، وأربع دوائر جنائية تتكون كل منها أيضا من خمسة مستشارين ، ودائرة للقضايا الإدارية تتكون من ثلاثة مستشارين ، ودائرة للأحوال الشخصية تتكون أيضا من ثلاثة مستشارين ، ويجوز أن يكون المستشار عضوا في أكثر من دائرة .
أما الدوائر المجتمعة للمحكمة العليا ، فقد كانت تتشكل من رئيس المحكمة وكافة المستشارين بها ، غير أن ذلك التشكيل كثيرا ما تعذر معه انعقاد الدوائر المجتمعة بسبب جملة من الصعوبات ، منها غياب بعض المستشارين الطارئ، أو امتناع بعض القضايا على بعضهم وفقا للقانون ، أو تعذر الاجتماعات الدورية نتيجة لكثرة الدوائر .
لذلك تم تعديل القانون بحيث أضيفت فقرة للمادة 23 بالقانون رقم 8 لسنة 1372و.ر (2004 مسيحي) نصت على أن تتشكل الدوائر المجتمعة من عدد كاف من المستشارين بقرار من الجمعية العمومية على أن يكون من بين أعضائها مستشار من كل دائرة من دوائر المحكمة على الأقل ، وقد صدر قرار الجمعية العمومية بتاريخ 4/11/2006 مسيحي بتشكيل الدوائر المجتمعة من رئيس المحكمة أو من يقوم مقامه وأربعة عشر مستشار(1) .
كما نظم المشرع الجمعية العمومية للمحكمة العليا ، فنصت المادة 51 على أن تتألف من رئيس المحكمة وجميع مستشاريها بالإضافة إلى رئيس نيابة النقض ويكون انعقادها بدعوة من رئيس المحكمة من تلقاء نفسه أو بناء على طلب ثلاثة من مستشاريها ، ولا يكون انعقادها صحيحا إلا بحضور الأغلبية المطلقة للأعضاء وتصدر القرارات بأغلبية الآراء للأعضاء الحاضرين ، وإذا تساوت الآراء رجح الجانب الذي منه الرئيس، وتكون القرارات نافذة دون حاجة إلى أي إجراء آخر .
كما تنص الفقرة الثانية من ذات المادة على أن تختص الجمعية العمومية دون غيرها بالنظر فيما يلي :-
أ) المسائل المتعلقة بنظام المحكمة وأمورها الداخلية .
ب) الشؤون الإدارية والمالية المتعلقة بمستشاري المحكمة وأعضاء نيابة النقض سواء نص عليها في هذا القانون أو أي قانون آخر .
ج) توزيع الأعمال على أعضاء المحكمة بين دوائرها المختلفة .
د) الأمور التي تدخل في اختصاصها بمقتضى هذا القانون .
ونصت الفقرة الثالثة على أن تتولى الجمعية العمومية وضع لائحة داخلية للمحكمة تتضمن بوجه خاص ، بيان القواعد والإجراءات الخاصة برفع الطعون الدستورية ونظرها وتحديد المصروفات والرسوم القضائية .
(1)- والجدير بالذكر أن نظام الدوائر المجتمعة كان معمولا به في محكمة النقض المصرية حتى سنة 1959 م حيث استعاض عنه المشرع بنظام الهيئات العامة والتي أصبحت بموجب قانون السلطة القضائية رقم 43 لعام 1965 اثنتين فقط ، وهما : الهيئة العامة المدنية ، والهيئة العامة الجنائية ، تؤلف كل منهما من أحد عشر مستشارا ، قانون علم القضاء ، للأستاذ الدكتور الكوني اعبودة ، ص 129 / 2 ، المركز القومي للبحوث العلمية طرابلس ، 2003 مسيحي .