(حقوق كبار الس 08/04/1446هـ
﴿الخُطْبَةُ الأُوْلَى﴾
الْحَمْدُ للهِ الْقائِلِ فِي كِتابِهِ :﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا ﴾[غافر: 67]، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، r الْقائِلُ: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا) [صححه الألباني] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللهِ: فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ وَطَاعَتِهِ، ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ نِعَمِ اللهِ عَلَيْنا أَنْ أَنْشَأَنا فِي أَكْنافِ أَهْلٍ مُسْلِمِينَ، وَسَخَّرَ لَنا مِنَ الْأَهْلِ وَالْوَالِدِينَ مَنْ يَرْعانا وَيُرَبِّينا، فَالْحَمْدُ للهِ أَوَّلًا، ثُمَّ الشُّكْرُ لِمَنْ أَفْنَوْا أَعْمارَهُمْ فِي تَرْبِيَتِنا وَرِعايَتِنا، كِبارَ السِّنِّ مِنَ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقارِبِ جَزاهُمُ اللهُ عَنَّا خَيْرَ الْجَزاءِ، هُمُ الْآنَ زِيْنَةُ بُيُوتِنا، وَنُورُ مَجالِسِنا، وَبَرَكَةُ حَياتِنا، وَإِنَّ مِنْ حَقِّهِمْ عَلَيْنا الْبِرَّ وَالْإِحْسانَ إِلَيْهِمْ، وَرِعايَةَ حُقُوقِهِمْ، وَالْقِيامَ بِواجِباتِهِمْ، وَتَعاهُدَ مُشْكِلاتِهِمْ، وَالسَّعْيَ فِي إِزالَةِ الْمُكَدِّراتِ وَالْهُمُومِ وَالْأَحْزانِ عَنْ حَياتِهِمْ، وإِنَّ هَذا مِنْ أَعْظَمِ أَسْبابِ التَّيْسِيرِ وَالْبَرَكَةِ، وَانْصِرافِ الْفِتَنِ وَالْمِحَنِ وَالْبَلايا وَالرَّزايا عَنِ الْعَبْدِ، وَسَبَبٌ لِلْخَيْراتِ وَالْبَرَكاتِ الْمُتَتالِياتِ عَلَيْهِ فِي دُنْياهُ وَعُقْباهُ؛ فَهُمْ بَرَكَةُ الْبُيُوتِ وَأَنْوَارُهَا، وَهَيْبَتُهَا وَوَقَارُهَا؛ فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «الْبَرَكَةُ مَعَ أَكَابِرِكُمْ» [صحيح الجامع].
عِبادَ اللهِ: كِبارُ السِّنِّ هُمُ الْفِئَةُ الْعَزِيزَةُ الْغالِيَةُ، الَّتِي لَها المكانَةُ الْعالِيَةُ، هُمْ فِي الْبُيُوتِ مَصْدَرُ السَّعادةِ وَالسُّرورِ، وَهُمْ فِي الْعائِلاتِ أَعْمِدَةُ الْحِكْمَةِ وَالنُّورِ، فَكَمْ مِنْ نَصْرٍ وَرِزْقٍ جاءَ مِنْ دُعائِهِمْ وَصَلاتِهِمْ، قالَﷺ: «هلْ تُنْصَرونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفائِكُمْ؟» بِدَعْوَتِهِمْ وَإِخْلاصِهِمْ. [رواه النسائي، وصححه الألباني]. إِنَّ احْتِرامَهُمْ وَتَوْقِيرَهُمْ مِنْ تَعْظِيمِ اللهِ-تَعالَى-، قالَﷺ: «إنَّ من إجلالِ اللَّهِ إِكرامَ ذي الشَّيبةِ المسلمِ» [رواه أبو داود وحسنه الألباني].
عباد الله: فِيما يَلِي نَذْكُرُ بَعْضَ الْفَضائِلِ لِكِبارِ السِّنِّ فِي الْإِسْلامِ، وَمَا شَرَعَ الْإِسْلامُ لَهُمْ مِنْ حُقُوقٍ وَوَاجِباتٍ.
