الفرق كبير والبون شاسع بين الجمهور على المدرجات، الذي اعتُبر على انه لاعب ثاني عشر، وبين الجمهور المترف الذي تحلق حول حلبة الملاكمة، فالأخير حضر خصيصا ليشاهد الألم والقتال المحتدم وتبادل الضربات التي لا سبب لها ولا نتيجة ولا غاية من ورائها، بل لا يهم هؤلاء الحشود أكان هذا الصراع ملفقا ومصطنعا -جرى ترتيبه في الكواليس والدهاليز والأقبية- أم هو صراع حقيقي، وإليك هذا السيناريو المحتمل لنشوب عداء شخصي (حقيقي) بين ملاكمين ثقيلي الوزن خفيفي العقل.. في اللقاء الصحفي الترويجي المنصرم تعرض الملاكم لخصمه بوابل من الكلام النابي وزاد بأن وصف أمه بكلام مهين، وتجدد الأمر في مرحلة الاوزان ناعتا إياه بأقذع الالفاظ.

حيكت منذ عصور طاحنة في القدم نفس الحبكات المسرحية، بغية إثارة الحماس في المتلقي البسيط العفوي، وحمله على المراهنة بأمواله، وهو يشاهد صراعا دمويا، فتحت الشمس الحارقة الساطعة التي ينزوي فيها الظل متسللا الى ثقوب وشقوق حجارة المدرج اليوناني او على كرسي وثير داخل صالة تغص بالأضواء المبهرجة في لاس فيغاس، نفس الحبكة البطولية تعاد، مع توظيف نفس الشخصيات (اغلبها) التي منها طبعا شخصية البطل المضطهد الوسيم -يجب ان يكون وسيم والا لن تقع الاميرة في حبه من النظرة الأولى- الذي يمارس عليه الغش من شخص كريه وقذر، شكله وهندامه وملامح وجهه المختارة بعناية تصرخ وتبوح بمدى دنائته، فهذا دوره على أي حال، وهو إثارة الاشمئزاز في نفوس المشاهدين، وكي يصل بهم الى ذروة الانفعال لا بأس ان قام بحركة مقيتة وجبانة تثبت للجمهور خسته و انحطاط طباعه، كتسديد ضربة بعيدة عن الاخلاقيات المعنوية للمصارعة، فحينها تهتف الحشود ويعلو صراخها، ما عدى شخص واحد يبدو مستمتعا وراضيا بما يحصل للبطل، اظنكم عرفتموه، نعم هو قريب الاميرة الذي تقدم لها ورفضته او هو زوجها بالفعل على سنة زيوس وفيتاغورس. وبالعودة الى النزال وجمهوره المتعطش للانتقام، ينتهي الفصل الأول من الرواية.

روايتنا وبطلنا بعيد عن اساطير اليونانيين الاولين وبعيد أيضا عن اساطير عالمنا الحالي، ولا مجال للمقارنة، فالبطل والمشجع من على المدرجات هو جسد واحد لا يتجزأ ولا ينفصل، والعدو يعلم يقينا ذلك والأمم المتحدة أيضا تعلم ذلك وأي شخص عاقل يعلم ذلك، ويعلم هؤلاء كلهم ونحن معهم ان تسديد ضربة لهذا الجمهور على المدرجات هو بمثابة تسديد ضربة تحت الحزام في الملاكمة، والأمر مستشنع وغير أخلاقي وجرى تجريمه، وممكن ان يعاقب الفريق بتغريمه او منعه من جمهوره اذا احدث اعمال شغب وتعرض لجمهور منافسه، بعكس الملاكمة وجمهورها، فحتى وان قتل بعضهم بعضا فلن يغير في نتائج الملاكمين شيئا.

بطلنا رغم تلقيه لضربات عدة تحت الحزام، لم يترنح ولم يتمايل على حبال وذرائع مطاطية بل ما يزال في وسط الحلبة يهاجم بندية يحتار فيها العاقل.

