تحدث فاضل، الشاب السوري العائد من بعثة دراسية في لندن، عن تجربته الفريدة في دراسة هندسة الري، وكيف كانت البيئة مصدر إلهامه. فقد نشأ في مدينة حماة، التي تُعرف بـ"أم النواعير السوداء". تُعد هذه المدينة العريقة، الواقعة على ضفاف نهر العاصي، مشهورة بنواعيرها — عجلات خشبية مائية تُعد من أقدم وسائل الري في التاريخ. لم تكن هذه النواعير بالنسبة لفاضل مجرد معالم سياحية، بل كانت مصدر إلهام دفعه للتفوق في مجاله، حتى أصبح خبيرًا يُشار إليه بالبنان بين أقرانه في مختلف أنحاء العالم.
يتجلى تأثير البيئة في تشكيل الإنسان بوضوح في قصة فاضل، لكنها ليست القصة الوحيدة. ففي المغرب، نجد قصة مشابهة بطلها سفيان، الذي نشأ في مدينة تطوان، الملقبة بـ"الحمامة البيضاء". تطوان، بمبانيها البيضاء الناصعة وطابعها الأندلسي الساحر، كانت جسرًا بين الحضارتين المغربية والأندلسية. هذا التأثير الثقافي الفريد ألهم سفيان لاختيار تخصص الأدب المقارن، حيث أبدع في الربط بين الثقافات، مقدمًا إسهامات بارزة في مجاله.
وفي الجزائر، نجد قصة مشابهة حيث نشأ جمال في مدينة قسنطينة، التي تُعرف بـ"مدينة الجسور". قسنطينة، المدينة التاريخية التي تتسم بجسورها المعلقة وتضاريسها الجبلية، ألهمت جمال لدراسة الهندسة المعمارية. لقد أتاح له هذا الإلهام فرصة أن يصبح مهندسًا معماريًا معروفًا، متخصصًا في مشاريع ترميم المعالم التاريخية في الجزائر.
أما في البحرين، فهناك قصة ليلى، التي نشأت في المنامة، المدينة التي تمزج بين الحداثة والتراث. تأثرت ليلى بالمشاريع العمرانية الحديثة التي تشهدها البحرين، وهو ما دفعها لاختيار تخصص التصميم الحضري. اليوم، تُعتبر ليلى من أبرز المصممات في البحرين، وقد أسهمت في العديد من المشاريع التي تدمج بين الأصالة والمعاصرة.
تُظهر تلك القصص الملهمة كيف يمكن للبيئة المحلية أن تكون إرثًا ثقافيًا ومعنويًا يُوجه الإنسان نحو تحقيق طموحاته. ولكن ليست كل الأحلام تجد طريقها إلى النجاح. تذكرت ذلك وأنا أستقبل صديقي القديم ماهر، الذي غادر إلى إيطاليا قبل سنوات عبر إحدى السفن بطرق غير شرعية. كان ماهر الناجي الوحيد من أصدقائه الذين غرقوا وهم يطاردون أحلامهم بمستقبل مشرق.
بينما نحتفل بقصص النجاح، علينا أن نتذكر أن هناك جانبًا آخر للحلم. قصص مثل قصة ماهر تُذكرنا بأهمية دعم الشباب وإيجاد فرص تُمكنهم من تحقيق طموحاتهم دون المخاطرة بحياتهم.
القصص التي مررنا بها تؤكد كيف يمكن للبيئة والتقاليد أن تُلهم الإنسان وتساعده في بناء مستقبله. كما تُبرز أهمية توفير بيئات داعمة وآمنة للشباب كي يحققوا أحلامهم. النواعير والحمامة البيضاء ليست مجرد رموز ثقافية، بل هي شواهد على أن كل إنسان يحمل بداخله بذور النجاح، شريطة أن تتوفر له الظروف المناسبة لرعايتها.
لذا، دعونا نسعى جميعًا لخلق بيئة تُشجع الإبداع وتحتفي بالتنوع، حتى نرى المزيد من قصص النجاح التي تُلهمنا جميعًا.