وَقَدْ تَضَافَرَتِ الْأَحادِيثُ بِأَنَّ الْخَيْرَ مَعَ الْأَكابِرِ، وَالْبَرَكَةَ مَعَ كِبارِ السِّنِّ، وَأَنَّ المؤْمِنَ لَا يُزادُ فِي عُمُرِهِ إِلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ، وَأَنَّ لَهُ مَكَانَةً خَاصَّةً، تَتَمَثَّلُ فِي التَّجَاوُزِ عَنْ سَيِّئَاتِهِ، وَشَفَاعَتِهِ لِأَهْلِ بَيْتِهِ؛ فَلَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَﷺ أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قالَ:(لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الموْتَ، وَلَا يَدْعُو بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ، إِنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ، وَإِنَّهُ لَا يَزِيدُ المؤْمِنَ عُمُرُهُ إِلَّا خَيْرًا( [رواه مسلم]. وَعَنْ أَنَسٍ t قالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺقالَ: (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخِيارِكُمْ؟!)، قالُوا: بَلَى يا رَسُولَ اللهِ، قالَ: (خِيارُكُمْ أَطْوَلُكُمْ أَعْمَارًا إِذَا سَدِّدُوا) [حسنه المنذري].
وَمِنْ حُقُوقِهِمْ عَلَيْنَا: تَوْقِيرُهُمْ وَإِكْرَامُهُمْ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ هَدْيِ النَّبِيِّﷺ، فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قالَ: جاءَ شَيْخٌ يُرِيدُ النَّبِيَّ ﷺفَأَبْطَأَ الْقَوْمُ عَنْهُ أَنْ يُوَسِّعُوا لَهُ، فَقالَ النَّبِيُّﷺ: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا) [صححه الألباني].
وَمِنْ حُقُوقِهِمْ كَذَلِكَ: حُسْنُ المعامَلَةِ، بِجَمِيلِ الْإِكْرامِ، وَطِيبِ الْكَلامِ، وَالتَّوَدُدِ إِلَيْهِم؛ فَإِنَّ إِكْرامَ الْكَبِيرِ وَإِحْسانَ خِطابِهِ هُوَ فِي الْأَصْلِ إِجْلالٌ للهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ فَقَدْ جاءَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ:ﷺ(إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللهِ: إِكْرَامَ ذِيْ الشَّيْبَةِ المسْلِمِ) [حسنه الألباني].
وَإِنَّ مِنْ حُقُوقِهِمْ: إِذَا لَقِيناهُمْ أَنْ نَبْدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ؛ اِحْتِرَامًا وَتَقْدِيرًا لَهُمْ، فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ:(يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ( [رواه البخاري].
ومِنْها كذلك: أَنْ نُنادِيَهُ بِأَلْطَفِ خِطابٍ، وَأَجْمَلِ كَلامٍ، وَأَلْيَنِ بَيانٍ، بِأَنْ نُخاطِبَهُ بِـمِثْلِ "يَا عَمِّ" وَغَيْرِها مِنَ الْخِطابَاتِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى قَدْرِهِ وَمَرْتَبَتِهِ وَمَنْزِلَتِهِ فِي المجْتَمَعِ بِكِبَرِ سِنِّهِ.
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍﷺ أَنَّهُ قالَ:(بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ، نَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَشِمالِي، فَإِذَا أَنَا بَيْنَ غُلَامَيْنِ مِنَ الْأَنْصارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا، تَمَنَّيْتُ لَوْ كُنْتُ بَيْنَ أَضْلَعِ مِنْهُمَا، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا، فَقَالَ: يَا عَمِّ، هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، وَمَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا بْنَ أَخِي؟ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللهِﷺ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا) [رواه البخاري].
