حديثنا اليوم عن طائفة من أحبابنا وأبنائنا وإخواننا وأخواتنا يتقطع القلب حسرةً وألماً على ما هم فيه من الحال،
ولكن قضاء الله وقدره بعباده جميلٌ ولو جهلنا حكمة ربنا فيه.
أيها الأحبة! حديثنا اليوم عن ذوي الاحتياجات الخاصة من أبنائنا وبناتنا، وإخواننا وأخواتنا،
أولئكم طائفة منسية من هذا المجتمع إلا من رحم الله، وما أقل من يذكرهم، أو يتابع شئونهم،
أو يرصد أحوالهم، أو يتفقد حاجياتهم ومشاكلهم، وليس بدعاً، أو جدارةً، أو ذكاءً مني أن أطرقه بينكم،
ولكن لما وجدته من إلحاح ومتابعة من طائفة من ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال رسائلهم
واتصالاتهم الشخصية إلى حد قال لي فيه أحدهم:
والله إن المشايخ لا يهتمون بنا، وإنهم هم أول الذين يحتقروننا، قلت:
يا سبحان الله! ما الذي بلغك إلى هذا الحد حتى قلت هذا الكلام، أو أصدرت هذه الأحكام؟!
فقال: لأننا منذ مدة طويلة نجتمع مع أمثالنا من ذوي الاحتياجات الخاصة ، ونكتب حاجياتنا،
ونرسلها إلى عدد من إخواننا، ولكن لا نجد من يلتفت لنا، أو يتفهم مشاكلنا، أو يتفقد حاجياتنا.
اعلموا -أيها الأحبة- أن الله جل وعلا جعل مناط التكليف العقل، فحيثما وجد العقل فالإنسان مكلفٌ بعقله،
وإذا غاب العقل سقط التكليف، يقول صلى الله عليه وسلم:
(رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يعقل، وعن الصغير حتى يكبر، أو يبلغ).
وكل هذا فيه دلالة جلية واضحة على أن مناط ومتعلق الأمر والنهي هو العقل،
فحيثما وجد العقل، فصحابه مكلف سواءً كان أعمى أي: لا يبصر بعينيه، أو كان مشلولاً، أو معوقاً،
لأن مركز الاستجابة والاستقبال وهو العقل لا يزال حياً يقظاً نابضاً بتلقي وتفهم الأمر،
فعند ذلك يكون صاحبه مكلفاً مهما كانت نوع إعاقته بالقدر الذي يستطيع العمل معه لقوله صلى الله عليه وسلم:
(إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)
ولقوله تعالى:
فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ
[التغابن:16].
أيها الأحبة في الله! إذا علمنا ذلك، علمنا أن كل ذو الاحتياجات الخاصة مطالب بالالتزام،
ومطالبٌ بالاستقامة، ومطالبٌ بالمحافظة على الصلوات مع الجماعة بحسب استطاعته وقدرته،
ومطالبٌ بالاستجابة لأمر الله في كل دقيق وجليل من أوامر الله جل وعلا ومناهيه،
لا كما يظنه بعض النفسانيين أو التربويين الذين هم أجهل الناس بحقيقة علمهم،
ولا أقول كل النفسانيين أو التربويين جهلاء، لكن أقول:
إن الجهل يخص طائفة منهم أولئك الذين يعالجون المعوقين بالطبول والعزف والموسيقى والطرب
وعرض أمور لا ترضي الله جل وعلا، ويقولون:
هذا نوعٌ من العلاج النفسي، وهذا نوعٌ من العلاج التدريجي لأولئك المعوقين، نقول:
ينبغي أن تعيدوا لأولئك الثقة بأنفسهم، أعيدوا لهم الجدارة والقدرة، وأشعروهم بأنهم قادرون
أن يفعلوا أشياء قد لا يفعلها كثيرٌ من الأصحاء السليمين، ألم يعلموا أن أحمد ياسين
من قادة الانتفاضة في فلسطين وهو رجل مصابٌ بالشلل الثلاثي، أو الرباعي،
ما عاقه شلله، وما ردته إعاقته من أن يكون عنصراً وقطباً محركاً محرضاً مجاهداً في فلسطين.
أولم يعلموا أن عمرو بن الجموح الأنصاري قبل أحمد ياسين وقبل غيره كان رجلاً أعرج،
وأراد الدخول في معركة مع النبي صلى الله عليه وسلم،
فقال له أبناؤه: إن الله أعذرك، فأنت من أهل الأعذار
وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ
[الفتح:17]
فغضب عليهم، وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:
يا رسول الله! أولادي هؤلاء يردونني عن الجنة، والله لأطأن بعرجتي هذه الجنة يا رسول الله!
فأذن له الرسول في الجهاد، فجاهد في سبيل الله، وصبر وثبت حتى قتل رضي الله عنه وأرضاه.
ألم يعلموا أن كثيراً من علماء المسلمين وقادة الجهاد والمجاهدين لا يزالون على نوع إعاقةٍ،
وما ردتهم إعاقتهم عن أن يمضوا في سبيل الله، وأن يقدموا لدين الله ما استطاعوا من جهودهم.
ينبغي أن ننظر إلى ذوي الاحتياجات الخاصة نظرة الثقة، ونظرة الجدارة، ونظرة المسئولية، ونظرة الكفاءة
بأنهم ليسوا من العاجزين، أو المخلفين،
وكثيرٌ منهم يسرف في عبارات الخضوع والرحمة والانكسار إلى حد يجعل صاحب الاعاقة يضيق من نفسه،
وفي تلك العبارات التي يظنون أنهم بها يترحمون، وما علموا أنهم بها يكسرون الجدارة والقوة والكفاءة،
نعم. نحن ننظر والله لهم بعين نسأل الله معها أن يعينهم، وأن يرفع إعاقتهم، وننظر لهم -أيضاً- بأنهم عليهم نصيبٌ من مسئوليات مجتمعهم،
ولا أقول إن كل ذوي الاحتياج من الذين وقعوا في هذه الحال،
بل منهم رجالٌ عرفناهم يعولون أسراً عديدة، ولهم أدوار بارزة بناءة في مجتمعاتهم.
للشيخ : ( سعد البريك )