في بيت الجد ابو خالد غرفة لايمكن لاي شخص التقرب منها وبالاخص الاطفال ، فهذه غرفة الجد الذي منع دخولها على الجميع ، وحتى تنظيفها لايتم الا بوجوده ، فهي تحوي كل مقتنيات الجد الشخصية التي لاتقدر بثمن من وجهة نظره الخاصة فهنا تلفزيون اسود وأبيض عاطل عن العمل وهناك مكتبة متهالكة بالكاد تقف صامدة ، وهنا راديو قديم ..الخ ..حتى اصبحت الغرفة مخزنا للمواد التالفة ؟ .
يتميز بعض كبار السن بأمور قد تبدو غريبة بعض الشيء لكنها بالنسبة لهم أمر طبيعي ، فكلما تقدم بهم العمر كلما تغيرت تصرفاتهم واصبحت موضع تساؤل الجميع ومعاناة لعوائلهم الذين يجدون من الصعوبة التكيف مع هذه التصرفات التي قد تحرجهم مع الناس من خارج محيط العائلة ، وبالمقابل فأن الواقع يحتم علينا ان نتعامل مع كبار السن باحترام وتقدير والتغاضي عن بعض التصرفات التي تنتج منهم بسبب الفراغ والملل والمرض فيجعل بعضهم يبدو حريصا على كل مايملكه والاخر يتصرف وكأنه يعيش يومه الاخير بتوزيع املاكه او مقتنياته وغيرها من القصص التي قد لاتخطر على البال احيانا .
وسنتعرف اليوم على بعض هذه القصص الغريبة وعلى اراء ذوي الاختصاص بالموضوع وكيفية التعامل مع هذه الحالات .
مئات العلب الفارغة ؟
تقول ندى الحكيم – موظفة – تسكن معنا في دارنا خالة والدي وهي امرأة تجاوزت السبعين من العمر لاتخرج من غرفتها الا قليلا وعندما تخرج منها تكون قد اقفلت على غرفتها بعدة اقفال ، ومع الاسف لايوجد في غرفتها بضعة سنتمرات فارغة فهوايتها جمع العلب كل انواع العلب الفارغة واعتقد ان اعدادها تجاوزت المئات بكثير تحت السرير فوق الدولاب على الارض بكل مكان ، ولانعلم ماذا تفعل بها ، وتضيف في بادئ الامر لم ننتبه لهذا الا ان مرضت في يوم ما حين دخلنا الغرفة بالكاد وقفنا طلبنا منها عشرات المرات تنظيف الغرفة من هذه الفوضى وكانت ترفض باصرار وتبكي وتزعل ، وفي نهاية الامر تركناها على راحتها .
هوايات وتصرفات غريبة بعض الشيء!
ويشير ساهر الكبيسي – اعمال حرة – الى هواية والده الغريبة فهو يحب اقتناء وجمع انواع مختلفة من اجهزة المذياع ، و اصبح مايملكه بالعشرات موزعات باركان غرفته ، فثلاثة منهن على سريره والمضحك انه يفتحهن بنفس الوقت واحيانا بصوت عال لانه لايسمع جيدا مما يتسبب بمضايقتنا ولانملك سوى اغلاق باب غرفته ، ومن الطريف صار جميع اولاده وبناته واحفاده حينما يريد احدهم منهم ان يجامله بهدية يشتري له مذياعا جديدا .
فيما تقول أم يقين – ربة بيت – المعروف عن والدتي أنها انيقة بحكم عملها كمدرسة سابقا وتحوي خزانات ملابسها دائما على احلى الملابس ، وتضيف بعد تقاعدها وجلوسها بالبيت لوحدها بسبب وفاة والدي وزواجي انا واختي اصبحت تتردد على الاسواق كثيرا وتشتري من الملابس والاكسسورات مالايناسب عمرها ومركزها وسبب لنا هذا الموضوع الكثير من المشاكل معها ، وكان من الصعوبة علينا اقناعها ان تلبس ماتشتريه داخل المنزل فقط دفعا لاي احراج مع الناس .
وذكر محمد العبيدي – كاسب – أن والده بعد التقاعد اصبح عصبيا بشكل لايطاق ويتدخل بكل صغيرة وكبيرة بالمنزل ، ويسبب الكثير من الاذى لوالدتي فهي الان تبلغ من العمر (65 ) عاما لكنه يحاسبها كأنها بنت مراهقة فأن طرق احد ما الباب وذهبت لتفتحه سبب لها مشكلة وان ذهبت للسوق يريد ان يرافقها حتى انها تركت الغرفة واصبحت تنام في مكان اخر تخلصا من مشاكله ، وكثيرا مآفزعها من نومها ليلا ليسالها أني سمعت شخصا يتحدث معك وهذا الامر فاقم المشاكل بينهم اضافة الى طلباته التي لاتنتهي مما أثر على الوضع العام داخل العائلة لان الجميع يعيش متوترا بسبب هذه المشاكل والتصرفات . وتقول س. م – مدرسة – لنا جارة وأم لزميلة لنا وهي من عائلة محترمة وبوضع مادي ممتاز لكن هذه السيدة لها هواية غريبة سببت الكثير من الاحراج لاولادها وبناتها فهي تخرج يوميا من الساعة السادسة صباحا لتدور على نفايات المنطقة وتجلب اي شيء بطريقها ، وفي مجلس عزاء زوجها حصل موقف مؤلم ومحرج جدا لزميلتي حيث ذهبت جميع الزميلات بالمدرسة لتعزية زميلتنا بوفاة والدها فكانت أمها تجلس بجوارها فأستغربت الزميلات وسألنها هل تعرفين هذه المرأة التي تجمع النفايات وبوقتها كانت زميلتي بموقف محرج جدا بسبب تصرفات والدتها الغريبة والتي حالوا جهد امكانهم منعها من هذا التصرف ولكن بلا فائدة !.