المحاور النقاشية
كيف يمكن للبيئة المحلية أن تلعب دورًا أكبر في توجيه الشباب نحو تحقيق طموحاتهم؟ وهل تعتقد أن الحكومات والمؤسسات تقوم بدورها الكافي في هذا الجانب؟
ما هو تأثير التقاليد الثقافية والإرث المحلي على اختيار التخصصات المهنية للشباب؟ وهل يمكن أن تكون هذه التأثيرات سلبية في بعض الأحيان؟
كيف يمكننا خلق بيئات داعمة وآمنة للشباب لتجنب المخاطرة بحياتهم بحثًا عن مستقبل أفضل، كما حدث في قصة ماهر؟
أضيف على أمثلتك شابا نما في بيئة جبلية بجو بارد طول السنة، حفزته بيئته أن يكون شامخا لا يهتز وبارد المشاعر لا يتألم.
البيئة أحيانا تصنع إلى جانب الطموح الشخصية.
ومن البيئة الأسرة وهي الأكثر تأثيرا وقربا من الشخص. وكم من طفل خبا نوره في كنف أسرة عليلة!
موضوع جميل سررت بالمشاركة فيه
اهلا بكي نورتي الموضوع.. بالتأكيد للبيئة أثر في تكوين السمات الشخصية وتتحول لمصدر الهام في أحيان كثيرة وأضفتي نقطة هامة حول أثر الأسرة كمكون هام في حياة كل انسان وحاضنة طبيعية له في مراحل حياته وخصوصا الاولى، خالص تحياتي على مشاركتك القيمة كالمعتاد
السلام عليكم ورحمة الله
ماشاء الله عليك شريف. اكتشفنا وجها آخر لك. راقتني مداخل الموضوع وأمثلته الجميلة فبارك الله فيك.
لا شك أن البيئة المُحيطة تلعب دورا كبيرا في تكوين شخصية الطفل الذي سيصبح راشدا , فترى مثلا طفلا صغيرا يرى أباه يصلح السيارات فيقلده وتصير لعبه المُفضلة هي كل ما له علاقة بالاصلاح والمطارق ههه وقد يكبر الطفل ليصير تقني سيارات أو أي شيء من هذا القبيل. أيضا قد نرى طفلة صغيرة كبرت في كنف أسرة أحد أفراده مريض بمرض مزمن فتكبر لتصبح طبيبة. كل هذه القصص سمعناها كثيرا وعشناها أيضا.
على الاسرة من مبدأ أنها أول المتفاعلين مع الطفل/ة أن تحسن التأطير وتحاول أن يكون التأثير الذي ستؤثر به سيحميه من التأثيرات السلبية وسيجعله يتقبل كل التأثيرات الايجابية في محيطه الأكبر : الحي , المدرسة , المدينة, إلخ. على البيئة المحلية كما سميتها أنت (خارج الأسرة) أن تفتح الباب للشباب أو لنقل الاطفال والمراهقين لاكتشاف ما يريدون فعله ومنحهم فرصا لمعرفة ما يثير شغفهم دون أن يبقوا حبسيي الاحلام التقليدية والطموحات المعروفة من قبيل الطبيب والاستاذ والمهندس. لا حاجة لنا جميعا أن نكون متشابهين, لهذا وجب علينا تشجيع الجميع والقيام بمبادرات لادماج المهن غير المسوقة وتسويقها وتقديمها أيضا للاطفال كخيارات يمكن لهم اتباعها.
تحياتي.
السلام عليكم ورحمة الله ماشاء الله عليك شريف. اكتشفنا وجها آخر لك. راقتني مداخل الموضوع وأمثلته الجميلة فبارك الله فيك. لا شك أن البيئة المُحيطة تلعب دورا كبيرا في تكوين شخصية الطفل الذي سيصبح راشدا , فترى مثلا طفلا صغيرا يرى أباه يصلح السيارات فيقلده وتصير لعبه المُفضلة هي كل ما له علاقة بالاصلاح والمطارق ههه وقد يكبر الطفل ليصير تقني سيارات أو أي شيء من هذا القبيل. أيضا قد نرى طفلة صغيرة كبرت في كنف أسرة أحد أفراده مريض بمرض مزمن فتكبر لتصبح طبيبة. كل هذه القصص سمعناها كثيرا وعشناها أيضا. على الاسرة من مبدأ أنها أول المتفاعلين مع الطفل/ة أن تحسن التأطير وتحاول أن يكون التأثير الذي ستؤثر به سيحميه من التأثيرات السلبية وسيجعله يتقبل كل التأثيرات الايجابية في محيطه الأكبر : الحي , المدرسة , المدينة, إلخ. على البيئة المحلية كما سميتها أنت (خارج الأسرة) أن تفتح الباب للشباب أو لنقل الاطفال والمراهقين لاكتشاف ما يريدون فعله ومنحهم فرصا لمعرفة ما يثير شغفهم دون أن يبقوا حبسيي الاحلام التقليدية والطموحات المعروفة من قبيل الطبيب والاستاذ والمهندس. لا حاجة لنا جميعا أن نكون متشابهين, لهذا وجب علينا تشجيع الجميع والقيام بمبادرات لادماج المهن غير المسوقة وتسويقها وتقديمها أيضا للاطفال كخيارات يمكن لهم اتباعها. تحياتي.
