المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي ( 1 )
المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي
مقدمة:
يقصد بالأشخاص المعنوية مجموعة من الأشخاص و الأموال تهدف إلى تحقيق غرض معين و يمنحها القانون الشخصية القانونية بالقدر اللازم لتحقيق هذا الغرض ، و يقرر لها شخصية مستقلة عن شخصية الأفراد المكونين لها و أصحاب المصالح فيها. وتنقسم الأشخاص المعنوية إلى أشخاص معنوية عامة و أشخاص معنوية خاصة .
الأشخاص المعنوية العامة هي الهيئات التي تضطلع إلى تحقيق مصالح المجتمع كله أو جزءا منه باعتبار أن هذه المصالح من اختصاص السلطة العامة .
أما الأشخاص المعنوية الخاصة فهي تضطلع بأغراض يقوم بها الأفراد أو الدولة باعتبارها شخصا عاديا لا باعتبارها صاحبة سلطة، والشخص المعنوي له ذمة مالية مستقلة وأهلية في الحدود التي يعينها سند إنشائه أو التي يقررها القانون و له الحق في التقاضي .
وغدا الشخص المعنوي ذا أهمة بالغة نظرا لقوة حضوره اقتصاديا واجتماعيا، و لما ينهض به من أعباء جسيمة يعجز غيره من الأشخاص الطبعيين عن القيام بها إلا أنه في نفس الوقت يمكن أن يكون مصدرا للجريمة و الخطورة مما يشكل خطرا على أمن و سلامة المجتمع و من هنا تثار إشكالية المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي ؛ بحيث أنه ثبت أن مجموعة من الأشخاص المعنوية بما فيها الشركات و الجمعيات ترمي في الظاهر إلى غايات مشروعة تجارية أو رياضية في حين أنها تكون ستار لجرائم خطيرة كالغش في المصنوعات أو المضاربة الغير المشروعة ، ولفهم معالم الشخصية المعنوية يجدر بنا التساؤل عن جذورها و تطورها التاريخي.
فالمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي من المواضيع التي تشعبت الآراء حولها في كل من التشريع والفقه والقضاء طوال العصور التاريخية المتعاقبة بحيث ترجع فكرة الشخص المعنوي إلى العصر الروماني.
أما من ناحية مساءلة الشخص المعنوي جنائيا فقد تجادل الفقه بشأنها، فالفقيه الألماني "جريك" يذهب إلى أن: القانون الروماني يقر هذه المسؤولية الجنائية لهذه الأشخاص أما الفقيه "سافيني" فيعتبر أن العهد الروماني لم يعرف الشخصية المعنوية إلا مجازا وبذالك فلا يمكن مسائلتها لتعارضها مقتضيات هذه المسؤولية وفلسفتها.
وبعد ذلك اتجه بعض الفقهاء إلى أن القانون الفرنسي القديم عرف مبدأ المسؤولية الجنائية للشخصية المعنوية بأنها تنسجم و منطق الحكم الملكي المطلق السائد آنذاك الذي كان يعاقب المدن إما من طرف الملك أو البرلمان.
وبغض النظر عن ذلك فقد حاولت العديد من المؤتمرات الدولية في القانون الجنائي أن تقر بأن لكل مجتمع في الدفاع عن نفسه في مواجهة الأشخاص المعنوية و ما قد ثمتله من خطورة عليه و أهم هذه المؤتمرات المؤتمر الدولي لقانون العقوبات الذي عقد في "بوخاريست 1929" و "مؤتمر أثينا" .
أما بالنسبة للتشريع المغربي فقد تطرق للمسائلة الجنائية للشخص المعنوي في الفصل 127 م.ج . الذي طرح فيه طبيعة العقوبات التي يمكن تطبيقها على الأشخاص المعنوية مع الإحالة على الفصل 36 في فقراته : 5 و 6 و 7 وكذالك الفصل 62 و أيضا بعض القوانين الخاصة كقانون الجمارك و قانون حرية الأسعار و المنافسة وقانون الصحافة بالإضافة إلى أن الفصل 6 من الدستور سوّى الأشخاص المعنوية والأشخاص الذاتية في انضوائها تحت القانون .
