السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نبداء القصة
بدأ كل شيء مع ذلك المنزل.
على أطراف البلدة، كان هناك منزل قديم من الطراز الفيكتوري، مهجور لسنوات عديدة. بعد أن تم شراؤه على أمل ترميمه وتحويله إلى مسكن جديد، بدا المكان وكأنه فرصة مثالية للبداية من جديد. رغم هيئته المتهالكة، بطلائه المتقشر وأبوابه الثقيلة التي تصدر صوتًا كئيبًا عند فتحها، كان هناك شيء غريب في الأجواء. السكان المحليون أطلقوا عليه اسم "الفراغ"، لكن أحداً لم يفسر سبب هذه التسمية. لم يكن للمشتري الجديد اهتمام بتلك الشائعات، واعتبرها مجرد أساطير متوارثة.
منذ الليلة الأولى، كان واضحاً أن هناك خطبًا ما. أصوات الخشب المتآكل، وطقطقات الأسقف لم تكن مثيرة للقلق في البداية، فقد بدا الأمر وكأنه مجرد بيت قديم يتحرك مع الرياح. ولكن، في ساعات متأخرة من الليل، بدأت همسات خافتة ترتفع من تحت الأرضية، أشبه بأصوات بعيدة، كما لو أن أحدًا يتحدث من الأعماق، مباشرة أسفل السرير.
في البداية، كان الصمت هو الرد الوحيد لتلك الأصوات. لكن بعد لحظات من التركيز، اتضح أن هذه الهمسات ليست مجرد أصوات عشوائية. إنها جماعية، متداخلة، كأن هناك كياناً أو كائنات عدة تتحدث معًا، بصوت خافت، لكنه مشحون بالتهديد.
مع مرور الأيام، بدأت الهمسات تزداد وضوحًا. لم يعد سماعها مقتصرًا على الليل؛ فقد كانت تملأ أجواء البيت حتى في وضح النهار. أصوات خفية تنادي من يتواجد في المكان باسمه عندما يكون وحيدًا، وأنين يشبه البكاء يصدر من أعماق القبو. وعلى الرغم من محاولات الإقناع بأن هذه الأمور ليست إلا أوهام أو نتيجة الإرهاق، كان الجو في المنزل يتكثف، مشحونًا برهبة لا تفسير لها.
وفي إحدى الليالي، وبينما كان الجميع نائمين، كان الإحساس بالمراقبة لا يمكن تجاهله. كان الهواء ثقيلًا، مكتومًا. وفي الزاوية البعيدة من الغرفة، بدا أن الظلال تشكلت على هيئة شخص غامض، تقف عينه في الظلام وتلمع بطريقة مرعبة.
لم يكن هناك حركة. لم يكن هناك صوت. فقط ذلك الكيان الغامض يتقدم ببطء، بينما ترتفع الهمسات من جديد، حتى أصبحت صخبًا يعج في الأذنين. الكلمات بدأت تتضح، محملة بتهديد خفي.
*"نحن هنا... نحن محاصرون... أنت من فتحت لنا الباب..."*
ثم، كما جاء، اختفى الكيان. عاد كل شيء إلى هدوئه المفزع، لكن الخوف كان قد طغى تمامًا. لم يكن من الممكن تجاهل الحقيقة بعد الآن.
في اليوم التالي، دفع الرعب أحد الساكنين للبحث عن إجابات. كانت البلدة قديمة، وفي مكتبتها تكشفت أسرار مخيفة عن الماضي. المنزل الذي بدواخله أسرار لا تنكشف بسهولة، كان قد بني على أرض شهدت طقوسًا سريّة لطائفة غامضة. تلك الطائفة سعت لفتح بوابة بين العالمين، بين الأحياء والأرواح، إلا أن الأمور انقلبت رأسًا على عقب. الأرواح التي استدعيت لم تغادر قط. لقد ظلت عالقة، حبيسة تحت الأرض، تتوق للتحرر بأي ثمن.
"عليك أن تغادر المنزل"، كان التحذير واضحًا. "إذا بدأت الهمسات، فهذا يعني أن الوقت قد فات."
لم يكن هناك مجال للتأخير. العودة إلى المنزل كانت مليئة بالرهبة، والرغبة الوحيدة كانت الهروب. لكن الصمت الذي ملأ المكان كان غير طبيعي. كل شيء كان هادئًا… هدوءًا مرعبًا. النداءات لم تلقَ ردًا، والخوف دفع الساكن إلى النزول إلى القبو، حيث كانت الهمسات أكثر وضوحًا.
عند وصوله إلى القبو، كان الباب نصف مفتوح. وفي الداخل، كان هناك كيان واقف في المنتصف، عينه مثبتة على الأرض، دون حراك. تحت قدميه، كان هناك باب خشبي قديم، مفتوحًا قليلاً، يكشف عن فجوة مظلمة. من تلك الفجوة، بدأت همسات جديدة ترتفع، لكنها كانت تحمل معنى جديدًا هذه المرة.
*"نحن أحرار الآن."*
قبل أن يتمكن الساكن من التحرك، امتدت يد باردة من الظلام، تمسك بالكاحل. الصرخة كانت عاجزة، والمقاومة لم تنجح. من الفجوة، انبثقت أيدٍ شاحبة، متعفنة، تسحب من وقع في الفخ إلى أعماق الأرض.
قبل أن يغلق الباب الخشبي مرة أخرى، كانت النظرات الفارغة ترسم نهايتها. وصوت الهمسات كان يزداد قوة، حتى أظلم كل شيء.
عاد الهدوء إلى المنزل، منتظرًا الضحية التالية.
وتحت الأرض، استمرت الهمسات.