المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي ( 3 )
موقف المشرع المغربي من المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي:
بخصوص المشرع المغربي أخذ كأصل عام المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي من خلال المادة 127 سنة 1961 والتي تنص على:״لا يمكن أن يحكم على الأشخاص المعنوية إلّا بالعقوبات المالية و العقوبات الإضافية الواردة في الفصل في المقاطع 5 و 6 و 7 من الفصل 36 و يجوز أيضا الحكم عليه بالتدابير الوقائية الواردة في الفصل 62״.
بالإضافة إلى الفصل 127 هناك العديد من الفصول المتفرقة في بعض النصوص الخاصة التي تصب في نفس الإتجاه كقانون حرية الأسعار والمنافسة والذي أخذ في الفقرة الأولى من الفصل 70 منه بالمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي أيضا في مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة في الفقرة الثانية من الفصل 221 التي نصت على״كما يمكن تطبيق هذه العقوبات والتدابير الإحتياطية على الأشخاص الذاتيين أو المعنويين الذين لهم مصلحة في الغش״
وسيكون المجال مفتوحا للحديث عن الفصل 127 و ما يثيره من إشكالات ونواقص لاحقا ، هذا بشكل مقتضب عن موقف المشرع المغربي .
يبقى لنا أن نتساءل عن ما هي الشروط الواجب توفرها في الشخص المعنوي لمسائلته جنائيا؟
المطلب الثاني: شروط مساءلة الأشخاص المعنوية جنائيا
إدا كانت المسؤولية الجنائية للشخص الطبيعي لا تثير إشكالا من حيث الأركان أو الشروط الواجب توفرها التي تتحدد في الركن المادي والركن المعنوي. فإن هذه المعايير لا تصلح عندما يتعلق الأمر بالشخص المعنوي .لدا وجب التطرق لهاته الشروط التي تمكن من إسناد المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية ، و التي يمكننا مناقشتها من خلال فقرتين رئيسيتين .
*الشروط الموضوعية:
أولا: أن يكون العمل المجرم صادر عن أحد أعضاء الشخص المعنوي وضمن اختصاصات الشخص المعنوي.
الإقرار بإمكانية مساءلة الأشخاص المعنوية جنائيا غير كافي وإنما يتعين اتخاد تدابير مختلفة . لأنه لا يمكن من الناحية العملية ان نطبق على الأشخاص المعنوية ما يتعلق بالشروط الخاصة بالشخص المعنوي لأنه يستحيل ماديا أن يرتكب الشخص المعنوي الجريمة بشكل مباشر لكن ترتكب من طرف شخص طبيعي . و بالتالي يتعين تحديد متى تعتبر الجريمة عملا فرديا لهدا الأخير و متى يمكن إسنادها للشخص المعنوي نفسه .
ولأن المشرع المغربي لم ينص صراحة على هاته الشروط سنحاول الإحاطة بها انطلاقا من الفقه و القانون المقارن . فمتلا المشرع الفرنسي عندما أسس للمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي في الفصل 2-121 لم يغفل عن دكر الشروط اللازم توفرها لإسناد المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي وهي أن يكون الفعل المُجرمُ قد ارتكب من أحد أعظاء الشخص المعنوي و أن يرتكب لحسابه، ومن هذه الشروط ما نستنتجها من الفقرة الاولى من المادة 2-121 بقوله :
ففي ما يتعلق بالشرط الأول المتعلق بصدور الفعل المجرم عن احد أعظاء الشخص المعنوي ، تظارب الفقه حول مفهوم العظو ( العظو أو الممتل أو الوكيل أو النائب) حسب التكييف المختلف للعلاقة التي تربط بين الشخصين لكن الأرجح كان هو الفقه الألماني الذي ابتدع نظرية العظو التي سادت في الفقه المعاصر .
والعضو هو الفرد أو المجموعة المناط بهم اتخاد القرار باسم الشخص المعنوي، فإنه يتعين التفرقة بين الأشخاص الذين يمتلون عقل الشركة مثل المدير و المدير الإداري و السكرتير أو غيرهم ممن يعدون مجرد تابعين، فطريقة التمييز بين العظو والتابع تنبني على النظام الداخلي للشخص المعنوي فإن اعتبر الشخص الطبيعي جزءا منه فهو فهو عضو أما إدا اعتبره من الأغيار اللذين يشغلهم فهو مجرد تابع، كذالك استدرك المشرع المغربي النقص الذي يسود الفصل 127 من القانون الجنائي في بعض القوانين الخاصة كقانون شركات المساهمة البسيطة مثلا في مادته 437 و 42 اللذان حملا المسؤولية المدنية و الجنائية للمسير[1]( ففي شركة المساهمة مثلا فإن الجمعية العامة للمساهمين ومجلس الإدارة أو المديرين المفوضين هم أعضاء في حين ان المديرين التقنيين وجميع الأشخاص الذين يعملون تحت إمرتهم هم مجرد تابعون .
كذالك يجب أن يتصرف هذا العضو ضمن الاختصاص المنوط به من طرف الشخص المعنوي و المنصوص عليها في النظام الداخلي له و منه لا يتم التعبير عن إرادة الشخص المعنوي خارج نطاق الاختصاص الذي حدده القانون للعضو لأنه عندما لا تحترم الشكليات فإن الشخص المعنوي يصبح ضحية في حد ذاته وليس جاني و لا يساءل جنائيا إلا ًعن تصرفات أعضائه المعتبرة صحيحة حسب القانون كمثال على ذلك القرار الصادر عن محكمة النقض حيت قام مديرها بمحاولة رشوة عمدة مدينة سالازيي بهدف الحصول على صفقة تتعلق بالنقل المدرسي لمصلحة الشركة و كيّف القضاء الفرنسي الواقعة على أنها جريمة إساءة أستعمال أموال الشركة وأقر أن استعمال الأموال يكون بالظرورة تعسفبا إذا ما تم بهدف غير مشروع حتى و لو مان لحساب الشخص المعنوي و لجلب منفعة .
كذلك يجب أن يكون الفعل المجرم داخل في دائرة نشاط الشخص المعنوي؛ كمتال على ذلك يمكن مساءلة شركة للقرض عن جنحة القرظ بفائدة غير مشروعة لأن هذه الجريمة ترتبط بنشاطها العادي واختصاصها الوظيفي الذي هو الموافقة على القروظ لكن إذا قام رئيسها باغتيال منافس مزعج فإن الشركة لا يمكن اتهامها و الحكم عليها من أجل جريمة القتل ( لكن القانون الأنجلوأمريكي لا يعترف بهذا الشرط مما يترك الباب واسع أمام المسيرين للتملص من مسؤولية بعظ الأفعال التي يرتكبونها لمصلحتهم الشخصية )، فلا يجب مساءلة الشخص المعنوي إلا عن الأفعال المرتكبة لحسابه و على الأخص التي تعود عليه بالفائدة بشكل مباشر أو غير مباشر ولكن غالبا ما تختلط من الناحية العملية المصلحة العامة للشخص المعنوي مع المصلحة الخاصة للشخص الطبيعي (مسيره)، مما نستشفه من مفهوم المخالفة للفقرة التانية من المادة 121 من القانون الجنائي الفرنسي ّ. فلا يجب مساءلته عن الأفعال التي يرتكبها مسيره لحسابه الشخصي أو للإضرار بالشخص المعنوي.