عصا موسى .....
تجولت في هاتفي وكأنني أتجول في حديقة عامة أشم من رائحة زهورها ,, وألمح مقتطفات من سحر جمال طبيعتها ,,,
نعم الهاتف مدعم بخاصية الانترنيت أصبح بدلا من الحديقة التي كنا نبكي أنا وأخوتي ونحن صغار نترجى والدنا ليأخذنا إليها .. ورغم مجانية الدخول ورغم أنها تقع في حي قريب جدا من حيينا ونستطيع الذهاب لتلك الحديقة مشيا على الأقدام ,,, إلا أن والدي كان يأخذنا بالكاد مرة كل شهر ,,, ولفلسفة لم أفهمها حتى أصبحت أبا ... حيث أنه لو أخذنا إليها كل يوم أو يومين أو حتى كل جمعة ,,, ستصبح روتينا وأمرا اعتياديا ,,, وسنطالب بأشياء أكثر قيمة التي ستتعب كاهل والدي الموظف والذي راتبه يكاد لا يكفي لسد رمق جوع عائلة مكونة من عشرة أشخاص أنذاك ,.,,,,
وهذا هو ما أوصلتنا إليه التكنولوجيا الحديثة بأن ننسى فوائد التنزه في الحدائق الصحية والاجتماعية
المهم كنت أتجول في هاتفي تماشيا مع عصري حتى لا أكون بعيدا عن مستوى أطفالي العلمي ,,, وأثناء ذاك التجوال برز لي إعلان خطير وتكرر لعدة مرات ...
الموسى للتقسيط المريح .... قسط سيارتك بلا دفعة أولى كبيرة... وبأقساط مريحة جدا ,,, هل راتبك بضع ألاف قليلة ,,, وتريد سيارة فخمة تعال لعندنا وحقق حلمك ..... .....عصا موسى للتقسيط ..سحرية تقلب حياتك ....
بتلك الكلمات المنمقة ... دخل عقلي حلبة التفكير وبدأت أضرب الأعلان يمنيا وشمالا ,,,والله مبلغ معقول لتلك السيارة ,,, نعم هذه أستطيع تقسيطها ,,, وفجأة نبع أمامي أولادي وزوجتي وكل منهم قد شاهد الإعلان في هاتفه وركض لغرفة الجلوس حيث أجلس أنا . ليقترح علي أن نشتري سيارة بالتقسيط من الموسى للتقسيط ,,,, والحمد لله لم تعد توحد الاراء كعائلة إلا تلك التي يبثونها في عقولنا عبر الانترنيت ووسائل التواصل الأجتماعي وما أكثرها من أمثلة فعن الوسط الفني المقرف تسمع أخبارا عن أولئك المشهورين فيه يندى لها الجبين و الجيل أصبح في قمة الجهل في متابعة تلك الأخبار ....
المهم الإعلان الملفت للنظر انحشر بين ثنايا دماغي ... وبقيت متحفظا بعض الشيء أن كيف لتلك الشركات أن تربح بهذا التقسيط المريح وأن يعطيك شيء ثمين يحصل ثمنه بعد سنوات لا بد بالأمر ألعوبة أو أمر مخفيا ولكني بدأت فعلا في أأخذ خطوة نحوه لأننا كعائلة لابد لنا من سيارة في بلد الغربة وبعد عشرين عاما في بلد جوه صحراوي لا تجعلك حرارة شمسه أن تنتقل من بيتك لمحل البقالة القريب جدا منك,,, والمبلغ معقول لو وفرنا قليلا ,,, وشدينا الحزام أكثر في أقل من سنتين سنسد ديون سيارتنا وتصبح ملكا للعائلة فهي من الضرويات وليس من الكماليات وأخذت قراري أخيرا ,,, واتصلت بهم ... وذهبت إليهم لأرى نوعية تلك السيارات بعيني وأتأكد أن كل مايقال في هذا الإعلان صحيح ... وصلت إلى المكان المعرض فانشقت الأرض وقفز لي رجل المبيعات الذي من مظهره يبدو محنك في وظيفته ,,, وجرني من موديل لاخر ,,, ومع نهاية كل مرة يتحدث لي فيها عن مواصفات السيارة