وَمِنْ حُقُوقِهِمْ كَذَلِكَ: أَنْ نُقَدِّمَهُمْ فِي الْكَلَامِ وَالْمَجَالِسِ، وَفِي الطَّعامِ، وَالشَّرَابِ، وَالدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ. فَقَدْ وَرَدَ عنهﷺ قولهُ:(كَبِّرْ، كَبِّرْ) [رواه البخاري]، قالَهَا لِمَنْ أَرَادَ الْحَدِيثَ بِوُجُودِ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ سِنًّا. وَقَدْ كَانَ شَبابُ الصِّحابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي غَايَةِ الْأَدَبِ، وَالِاحْتِرَامِ لِلْكِبارِ، وَالتَّوْقِيرِ وَالتَّقْدِيرِ لَهُمْ، وَالْقِيامِ بِحُقُوقِهِمْ. وَمِنَ النَّمَاذِجِ وَالْأَمْثِلَةِ عَلَى ذَلِكَ: مَا جَاءَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺيَوْمًا لِأَصْحابِهِ: (إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّها مِثْلُ المسْلِمِ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ؟)، فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِيْ، قَالَ عَبْدُ اللهِ: وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّها النَّخْلَةُ، فَاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: (هِيَ النَّخْلَةُ) [رواه البخاري].
وَمِنْ إِجْلالِ الْكَبِيرِ أَيْضًا: الدُّعاءُ لَهُ بِكُلِّ خَيْرٍ وَصَلَاحٍ وَطُولِ عُمُرٍ عَلَى طَاعَةِ اللهِ، وَقَدْ حَثَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ الْأَبْنَاءَ عَلَى الدُّعَاءِ لِوَالِدَيْهِمْ فِي حَيَاتِهِمَا وَبَعْدَ مَمَاتِهِمَا: ﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء:24]. فَإِنَّ خَيْرَ النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ، كَمَا جَاءَ في الحديثِ: أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ خَيْرُ النَّاسِ؟ قَالَ:(مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ) [صححه الألباني]. لِأَنَّ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ ازْدَادَ عِلْمُهُ وَإِنابَتُهُ وَرُجُوعُهُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ لِأَنَّ الشَّبَابِ شُعْبَةٌ مِنَ الْجُنُونِ.
عِبَادَ اللهِ: الْإِنْسانُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا يَمُرُّ بِثَلَاثِ مَرَاحِلَ رَئِيْسَةٍ: ضَعْفٍ، ثُمَّ قُوَّةٍ، ثُمَّ ضَعْفٍ، وَهَذَا الضَّعْفُ الْأَخِيرَ هُوَ الشَّيْخُوخَةُ وَالْكُهُولَةُ. قالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً﴾ [الروم:54].وَقالَ تَعالَى: ﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ﴾ [الحج:5]. وَأَرْذَلُ الْعُمُرِ كَمَا ذَكَرَ المفَسِّرُونَ: (هُوَ أَخَسُّهُ وَأَدْوَنُهُ، وَآخِرُهُ الَّذِي تَضْعُفُ فِيهِ الْقُوَى، وَتَفْسُدُ فِيهِ الْحَوَاسُّ...) [تفسير القرآن العظيم لابن كثير]. فَعَلَيْنَا أَنْ نُرَاعِيَ صِحَّةَ كَبِيرِ السِّنِّ، وَوَضْعَهُ الْبَدَنِيَّ وَالنَّفْسِيَّ، بِسَبِبِ الْكِبَرِ وَالتَّجَاوُزِ فِي الْعُمُرِ. أَقُولُ قَوْلِي هَذَا.. وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ
﴿الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ﴾
الْحَمْدُ لِلَّهِ، هَدَى وَوَفَّقَ مَنْ شَاءَ بِفَضْلِهِ، وَصَرَفَ عَنِ الْحَقِّ وَالْهُدَى بِعَدْلِهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَفْضَلِ أَنْبِيَائِهِ وَأَكْرَمِ رُسُلِهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ؛ ثُمَّ أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللَّهِ: فَاتَّقُوْا اللهَ تَعَالَى، ﴿وَٱتَّقُواْ يَوۡمًا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ﴾.
