| في صباحٍ باكر من اليوم هاجمتني عاصفة عنيفة من السعادة على غير العادة, مع موجاتٍ من الطمأنينة التي هذّبت معنوياتي ودفعت بمخيلتي إلى تصوّر الأشياء الجميلة التي فقدت ذوقها منذ زمن, هيّأت نفسي للخروج والذهاب إلى الجامعة, بعدما بلّلت شعري ببعض الماء وهذّبت لحيتي, وقمت بارتداء ما توفّر عندي من ملابس تجعلني أبدو على أحسن حال, قصدت المقهى المجاور للبناية التي أقيم فيها, وأبدأ عند مخرجها كل يوم بشجاراتٍ مع مالكها على الإيجار, دخلت المقهى, طلبت كوباً من القهوة ارتشفته بهدوء الملائكة وثورة الغاضبين, مع ما يقارب علبة كاملةً من السجائر. ركبت الترام في المقاعد الخلفية, وشرعت في قراءة الإنجيل الخامس للنبي نيتشه, غارقاً في فلسفتهِ العميقة جدّاً, دون إدراكٍ بما يحيط من حولي, شارداً كلّ الشرود في صفحاتهِ التي أطِيل وقوفي عندها, حتى تبدّد تركيزي معها فجأةً على إثر صوتٍ رقيق تلاشت معه كلّ الأفكار على نحو سريع. رفعت عينيّ نحوها بعدما حدّدت مكانها بأذني ليصعقني جمالها الخارق, مندهشاً بعينيها الواسعتين وملامح وجهها الأوروبي, وشعرها الذهبي الطويل والناعم, لأتصورها كتحفة بشرية تعبر شوارع آثينا العريقة, تتقدّم نحوي ببطء, تجر قوافل من السعادة, تتمايلُ بجسدِها الرشيق, ومقاس خصرها يُشعل حروباً من الشوق في قلبي اليتيم, حتى تحسّستني بذارعها وهي تحاول الجلوس على المقعد بجانبي, عينيّ مصوّبة نحوها بإحكام كفوهاتِ مسدّس يستحيل إخطاء هدفه, فيما كانت تلقي عليّ سحر جمالها الخالد, كانت نظراتها نحوي تبدو غاضبة جدّاً, تعبّر عن خيانة حبيبها الذي كسر غرورها في الماضي القريب, أو مشاجرتها مع والدها على ملابسها القصيرة. أخرجت ورقة بيضاء بين صفحات الكتاب ورحت أكتب قصيدة أتغزل بقوامها وخصرها , أمجّد فيها جمالها ونرجسيّتها الواضحة, منشّداً معزوفة لشكلها الذي وكأنّما رُسِمَ بأدواتٍ رياضيةٍ غايةٍ في الدقة والإبداع, وما كان ذلك ليبدو لها الأمر غامضاً, لذكائِها الواضح كلّ الوضوح و لحرصها الشديد ودِقّة ملاحظاتها حتى لأتفهِ الأمور التي قد يمر عليها إنسان غبي مرور الكرام, دون أن ينتبه حتى لها.
بدأ غضبها يتبدّد شيئاً فشيئاً, ويختفي بين الحرف كما لو أنّه بالون بيدِ طفل صغير, حملته الرياح بعيداً وقذفت به عبر مسافاتٍ سحيقة, لتبدأ شفتيها بالتراخي بعدما كانتا منكمشتين, فأتخيّلها كلوحةٍ فنيّةٍ تحمل بصمات إبداعات كل فناني الكون, حتى انتهيت من الكتابة قبل بلوغنا للمحطة الأخيرة, أين قامت تسير أمامي كملكةٍ يحتشدُ من حولها الحراس وكهنة المعابد, تلقي عليّ تعاويذ أناقتها, لأشعر بصراع عظيم بين العقل والقلب. أعترف أنها كانت مما لا أملك من الأشياء في حياتي, وشعرت أن هذه المرأة الأسطورية بالضرورة أن تكون لي, لكنني حينما أفتح كتاب حياتي وأعيد شريط الذاكرة لا أجد سوى القبح العنوان الوحيد الذي يزيّن وجودي في هذا العالم القاسي |
0📊0👍0👏0👌 |