الجزء الرابع
بعد فترة من التردد والمشاعر المتضاربة، قررتُ أخيرًا قبول عرض الانتقال إلى نادي فالنسيا الإسباني. كانت الخطوة فرصة لي، وأعلم أن جدتي كانت تريد الأفضل لي، لكنها ليست بسهولة ما أتصورها. كان قلبي مثقلاً بالهموم والقلق تجاه حالتها الصحية. لم أكن مستعدًا لما كان ينتظرني.
وفي اليوم الذي أُعلن فيه رسميًا عن انتقالي إلى فالنسيا، جاءني خبرٌ كالصاعقة، توفيت جدتي، الإنسانة التي كانت بالنسبة لي عائلتي، وأقرب شخصٍ لي. شعرت وكأن الأرض انسحبت من تحتي، وكأن عالمي انهار مرة أخرى. الألم كان أكبر من أن أتحمله؛ فقدتُ شغفي، وبدا لي أن الحياة التي عشتها فقدت معناها.
بعد انتقالي إلى نادي فالنسيا، حاولتُ بجهد أن أستعيد نفسي، لكنني لم أستطع تقديم الأداء الذي اعتدت عليه. المباريات أصبحت خالية من الإثارة، والتدريبات فقدت روحها. لم أعد اللاعب الذي أثار إعجاب الجميع؛ تحولت إلى مجرد لاعب احتياطي بالكاد يُشارك. كلما حاول المدرب منحي فرصة، كنت أظهر بشكلٍ باهت، وكأن روحي غابت عن الملعب.
إدارة الفريق لم تلبث أن تلاحظ هذا التراجع، وبدأ الحديث حول الاستغناء عني. أصبحوا ينظرون لي كاستثمار لم يُحقق النجاح. حتى زملائي لم يعودوا يتوقعون مني الكثير؛ تحولتُ بالنسبة لهم إلى مجرد لاعب عابر.
كنت أعيش صراعًا داخليًا، أعلم أنني أملك الموهبة، لكن فقدان جدتي أخذ مني كل شيء، ليس فقط المهارات، بل الشغف والطموح كذلك. جلستُ وحدي في شقتي، أتساءل: هل هذه هي النهاية؟ هل ستذهب أحلامي أدراج الرياح بسبب الألم الذي أشعر به؟ وهل سأتمكن من استعادة ذاتي؟
مع فترة الانتقالات، وصلني عرض من فريق مالقا الإسباني، ووافق نادي فالنسيا على بيعي بعد الأداء المتراجع. لم يكن أمامي الكثير من الخيارات، لذا قررت الانتقال إلى مالقا، على أمل أن أجد بداية جديدة. وصلتُ إلى مالقا، مدينة هادئة ودافئة، وبدأت أحاول التكيف مع محيطي الجديد.
أحد الأيام، بعد نهاية التدريب، دخلتُ إلى مقهى قريب من الملعب، حيث قابلت ياسمين، الفتاة التي تعمل هناك. قدمت لي القهوة بابتسامة لطيفة، ومنذ تلك اللحظة، بدأت حياتي تتغير. بدأنا نتحدث شيئًا فشيئًا، وكنا نغوص في أحاديث طويلة عن حياتي وعن أحزاني وأحلامي الضائعة. ياسمين لم ترني كلاعب كرة قدم فقط، بل كإنسان يحمل همومه وأحلامه معًا. كلماتها ألهمتني بأن الحياة تستمر، وأن الفرص الجديدة قد تأتي لتفتح أبوابًا أوسع.
مع وجود ياسمين، بدأ قلبي يشعر ببعض الأمل، وبدأتُ أعود إلى التدريبات بنظرة جديدة. شيئًا فشيئًا، استعدت جزءًا من مهاراتي وشغفي باللعب، لكن هذه المرة كنت ألعب لأجل شخصٍ يؤمن بي ويدعمني، ولأجل ذاتي الجديدة.
مرت الأيام، وتدريجيًا أصبحتُ عنصرًا أساسيًا في فريق مالقا. بفضل جهودي، صعدنا للدرجة الأولى، وكان الجماهير تهتف باسمي في كل مباراة. تحققت أحلام لم أكن أتوقعها، ولم تعد العروض من الأندية الكبرى تهمني بقدر ولائي لهذا النادي الذي أعاد لي الحياة.
وفي خضم كل هذا النجاح، جاءني خبر غيّر حياتي مرة أخرى؛ تم استدعائي للانضمام إلى معسكر المنتخب المغربي تحت قيادة المدرب وليد الركراكي. لم أصدق أن الحلم الذي كان يراودني منذ الطفولة أصبح حقيقة؛ سأرتدي قميص الوطن وأمثل بلدي.
توجهتُ إلى المعسكر بحماس لا يوصف، وكنت عازمًا على أن أثبت نفسي. شعرتُ بالفخر لأن كل ما مررت به لم يكن سدى. تلك اللحظة كانت كفيلة بجعل كل تلك الصعوبات تستحق، فأنا هنا الآن أقف بين زملائي، أستعد لحلم جديد، وأتساءل، هل ستكون هذه بداية جديدة في طريق تحقيق المجد مع المنتخب؟