ما أجمل أن نتأمل اللغة العربية بجمالياتها ودقتها الفائقة فـ"قطُّ" ليست مجرد كلمة تستخدم في سياق عابر، بل هي نافذة إلى أعماق التعبير العربي الأصيل، الذي يربط بين الألفاظ ومعانيها بسلاسة وإتقان.
في هذا الطرح، نجد أن "قطُّ" تؤدي وظيفة ظرفية متعلقة بالماضي توضح تماما انقطاع الفعل عبر الزمن
فتعبير مثل "ما سرتُ قطُّ" ليس مجرد نفي للسير، بل هو إعلان عن انقطاع أي احتمال لهذا الحدث فيما مضى
أما الخطأ في استعمال "قطُّ" مع الأفعال المستقبلية كقول "لن أفعله قط"، فإنه يظهر الفرق بين استغراق الماضي، الذي تختص به "قطُّ"، واستشراف المستقبل الذي لا تندرج تحته.
اللغة العربية بحر لا ينتهي من الروائع، والتعمق في استخدام أدواتها بشكل سليم يضفي على كلامنا دقة ورونقا
تحية لكل من يعشق اللغة العربية ويتذوق أسرارها
بانتظار عطائك المتجدد دائمًا الذي يضفي جمالا وإثراء بكل جديد ومفيد
ما أجمل أن نتأمل اللغة العربية بجمالياتها ودقتها الفائقة فـ"قطُّ" ليست مجرد كلمة تستخدم في سياق عابر، بل هي نافذة إلى أعماق التعبير العربي الأصيل، الذي يربط بين الألفاظ ومعانيها بسلاسة وإتقان.
في هذا الطرح، نجد أن "قطُّ" تؤدي وظيفة ظرفية متعلقة بالماضي توضح تماما انقطاع الفعل عبر الزمن
فتعبير مثل "ما سرتُ قطُّ" ليس مجرد نفي للسير، بل هو إعلان عن انقطاع أي احتمال لهذا الحدث فيما مضى
أما الخطأ في استعمال "قطُّ" مع الأفعال المستقبلية كقول "لن أفعله قط"، فإنه يظهر الفرق بين استغراق الماضي، الذي تختص به "قطُّ"، واستشراف المستقبل الذي لا تندرج تحته.
اللغة العربية بحر لا ينتهي من الروائع، والتعمق في استخدام أدواتها بشكل سليم يضفي على كلامنا دقة ورونقا
تحية لكل من يعشق اللغة العربية ويتذوق أسرارها
بانتظار عطائك المتجدد دائمًا الذي يضفي جمالا وإثراء بكل جديد ومفيد
دائما الاخت رشا متألقة في إختيار الدروس المهمة والنادرة ومساهمة منا في زيادة المعرفة إليك هذه الاضافة من د. مصطفى شعبان
(قطُّ) ودلالة استعمالاتها في الأساليب الفصيحة
و(قَطُّ) من ظروف الزمان غير المتصرفة مطلقًا ، بمعنى أنها تلازم النصب على الظرفية، وهي تختص عند جمهرة النحاة باستغراق النفي في الزمان الماضي ، فهي تفيد تأبيد النفي للماضي ، تقول : ما فعلته قطُّ. قال ابن مالك : ((إذا قُصد عموم وقت الفعل الماضي المنفي جيء بعد نفي الفعل بقَطُّ أو قَطٍ أو قَطْ)) (1). وقد جاء في عبارة الشيخ البيضاوي (قط) لنفي المستقبل ، إذ يقول في تفسير معنى قوله تعالى : ((لا يَسْبِقُونَهُ بالقَوْلِ وهُمْ بِأمْرِهِ يَعْمَلونَ))[الأنبياء:27] : ((لا يعملون قطُّ ما لم يأمرهم به)) (2). وقد خطَّأ شهاب الدين الخفاجي في حاشيته على البيضاوي عبارة البيضاويِّ ونقل كلامَ صاحب القاموس في استعمالها العربي، وأنها : ((تختص بالنفي ماضيًا ، والعامة تقول : لا أفعله قطُّ)) (3)، ثم قال الشهاب: ((وهو لحن ، يعني : استعماله في المستقبل كما في عبارة المصنـف - رحمه الله – خطأ مشهور)) (4). وقد سبق الفيروزآباديَّ إلى تلحين استعمال ((قط)) في المستقبل ابنُ يعيش، وابنُ هشام . قال ابن يعيش: ((اعلم أن ((قط)) بمعنى الزمان الماضي ، يقال: ما فعلته قطُّ، ولا يقال: لا أفعله قطُّ))(5). وقال ابن هشام: ((وتختص بالنفي ، يقال: ((ما فعلته قط)) والعامة يقولون: لا أفعله قطُّ، وهو لحن، واشتقاقه من ((قطَطْتهُ))، أي : قطعته ، فمعنى ما فعلته قطُّ: فيما انقطع من عمري – أي مضى من عمري - ، لأن الماضي منقطع عن الحال والاستقبال))(6). فـ(قطُّ) على كلام النحاة موضوعة في أصل وضعها على استغراق نفي الماضي(7). فاختصاص استعمال (قط) في نفي المضيِّ مؤيد بأصل الوضع الاشتقاقي، والوارد السماعي . أما أصل الوضع الاشتقاقي – كما سلف – فلأنه مشتق من المصدر (القطِّ) وهو القطع ثم نقلت إلى الظرفية ، ولذلك قال الرضي : ((وقط لا يستعمل إلا بمعنى أبدًا ؛ لأنه مشتق من القط وهو القطع ، كما تقول : لا أفعله البتة)) (😎. كما أن الواردَ من لغاتٍ في ((قط)) خمس لغات وكلها لنفي الماضي . قال الجامي في ((شرح الكافية)) (9): ((ومنها ((قَطُّ)) مفتوح القاف ومضموم الطاء المشددة وهذا أشهر لغاته ، وقد يخفف الطاء المضمومة ، وقد يضم القاف اتباعًا لضمة الطاء المشددة أو المخففة، وجاء (قَطْ) ساكنة الطاء مثل (قط) الذي هو اسم فعل – فهذه خمس لغات كلها ((للماضي المنفي)) أي لأجل الفعل الماضي المنفي، وقوع شيء فيه ليستغرق النفي جميع الأزمنة الماضية، نحو : ((ما رأيته قط)). وقيل في أسباب بناء (قط) إنه بني لتضمنه معنى (في ومن) الاستغراقية على سبيل اللزوم(10)، وقيل: لتضمنه معنى لام الاستغراق لزومًا لاستغراقه جميع الماضي (11)، وقيل: علة بنائها تضمنها معنى حرفي ابتداء الغاية وانتهائها أي (من وإلى)، والمعنى : ما فعلته منذ خلقني الله تعالى إلى الآن(12). وفي ذلك تأييد لأصل وضعها الموضوع للماضي . ويزيد هذا التأييد قوة أن قط – عند ابن مالك – يقع مع فعل غير منفي لفظًا ولا معنى ،أو منفي لفظًا لا معنى ، وفي كلا الأمرين لا يخلو (قط) من أن يكون بمعنى استغراق المضي ، وابن مالك يستشهد على جواز الأمرين بالحديث الشريف : فمثـال الواقـع مع فعـل غير منفـي لفظًا ولا معـنى : قول بعض الصحابـة - رضي الله عنهم - : ((قصرنا بالصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم أكثر ما كنا قَطُّ وآمنه)) (13). ومثله في خلوه من النفي لفظًا ومعنى ما أورده صاحب القاموس( ) نقلًا من ((صحيح البخاري)): ((أطول صلاة صليتها قطُّ)). ونقلًا عن ((سنن أبي داود)) (14): ((توضأ ثلاثًا قَطُّ)). وقال الفيروزآبادي: ((وأثبته ابن مالك في الشواهد لغة ، قال: وهي مما خفي على كثير من النحاة)) (15). ومثال الواقع بعد غير المنفي لفظًا لا معنى: ما ورد في الحديث: أن أُبيًّا قال: كأين تقرأ سورة الأحزاب ؟ فقال عبد الله: ثلاثًا وسبعين ، فقال: ((قطَّ))، أي: ما كانت كذا قط)) (16). وفي المثل : ((يا عَمَّاهْ، هَلْ كُنْتَ أَعْوَرَ قطُّ!)). فالشواهد التي استشهد بها ابن مالك على جواز استعمال (قط) بعد الإثبات، أي: دون نفي لفظًا ومعنى، أو لفظًا لا معنى؛ لابد أن تؤول على استغراق (قط) للماضي ، فهي في كلا الاستعمالين : أي على ما ذهب الجمهور أنها لا تستعمل إلا بعد نفي، فلا تستعمل في الإيجاب . وعلى ما ذهب ابن مالك – من أنها قد تستعمل مع المثبت لفظًا ومعنى، أو مع المثبت لفظًا والمنفي معنىً ، فإنها تفيد استغراق الماضي . إذًا فمجيؤها لنفي المستقبل استعمال يرفضه الوضع والسماع فضلًا عن أنه مخالف لما ذهب إليه جمهور النحاة ، فما قرره الخفاجيُّ هو الصواب .
دائما الاخت رشا متألقة في إختيار الدروس المهمة والنادرة ومساهمة منا في زيادة المعرفة إليك هذه الاضافة من د. مصطفى شعبان
(قطُّ) ودلالة استعمالاتها في الأساليب الفصيحة
و(قَطُّ) من ظروف الزمان غير المتصرفة مطلقًا ، بمعنى أنها تلازم النصب على الظرفية، وهي تختص عند جمهرة النحاة باستغراق النفي في الزمان الماضي ، فهي تفيد تأبيد النفي للماضي ، تقول : ما فعلته قطُّ. قال ابن مالك : ((إذا قُصد عموم وقت الفعل الماضي المنفي جيء بعد نفي الفعل بقَطُّ أو قَطٍ أو قَطْ)) (1). وقد جاء في عبارة الشيخ البيضاوي (قط) لنفي المستقبل ، إذ يقول في تفسير معنى قوله تعالى : ((لا يَسْبِقُونَهُ بالقَوْلِ وهُمْ بِأمْرِهِ يَعْمَلونَ))[الأنبياء:27] : ((لا يعملون قطُّ ما لم يأمرهم به)) (2). وقد خطَّأ شهاب الدين الخفاجي في حاشيته على البيضاوي عبارة البيضاويِّ ونقل كلامَ صاحب القاموس في استعمالها العربي، وأنها : ((تختص بالنفي ماضيًا ، والعامة تقول : لا أفعله قطُّ)) (3)، ثم قال الشهاب: ((وهو لحن ، يعني : استعماله في المستقبل كما في عبارة المصنـف - رحمه الله – خطأ مشهور)) (4). وقد سبق الفيروزآباديَّ إلى تلحين استعمال ((قط)) في المستقبل ابنُ يعيش، وابنُ هشام . قال ابن يعيش: ((اعلم أن ((قط)) بمعنى الزمان الماضي ، يقال: ما فعلته قطُّ، ولا يقال: لا أفعله قطُّ))(5). وقال ابن هشام: ((وتختص بالنفي ، يقال: ((ما فعلته قط)) والعامة يقولون: لا أفعله قطُّ، وهو لحن، واشتقاقه من ((قطَطْتهُ))، أي : قطعته ، فمعنى ما فعلته قطُّ: فيما انقطع من عمري – أي مضى من عمري - ، لأن الماضي منقطع عن الحال والاستقبال))(6). فـ(قطُّ) على كلام النحاة موضوعة في أصل وضعها على استغراق نفي الماضي(7). فاختصاص استعمال (قط) في نفي المضيِّ مؤيد بأصل الوضع الاشتقاقي، والوارد السماعي . أما أصل الوضع الاشتقاقي – كما سلف – فلأنه