اعلم يا عبد الرحمن انه حتى لو كان بطلنا أسيرا بيد العدو مربوطا إلى كرسي بأغلال وسلاسل ثم قرر وهو في حالته تلك ان يبزق في وجه عدوه، فلن يجد عندي الا الاحتفاء بفعلته بل هو أشجع من أي شجاع، فحتى لو قيست فعلته بمسطرة النفعية المادية أو وزنت بميزان المصالح والمفاسد الفقهية الامريكية، فقد تساوي صفرا، افهم ذلك تماما، سيما وهو مقدور عليه وبيد عدوه يمثل به كيفما شاء، وربما يستشيط غضبا بعد بزاقه، فيقطع له أصابعه او يفقع احدى عينيه او كلتاهما، او يضع على صدره حجارة ضخمة وهو تحت لهب الشمس الحارقة كبلال رضي الله عنه، الذي كان يردد كلمة واحدة، أحد.. أحد، أحد.. أحد، فقل لي بربك لمن كانت العاقبة؟ لقد رد الصاع صاعين، الأولى حين مكنه الله من معذبه في قتال وجها لوجه، فضربه ضربة بالسيف أردته قتيلا، والثانية حين بحثوا عنه بين القتلى فوجدوه وجسمه قد انتفخ ولم يقدروا على حمله ما اضطرهم لردمه بالحجارة، فكان الجزاء من جنس العمل ولا يظلم ربك أحدا، والثالثة حين اعتلى رضي الله عنه الكعبة ليرفع ويصدح بمعنى تلك الكلمة (أحد) للآذان، فشكر أحد المشركين وقتها وحمد الله لان اباه مات والا انشقت مرارته غيظا وهو يرى بلال بتلك الهيئة من التمكين.

ثم متى يا عبد الرحمن شهدت او رأيت او سمعت أو قرأت ان شعبا محتلا تعذر عن طلب التحرير بحجة ان اطفاله وصبيته ونساءه وشيوخه وعجائزه لا يطيقون ذلك؟

وسؤال مهم أخير، لما ترك اهل غزة أرض فلسطين كلها واجتمعوا في القطاع؟ هل يريدون تحطيم رقم قياسي في اكتظاظ السكان مثلا؟

ثم مرحبا بك وشكرا على كلامك الطيب

نجمة
شكرا.. ومرحبا بك.

سمير

كنت سأعتب عليك لولا أنى وجدت وهج ردك ناب عن النور الذي أطفأته.

إقتباس لمشاركة:	@سامق_ف	22:40 - 2024/10/20
حياك الله اخي زمان بيكينباور وبعد .. المباراة جارية.. ولا يذهبن عقلك إلى انها مملوكة لأحدهم او هي أمة بل هي جارية من جريان الدمع يحفر المقل، وهي جارية من جريان الدم المسفوح على الارصفة، وهي جارية من جريان رعشة ببدن صبي شريد، وهي جارية من جريان التنهيدات والصرخات في صدر شيخ هزيل والمقاعد محجوزة فمنها ما هو في الدرك الأول من مزابل التاريخ ومنها ما هو دون ذلك الي ان تصل الى القاع، هناك أي ستجدني أنا (الوك الكلام وامضغه بين اسناني) ثم قريبا مني اقواما يتطارحون الغرام ويتشاركون الحب في النيل من الإسلام والمسلمين، حب عنيف سادي شبق ينفس عن مكنون قلوبهم، وفي الجهة المقابلة لمكب النفايات الذي نحن فيه فوق وعلى اليمين تقريبا مقاعد أخرى محجوزة لأصحابها الغائبين، لان المباراة ليس فيها صلاح الدين! اعتذر ان وصلك شعور أنى شخص قبيح، فلا أدرى لما كتبت ما كتبت ثم شكرا على صفحك عني مسبقا وعلى لطف معي آنفا ولك التحية chivasexample صدقت اخي لكن لن تشرخ الود بيننا هنا.. ان شاء الله ثم مرحبا بك

أحسنت أخي لا فض فوك و النصر لنا عاجلا أم آجلا بإذن الله فالنصر مع الصبر و بالعكس أنت شخص رائع و جميل و تحياتي لك سررت بالمشاركة في موضوعك الرائع