في بيتنا حديقة حيوانات ؟
من الامور الطريفة التي حدثني عنها ابو صباح – نجار – يقول بعد أن اجبر والدي على ترك محل النجارة لاصابته بالجلطة أصبح يهتم بالحيوانات فابتدأ بشراء بعض الدجاجات فقلنا لابأس بهذا ومن ثم جلب خروفا ومنزلنا صغير وتحول السطح تدريجيا الى حديقة حيوانات والدي المقدسة الذي لايجرأ أي احد الاقتراب منها ، واضاف سببت لنا هذه الحيوانات الكثير من الاذى لضيق البيت ونحن نسكن منطقة شعبية والسطوح متجاورة فاصبح الجيران يتضايقون من الروائح واصوات الحيوانات لكن ما بليد حيلة !.
ولكبار السن رأي مغاير ؟
يقول الجد ابو منتظر ء72 سنة – اولادي لايقدرون قيمة الاغراض التي ترمى احيانا دون ان يفكروا حتى في تصليحها فهذه الاغراض عزيزة علي وتعبت فيها ويعز علي ان اراها مرمية ، لذلك احرص على جمعها في غرفتي والاهتمام بها واعرف انهم متضايقون منها وينتظرون موتي لرميها .
ويضيف الجد عبد الله النعيمي – 68 سنة – بعد التقاعد وجلوسي بالبيت بصورة مستمرة اكتشفت الكثير من الاهمال واللامبالاة داخل المنزل ، وهذه الامور لاتعجبني لاني رجل منظم واصبحت هذه نقطة مشاكلي مع زوجتي والاولاد فأصبحوا يسمون توجيهاتي وحرصي عليهم تدخلا بأمورهم الشخصية .
فيما تقول أم غايب (كما ينادوها الناس ) – 62 سنة – يستغرب الناس اني مازلت اعمل في محلي ببيع المواد الغذائية البسيطة من داخل غرفتي الصغيرة ، وتضيف لم يشأ الله لي الزواج وكرست حياتي لامي وابي رحمهم الله وبعد وفاتهم، قام اخوتي ببيع جزء من منزلنا في الوشاش وتركولي غرفة وملحقاتها فقمت بفتح دكان صغير في هذه الغرفة، اعرف ان اخوتي متضايقون ويعتبروه تصرفا غريبا مني لكني مع قرارات نفسي لآريد ان اعيش عالة على احد منهم مازلت باستطاعتي العمل . تحولات سلوكية ؟
فيما تقول الدكتورة فوزية العطية – استاذة علم الاجتماع في جامعة بغداد – تطرا بعض التغيرات في سلوكيات كبار السن ك(( الاطفال )) ، فكبير السن يرى من وجهة نظره أنه صاحب إنجازات كبيرة، فهو من قام بإنشاء العائلة، وعمل من أجلها وحافظ عليها، لكن بعد أن يكبر الأبناء وتصبح لهم شخصيات مستقلة وربما عائلات مستقلة فيعتقد بأنه يفقد هذه الإنجازات وتضيف العطية هنا يصبح كبير السن حساسا تجاه أي كلمة أو تصرف قد يخرج من الأفراد المقابلين، أو حتى أي وجهة نظر.وتشير العطية الى عدة اسباب قد تجعل بعض كبار السن يتصرفون هذا التصرفات ومنها ان بعضهم كان متعلم على نظام معين بحياته كخروجه للعمل وارتباطه بعلاقات اجتماعية مع الاهل والاصدقاء والاقارب وفجأة يفقد كل هذا وبالاخص نحن نعيش مرحلة صعبة من ضعف العلاقات الاجتماعية بين الجيران والاقارب بسبب ظروف البلد الحالية من ازدحامات طرق والوضع الامني وكل هذه الامور تحد من حركتهم وبالتالي تجعلهم يشعرون باحباط ووقت فراغ كبير وملل وعدم راحة وسبب لهم تراجع بالجانب الفكري والعقلي وتجعلهم يتصرفون تصرفات مبنية على عواطفهم ومشاعرهم ليس للعقل جانب فيها لهذا تكون هذه القرارات غير مدروسة ، واشارت هذه الاسباب وغيرها تجعلهم يتصرفون بعض التصرفات الغريبة ، فقط لجلب الانتباه اليهم والحصول على اهتمام اكثر ، وهنا تنصح العطية بضرورة اشغال وقت فراغهم بشيء مفيد وضرورة التفات منظمات المجتمع المدني الى هذه الفئات نفسيا بعقد حوارات او جلسات تشعرهم باهميتهم وقيمتهم ، اضافة الى قيام عوائلهم بالترفيه عنهم من خلال زيارات الاهل والاقارب وعدم اهمالهم والتعامل مع تصرفاتهم التي قد تبدو غريبة على عوائلهم بالهدوء والتفهم لهذه المرحلة العمرية