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: حُقُوقُ كِبارِ السِّنِّ عَلَى مَرَاتِبَ، وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ المرَاتِبِ وَالْحُقُوقِ عَلَيْنَا حُقُوقَ الْأَبَوَيْنِ كِبَارَ السِّنِّ بِالرِّعايَةِ وَالِاهْتِمَامِ، وَاسْمَعْ لِهَذِهِ الْقِصَّةِ الْعَجِيبَةِ فِي إِكْرَامِ كِبَارِ السِّنِّ، فَقَدْ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ بِأَبِيهِ أَبِي قُحَافَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا إِلَى رَسُولِ اللهِﷺ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ يَحْمِلُهُ حَتَّى وَضَعَهُ بَيْنَ يَدَي رَسُولِ اللهِ ﷺلِيَدْخُلَ الْإِسْلَامَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِﷺ لِأَبِي بَكْرٍ:(لَوْ أَقْرَرْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ لَأَتَيْنَاهُ) [صحيح على شرط مسلم]. فَالشَّرِيعَةُ تُرَغِّبُ الْأَوْلادَ فِي الْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ، وَحِفْظِ حُقُوقِهِمَا، حَتَّى وَإِنْ كَانَا يَدْعُوَانِهِ إِلَى الْكُفْرِ؛ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ﴾ [لقمان:15]، فَلَمْ يَقُلْ: "فَعُقَّهُمَا"، بَلْ قَالَ: ﴿فَلَا تُطِعْهُمَا﴾.
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ رِعَايَةَ المسِنِّينَ فِي الْإِسْلَامِ نَمُوذَجٌ أَمْثَلُ لِلتَّكَافُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ، فَقِيَمُنَا قِيَمٌ إِسْلامِيَّةٌ أَصِيْلَةٌ، تَرْحَمُ الضَّعِيفَ وَالصَّغِيرَ، وَتُوَقِّرُ الْكَبِيرَ، وَتَحْتَرِمُ الْعَالِمَ وَالسُّلْطَانَ؛ فَالْإِسْلَامُ لَا يَرْضَى لِلْإِنْسانِ إِلَّا أَنْ يَحْيَا كَرِيمًا عَزِيزًا مُوَقَّرًا، وَقِيَمُ غَيْرِنَا مِنْ غَيْرِ المسْلِمِينَ قِيَمٌ غَرْبِيَّةٌ غَرِيبَةٌ، تَفَكَّكَتْ أُسَرُهُمْ، فَلَا يَكَادُ الِابْنُ يَعْرِفُ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ بِمُجَرَّدِ أَنْ يَبْلُغَ الْحُلُمَ، وَهَامَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى وَجْهِهِ.
عِبَادَ اللَّهِ: صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الرَّحْمَةِ الْـمُهْدَاةِ والنِّعْمَةِ الـْمُسْدَاةِ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ r فَقَدْ أَمَرَنَا بِذَلِكَ رَبُّنَا، فَقَالَ جَلَّ وَعَلَا: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾. فَاللَّهُمّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْـمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْـمُشْرِكِينَ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ الْـمُسْلِمِيْنَ، وَاجْعَلْ وِلَايَتَهُمْ فِيْمَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ، وَأَيِّدْ بِالْحَقِّ إِمَامَنَا وَوَلِيَّ أَمْرِنَا خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيْفَيْنِ، وَوَفِّقْهُ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ وَوُزَرَاءَهُ وَأَعْوَانَهُ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَالْعَمَلِ بِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى يَا رَبَّ الْعَالَمِيْنَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِيْنَا وَلِجَمِيْعِ الـْمُسْلِمِيْنَ وَالْـمُسْلِمَاتِ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِيْ الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عِبَادَ اللهِ: ﴿ٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكۡرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكۡرَةً وَأَصِيلًا