الإذاعة المدرسية .. تعلم نشط بالخبرة المربية
فريد البيدق
من خلال المشروعات قصيرة الأجل والاكتشاف
(1)
بدأت الإذاعة المدرسية مع التعليم المدرسي النظامي أو بعده بقليل، لتشغل جُلَّ التابور الصباحي، وقد استقرَّت أعرافُها في مذيع وفقرات تكاد تكون أبوابُها ثابتة.
وقد صدَرت فيها كتبٌ تقدِّم محتوى علميًّا لمن يريد أداءها، لكنها لا تقدِّم إجراءات؛ فإنك عندما تطالعها لا تجد إلا محتوًى معرفيًّا، ولا تجد إجراءات؛ مما يجعلك تتيقَّن أن تجربة الكاتب ومعاناته غير موجودة، وإنك إن أجريتَ استطلاعًا بين المعلمين عن الإذاعة المدرسية، فستختلف النتائج، كيف؟
أ- ستجد من يراها شيئًا لا قيمة له، وهذا النوع لا يشارك تلاميذه الإعداد ولا الاهتمام.
ب- ستجد من يراها شيئًا ذا بال وأهمية وتميُّز، وهذا النوع يقود تلاميذه في الاهتمام والإعداد.
ج- وبينهما ستجد مواقف متعددة.
لكننا لن نقف إلا مع الفئة الثانية التي تراها شيئًا متميزًا ذا بال وفائدة لا تتحقق في غيرها، بل تراها الحصة الأولى في اليوم الدراسي، على الرغم من عدم إدراجها في الجدول المدرسي.
لماذا؟ لأنها تحتوي على مواقفَ تعليمية تعلُّمية تربط المعلم والتلاميذ أعضاءَ الإذاعة ربطًا ينقل ذات المعلم إلى تلميذه؛ فتنهض منهجًا موازيًا يضع فيه المعلم المتميز ما يريد به تقويمَ المنهج الموجود، وتجعل التلاميذ يمارسون مهارة التحدث ممارسة فعلية مُحكَّمة من جمهور معلمي المدرسة ومعلماتها، بل تلاميذها وتلميذاتها، إضافة إلى المعلومات التي تثري بها جمهور المستمعين والمستمعات، وكذلك الجوانب النفسية التي يكتسب فيها التلميذُ القدرة على مواجهة الجموع في ثبات وسكينة، مؤديًا أداءً تعبيريًّا ينقل ما يريد قوله، وتزداد الأهمية لو كان المسؤول عنها معلم اللغة العربية المحب.
لماذا؟ لأن الفصاحة وحب اللغة الأدب غرسٌ لمعلم اللغة العربية لو أراد وأجاد.
كيف؟ إن الفن هو الإحساس بالكلمة، وحُسن تذوُّقها، ومعرفة دواعي استعمالها، وأسباب إجادة هذا الاستعمال، ومعرفة أسباب الإعراض عن البديل التعبيري المتروك، فكيف يُكتسب ذلك؟ إنه يُكتسب ويصير مَلَكَةً بطول زمن الممارسة، وكثرة تذوُّق تجارب الأدباء في مختلف أساليبهم، في ظل إرشاد وتوجيه وإجابة على الأسئلة التي تَعن لهم.
كيف يتم ذلك؟ بتحليل ما يدرس في المدارس، سواء كانت نصوصًا، أو دروسَ قراءةٍ، أو قصةً مقررةً، أو آياتٍ قرآنيةً أو أحاديثَ؛ فمعلم اللغة العربية يدرِّس التربية الإسلامية مع تدريسه اللغة العربية.
وكيف يتم ذلك؟ بانتهاج المنهج الملائم.
ما هو؟ إن المنهج المتبع هو أن يقسم المعلم السبورة قسمين أو ثلاثة، ويكتُب الفِكَر وبعض الأسئلة، ويتناول الدرس من خلال قراءة غير مكتملة، والتنبيه على بعض معاني المفردات المشار إليها في الكتاب، وحل الأسئلة التي تكون تعليمية، وغير ذلك مما يدور في الفلك ذاته.