ومن خلال ما سبق يتبين أن أهم الإشكالات التي يطرحها هذا الموضوع إشكالية الجدل الفقهي بين تقرير هذه المسؤولية و إنكارها ثم شروط قيام هذه المسؤولية ثم طبيعة الجزاءات التي يمكن تطبيقها .
وقد ارتأينا الإجابة على هذه الإشكالية بإتباع المنهجية التالية :
المبحث الاول: ماهية المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي
المطلب الأول :المسؤولية الجنائية بين الفقه و التشريع المغربي والقانون المقارن
المطلب الثاني: شروط قيام المسؤولية الجنائيةوتطبيقاتها
المبحث الثاني: الجزاءات الجنائية التي توقع على الأشخاص المعنوية
المطلب الأول: أنواع الجزاءات المطبقة في التشريعات المقارن
المطلب الثاني: أنواع الجزاءات المطبقة في التشريع المغربي.
المبحث الأول: ماهية المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي
تعتبر المسؤولية الجنائية بشكل عام المحور الأساسي الذي تدور حوله السياسة الجنائية ٬ وهي الأثر القانوني المترتب عن الجريمة٬ و بالتالي فالفاعل لابد أن يتحمل الجزاء الذي يفرضه القانون كنتيجة لمخالفة القواعد القانونية، هذا بالنسبة للشخص الطبيعي فماذا عن الشخص المعنوي ؟
المطلب الأول: أساس المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي بين الفقه و التشريع المغربي و المقارن.
تعتبر مسألة إخضاع الشخص المعنوي للمسؤولية الجنائية ٬ من المسائل القانونية التي أثارت جدلا قانونيا و فقهيا حادّا، ومرد ذالك اختلاف التكييف القانوني للشخص المعنوي لذا سنحاول التطرق لهذا الجدل من خلال 3 فقرات ؛ الأولى سنعالج فيها موقف الفقه من هذه المسؤولية و الثانية موقف بعض التشريعات المقارنة ثم نتطرق لموقف المشرع المغربي .
*الموقف الفقهي:
ينقسم الفقه إلى ثلاث اتجاهات إتحاه معارض لفكرة إسناد المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي و الآخر مؤيد لها ٬ و أخر أخذ بمذهب وسط سنعالجه ضمن موقف التشريعات المعاصرة.
أ– الإتجاه المنكر للمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي:
يرى هذا الإتجاه أن الشخص المعنوي لا يمكن مساءلته عن الجرائم التي يرتكبها٬ بل المسؤولية تقع على عاتق الأشخاص الطبيعيين باعتبارهم الممثلين القانونيين للشخص المعنوي ٬ وأن هذه الجرائم هم من قام بها٬ و حسب هذا الإتجاه فمساءلة الشخص المعنوي فيه خرق لمبدأ شخصية العقوبة٬ لأن العقوبة لن توقع على من ارتكبها ٬ كما أن الشخص المعنوي عديم الإرادة وأهليته محددة بالغاية التي أنشأ من أجلها.
كما أن الشخصية المعنوية هي شخصية إفتراضية ووهمية لايمكن معها توفر الإدراك و الإختيار كما أن العنصر المادي في الجريمة لا وجود له.
وقد ذهب بعض الفقه أبعد من ذالك حين أنكر الشخصية المعنوية تماما بالقول: لو سلمنا بالشخصية المعنوية لمنحناها للحيوانات و النباتات فهي تتكون من مجموعة من الخلايا ٬ و في هذا الصدد قال الفقيه״جييز״متهكما ( لم يسبق لي أن تناولت وجبة غداء مع شخص معنوي ).
........................