يقول لي هي جيدة أستاذ ... مثل عصا موسى السحرية ,,, تقلب لك حياتك ... فلندخل المكتب لكتابة العقد ,,, وبعد نصف ساعة أو أكثر اتجهت أنظاري لسيارة كنت أحلم بها منذ صغري رغم أن سنة صنعها قديمة قليلا إلا أنها اقتصادية جدا وقطعها متوفرة ورخيصة الثمن ... وأعجبني سعرها ومناسب لي دفعة تقسيطها ,,, ودخلنا المكتب ,,, فقال لي رجل المبيعات بالفعل يا أستاذ ((ولا أعلم من أين جعلني أستاذا ورغم دراستي المحاسبية إلا انني لا أرتقي لكي أكون في مرتبة الأستاذ ولكن في أيامنا الممثل والمغني الذي لا صوت ولا صورة ولا يحمل أي شهادة علمية يقولون له أستاذ .. فلا عتب على رجل المبيعات لو سماني أستاذا بعد أن ضاعت هيبة الأستاذ الذي اقترب من مرتبة الأنبياء والصالحين لو أتقن مهنته ))
وأعاد رجل المبيعات كلمته بالفعل ياأستاذ اخترت سيارة هي الأفضل في المعرض كله ستكون عصا موسى السحرية إن شاء الله وستقلب حياتك كلها ... أعطني أوراقك لنكتب العقد مباشرة وتستلمها ,,, هنا تفاجأت وقلت لله ولكن لا أحمل المال الأن من أجل الدفعة الأولى ,,, فقال لي لا مشكلة أستاذ الأهم هي كتابة العقد غدا تحضر المال وتستلم السيارة ,,, وفتح أمامي عقد مؤلف من ورقتين مكتوب برأسه .. الطرف الأول .. قرأت اسم البائع وعرفته نعم هو موسى ..موسى تاجر السيارات المعروف في بلدي هو نفسه ,,,,, هنا انقلبت الطاولة في رأسي وفهمت الألعوبة والمسلسل المكتوب بإتقان ,,, فانتفضت دون أن يشعر أحد بي واعتذرت من رجل المبيعات بحجة أن لدي موعد تأخرت عليه .... وانسحبت أطلق قدماي في الهواء
موسى وصل هنا ... ذاك المختلس لأموال شعبي وبلدي قبل عشرات السنوات والذي هرب بمال الفقراء والمساكين الذين وضعوا أموالهم معه ليشغولوها ثم أعلن أفلاسه وهرب لدولة أخرى ونجا بفعلته .,.. أتى هنا ليسرق مال الناس مرة أخرى بطريقة احترافية التقسيط ,,, سحب الأموال ,,, ومن ثم تسجيل عقد لتبيض أمواله في البنوك وسحب القروض ,,, ومن ثم يهرب وينسحب مثل الشعرة من العجين ,,,, ويتحول التقسيط للقروض على المتعاملين في البنوك بمبالغ كبيرة وفوائد كبيرة أو أنك تبيع السيارة للبنك وتخسر ما دفعته أو تسجن لعدم سداد أقساط قرض البنك ,,,
الحمد لله أنني نجوت من مأزق كبير ... وعصا موسى السحرية التي كانت ستغيير حياتي بالفعل للأسوأ وصدق رجل المبيعات في أن تلك العصا سحرية تغيير حياة المتعامل معهم ولكن للشقاء ,,, ولا مقارنة بين عصا سيدنا موسى و عصا موسى التاجر ,,,
فعصا سيدنا موسى كان يتاكأ عليها لتساعده على الخير ويهش بها على غنمه ليطعمهم من ورق الشجر رأفة بالحيوان .. وهي من ضربت الأرض لتلقف وتلتهم سحر الشر ويعم الخير وتعادي المتجبر المتكبر الطاغية فرعون,,,,
ولكن عصا موسى التاجر هي نفسها عصا فرعون ضربت رؤوس الناس وجعلتهم في فقر وسحبت أموالهم وسرقتهم ليعيش الطاغية ,,, عصا موسى التاجر فعلا سحرية لكنها للشر وله فيها مأرب أخرى ,.,......
مع أجمل تحيات
نيسان 27-8-2024