مشتق من المصدر (القطِّ) وهو القطع ثم نقلت إلى الظرفية ، ولذلك قال الرضي : ((وقط لا يستعمل إلا بمعنى أبدًا ؛ لأنه مشتق من القط وهو القطع ، كما تقول : لا أفعله البتة)) (😎. كما أن الواردَ من لغاتٍ في ((قط)) خمس لغات وكلها لنفي الماضي . قال الجامي في ((شرح الكافية)) (9): ((ومنها ((قَطُّ)) مفتوح القاف ومضموم الطاء المشددة وهذا أشهر لغاته ، وقد يخفف الطاء المضمومة ، وقد يضم القاف اتباعًا لضمة الطاء المشددة أو المخففة، وجاء (قَطْ) ساكنة الطاء مثل (قط) الذي هو اسم فعل – فهذه خمس لغات كلها ((للماضي المنفي)) أي لأجل الفعل الماضي المنفي، وقوع شيء فيه ليستغرق النفي جميع الأزمنة الماضية، نحو : ((ما رأيته قط)). وقيل في أسباب بناء (قط) إنه بني لتضمنه معنى (في ومن) الاستغراقية على سبيل اللزوم(10)، وقيل: لتضمنه معنى لام الاستغراق لزومًا لاستغراقه جميع الماضي (11)، وقيل: علة بنائها تضمنها معنى حرفي ابتداء الغاية وانتهائها أي (من وإلى)، والمعنى : ما فعلته منذ خلقني الله تعالى إلى الآن(12). وفي ذلك تأييد لأصل وضعها الموضوع للماضي . ويزيد هذا التأييد قوة أن قط – عند ابن مالك – يقع مع فعل غير منفي لفظًا ولا معنى ،أو منفي لفظًا لا معنى ، وفي كلا الأمرين لا يخلو (قط) من أن يكون بمعنى استغراق المضي ، وابن مالك يستشهد على جواز الأمرين بالحديث الشريف : فمثـال الواقـع مع فعـل غير منفـي لفظًا ولا معـنى : قول بعض الصحابـة - رضي الله عنهم - : ((قصرنا بالصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم أكثر ما كنا قَطُّ وآمنه)) (13). ومثله في خلوه من النفي لفظًا ومعنى ما أورده صاحب القاموس( ) نقلًا من ((صحيح البخاري)): ((أطول صلاة صليتها قطُّ)). ونقلًا عن ((سنن أبي داود)) (14): ((توضأ ثلاثًا قَطُّ)). وقال الفيروزآبادي: ((وأثبته ابن مالك في الشواهد لغة ، قال: وهي مما خفي على كثير من النحاة)) (15). ومثال الواقع بعد غير المنفي لفظًا لا معنى: ما ورد في الحديث: أن أُبيًّا قال: كأين تقرأ سورة الأحزاب ؟ فقال عبد الله: ثلاثًا وسبعين ، فقال: ((قطَّ))، أي: ما كانت كذا قط)) (16). وفي المثل : ((يا عَمَّاهْ، هَلْ كُنْتَ أَعْوَرَ قطُّ!)). فالشواهد التي استشهد بها ابن مالك على جواز استعمال (قط) بعد الإثبات، أي: دون نفي لفظًا ومعنى، أو لفظًا لا معنى؛ لابد أن تؤول على استغراق (قط) للماضي ، فهي في كلا الاستعمالين : أي على ما ذهب الجمهور أنها لا تستعمل إلا بعد نفي، فلا تستعمل في الإيجاب . وعلى ما ذهب ابن مالك – من أنها قد تستعمل مع المثبت لفظًا ومعنى، أو مع المثبت لفظًا والمنفي معنىً ، فإنها تفيد استغراق الماضي . إذًا فمجيؤها لنفي المستقبل استعمال يرفضه الوضع والسماع فضلًا عن أنه مخالف لما ذهب إليه جمهور النحاة ، فما قرره الخفاجيُّ هو الصواب .