مبدأ قانونية التجريم والعقاب
يُراد بمبدأ القانونية إن المشَرع وحده الذي يملك زمام تحديد الأفعال المعاقب عليها والمسماة جرائم وتحديد الجزاءات التي توقع على مرتكبيها والمسماة العقوبات وأختلف الفقه الجنائي في التسمية التي تطلق على قانونية التجريم والعقاب أو لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص فمنهم من يسميه مبدأ شرعية التجريم والعقاب ويراد به ( حصر مصادر التجريم والعقاب في نصوص القانون كتحديد الأفعال التي تعد جرائم وبيان أركانها وتحديد العقوبات المقررة لها سواء من حيث مقدارها أو نوعها كل ذلك من أختصاص الشارع ) ، وهناك من يطلق عليه مبدأ المشروعية ويُقصد به ( تعذر فرض أي عقوبة عن أرتكاب أي فعل لم يكن القانون قد نص على تجريمه مهما كانت جسامته وخطورته )، وهناك من يطلق عليه نصية التجريم والعقاب ، ويلاحظ إن لفظ الشرعية والمشروعية والقانونية والنصية ذات مضمون واحد وهو إن أي فعل لا يعد جريمة مالم ينص عليه القانون ، وبهذا يكون الخلاف في التسمية وليس في المضمون
إن مبدأ القانونية هو الضمان لوحدة القانون ووضوحه بالنسبة للكافة إذ لو تُرك حق التجريم والعقاب للقضاة ، وهم بشر لا يعصمهم عن الهوى إلا نظام يخضعون له ، لتضاربت الأحكام وتدخلت في مؤاخذة الناس أهواؤهم وأمزجتهم ، كما إنه يحول عن تعسف السلطات الأخرى كالسلطة التشريعية والتنفيذية
ويعد المبدأ الحامي لمصلحة الفرد عن طريق تعريفه بما هو محظور عليه إتيانه وماهو جائز له فعله ، وهذا الأمر يحقق الطمأنينة للأفراد ويمنع المحاكم من توقيع أي عقوبة على الأفراد إلا إذا كان هناك نص يجرم الفعل أو السلوك الذي صدر عن الفرد ، فضلاً عن حماية المصلحة العامة وذلك من خلال حصر وظيفة التجريم والعقاب بالمشرع وحده عن طريق التشريعات التي يصدرها لهذه الغاية ، لذا حرصت أغلب الدساتير والقوانين العقابية على النص عليه صراحة .
ويترتب على ذلك النتائج الآتية :
1- حصر مصادر التجريم والعقاب في النصوص التشريعية : نتيجة لمبدأ قانونية الجرائم والعقوبات فإن القاعدة الجنائية تمتاز عن غيرها من قواعد القوانين الأخرى بإن مصدرها الوحيد هو القانون المكتوب . وعليه فإن المصادر الأخرى مستبعدة في نطاق القوانين الأخرى كالشريعة الأسلامية أو العرف أو مبادئ القانون الطبيعي . وعليه :
أولا : لا يسوغ للقاضي عدَ فعل جرماً إلا إذا نص القانون صراحة على ذلك ومعنى هذا إنه لا يجوز للقاضي أن يستند في الإدانةعلى القواعد الإجتماعية أو القواعد الأخلاقية أو القواعد الدينية حتى لو كان الفعل غير مقبول دينياً أو أخلاقياً . ويجب عليه أيضاً أن يلتزم بجميع عناصر التجريم وشروطه الواردة في النص فلا يستطيع أن يهمل عنصراً أو شرطاً بحجة إنه قليل الأهمية أو لا أهمية له إطلاقاً أو إن عدم الأخذ به يحقق العدالة او المصلحة العامة أو مصلحة المتضرر .
ثانياً : لا يسوغ للقاضي الحكم بعقوبة لم ينص القانون عليها ، فالمشرع عندما يحدد الجريمة دون أن يحدد العقوبة فالقاضي لا يجوز له أن يبتدع عقوبة من عنده طالما المشرع لم ينص على هذه العقوبة . كما لا يجوز له أن يستبدل بالعقوبة المنصوص عليها في القانون عقوبة أخرى لم ينص عليها القانون ، كأن يستبدل الحبس بالسجن أو الغرامة بالحبس كما لا يجوز له أن يخفف العقوبة أو يرفعها إلا ضمن الحدود التي نص عليها القانون
2- عدم رجعية النص العقابي : هذه القاعدة معروفة في التشريعات الجنائية الوطنية بقاعدة عدم رجعية القانون العقابي على ماصدر من سلوك جرمي سابق على تأريخ سريان القانون الجنائي وبهذا تتحقق حالة الضمان لحقوق وحريات الأفراد عندما لا يتعرض للمقاضاة عن فعل هو في أصله غير مجرم قبل نفاذ القانون ، وتعد قاعدة عدم الرجعية نتيجة لقاعدة القانونية وذات أثر في القواعد الجنائية الموضوعية فقط، أما فيما يتعلق بالقواعد الإجرائية الشكلية فإنها ذات أثر رجعي على الماضي .
3- إلتزام التفسير الكاشف للنصوص : إن الخطة المتبعة بشأن تفسير النصوص الجنائية قوامها البحث عن إرادة المشرع ، وعليه فإن التفسيرالكاشف المسموح به للقاضي يجب أن يبقى في الحدود التي لا تصل إلى حد خلق جرائم وعقوبات. ولايثار أي إشكال عندما يكون النص واضحاً . إذ يسهل على القاضي تفسيره وتطبيقه على الواقعة المجَرمة ، سواء أكان التفسير لمصلحة المتهم أم ضده ، فالقاضي بتفسيره النص الجنائي إنما يسعى إلى الكشف عن إرادة المشرع لا عن مصلحة المتهم ، ولكن النص قد يشوبه لبس يجعل من تفسيره أمراً صعباً وعندئذ لابد للقاضي من إستعمال شتى أساليب التفسير التي تمكنه من الوصول إلى قصد المشرع ، فأن توصل إلى ذلك طبق النص أيضاً ، سواء أكان ذلك في مصلحة المتهم أم ضد مصلحته . ولكن ما القول لو إن غموض النص جعل أمر تفسيره يبدو مستحيلاً، وأدى تأويله إلى وجوه متعددة متساوية القيمة في نظر القاضي ، منها ماهو في مصلحة المتهم ومنها ما هو في غير صالحه فبأيها يأخذ القاضي