وعليكم السلام أهلا بالملكة هاجر
النقطة التي طرحتيها هامة بالفعل هناك عائلات ربما تمتهن نفس المهنة وهذا ما طرحته الرواية والتي تحولت للمسلسل المصري الشهير في التسعينيات “لن أعيش في جلباب أبي” لكن من زاوية معاكسة وهي لا مانع من تكرار التجربة لكن بتفاصيل مختلفة بكل شخص وهكذا.. كذلك بالفعل هناك مهن خاصة بكل عصر وفقا لدراسات السوق ومناسبة لمجتمعات محلية معينة
موضوع ممتاز جدا و مكتوب بلغة ثقافية عالية المستوى و فكرة جديدة كليا ما شاء الله أحييك على الطرح القيم و المميز
بخصوص موضوع الري ذكرني بكلام قرأته للشيخ الطنطاوي في مذكراته أن المهندسين الألمان أذهلهم نظام الري الموجود في مدينة دمشق و الذي يعود للعصر الآرامي و طريقة توزيع المياه على البيوت بحيث يجري النهر داخل البيت و يكون جزءا من تصميم البيت الدمشقي و لعل دخول الأنهار و تفرعها لعدة سواقي صغيرة داخل المدينة و تواجد البيوت في وسط الطبيعة ساعد على تطوير نظام الري ليكون بهذا الشكل،و نواعير حماة شهيرة و زرتها و هي حاليا معلم أثري و ليس لها دور في الري إلا في العصور القديمة
عودة للموضوع أكيد البيئة و المواد التي فيها تؤثر في حياة الإنسان و خياراته المهنية و الدراسية خصوصا في العصور القديمة،و من الأمور العجيبة في ذلك و التي لفتت نظري أن هناك جوامع كبيرة مبنية من الطين في أفريقيا في مالي على ما أذكر و لم أتوقع أن البناء بالطين يمكن أن ينتج بنى عملاقة و كنت أظن أن دور الطين في البناء يقتصر على البيوت الصغيرة،لكن الظاهر أن طبيعة البيئة أدت إلى الإبداع و تطوير البناء بالطين بهذا الشكل المبهر و المتين
أما بالنسبة للعصور الحديثة التي نعيش فيها أظن أن أثر البيئة يتضاءل في صناعة القرارات الحياتية و الدراسية عما هو عليه في العصور القديمة فالعالم أصبح قرية واحدة بسبب تطور وسائل الاتصالات و المواصلات، و أساليب العمارة و التكنولوجيا أصبح نقلها ممكن بسهولة من دولة لأخرى و أساليب المعيشة أصبحت متقاربة بسبب العولمة التي تسعى لصياغة نمط موحد في العيش و التقنية و التصاميم و الطرز و حتى النباتات التي تنمو في دول معينة أصبح زراعتها سهلا في بيئات أخرى بتطور تكنولوجيا الزراعة،و المولات و الجسور و العمارات الشاهقة أصبحت تجدها في معظم دول العالم و مختلف أنواع العلوم الأساسية و العالية أصبحت تجدها نفسها في الدول المتقدمة و حتى المتخلفة على حد سواء و الفرق هو في تفاوت المستوى فقط،حتى أن هناك أغنية ألمانية شهيرة لخصت حالة العالم و وضعه و اسمها "أمريكا"،فالأغنية تقول عن العالم نحن نعيش في أمريكا فالعالم أصبح أمريكا و ما يوجد في أمريكا ستجده في العالم فحتى المارلبورو و الماكدونالدز ستجده وصل إلى القبائل التي في مجاهل أفريقيا و حتى قبائل مجاهل أفريقيا أصبحت على وعي بالإنترنت و يشاهدون الإنترنت