وهذا المنهج لا يُنتج ما نرمي إليه أبدًا، فيكون المطلوب هو منهج آخر تكون هذه مواده وبنوده:
1- منهج يجعل الطلبة يقرؤون الدرس أو النص أو الآية أو الحديث - قراءةً صحيحة بالمحافظة على مخارج الأصوات وصفاتها.
2- الوقوف عند معظم الكلمات إعرابًا، والحرص على وضع صيغة طولى تحليلية له.
3- التنبيه إلى أن معرفة هذا الإعراب يفيد في معرفة المعنى، وأن معرفة المعنى يفيد فيتذوَّقها، وتذوُّقها يُنتج حسن استعمالها في إنشائهم.
4- الوقوف عند معظم التعبيرات لتذوُّق جمالها، وأسرار جودتها التي تجعلها ملائمة للتعبير الفني.
5- عدم الاقتصار بمواطن الجمال على النصوص.
لماذا؟ لأن الأساليب لها جمال يلائمها.
كيف؟ الأسلوب العلمي له جمال يتمثل في خصائصه التي تكون وضوحًا وقوةً وتدليلًا ... إلخ، والأسلوب الأدبي له جمال يتمثل في خصائصه التي تكون مجازًا وخيالًا ... إلخ، والأسلوب الذي يجمع بينهما له جمالٌ يَمتزج فيه من خصائصهما معًا.
إن اتباع هذا المنهج وتأكيده، والاستمرار عليه - يَغرس في نفوس الطلبة من دون شعور أن الكلمة لا تأتي اعتباطًا، بل يلزمها فكرٌ، ولو كان من خبرة غير مباشرة، وأن كل كلمة يُمكن أن تُحلَّل، وأن لكل تعبير بدائلَ ...إلخ.
إذا استقرَّ ذلك في نفوس الطلاب، فالملكةُ الأدبية تكون بدأت في التكون!
(2)
وإن الإذاعة المدرسية مقرر ومحتوى إثرائي محبَّب لدى التلاميذ، يضاف إلى ما سبق، ويرفد المنهج السابق، ويؤكد نواتجه، ويُتيح للمعلم التكامل في الأداء بين النظامي وغير النظامي.
كيف؟
يطرح المعلم السؤال: ما الموضوع الذي تريدون إذاعتكم فيه؟
ويعقد جلسة عصف ذهني، ثم يجعل هذا السؤال مشروعًا ثقافيًّا قصير المدى ينشغل به من يهتم.
ثم يتحدد الموضوع بالاشتراك أو باقتراح المعلم إن لم يأت بحثهم بالنتيجة المرجوة التي ينبغي لهم أن يكتشفوها في بحثهم، ثم يعقد لهم مشروعًا ثانيًا، ما هو؟
إنه فِكَر الموضوع وبنوده، ويحدد لهم زمنًا ليس ممتدًّا، ثم تتحدد هذه الفِكَر بالاشتراك مع المعلم، وبما اكتشفوه من بحثهم، ثم يوزع كتابة النص، كيف؟
إن الإذاعة المدرسية يجب أن تكون بحثًا ونصًّا متصلًا، يختفي فيها الحد الفاصل بين مقدِّميها ومقدِّماتها بوجود مذيع منفرد يقدم الفقرات؛ فإن أُحْكِم هذا البحث خرجت الإذاعة متميزة، وإلا كانت تقليدية.
وإن الإذاعة النصية المتصلة تجعل التلميذ نشطًا ذهنيًّا ومعرفيًّا يتابع سابقه؛ لأنه سيُكمله، ويتابعه تاليه ليستأنف، عكس الفقرية المنفصلة غير النشطة؛ مما يجعلها تعلمًا نشطًا بالمشروعات قصيرة الأجل، وبالاكتشاف تحتفظ بأثر التعلم وتُطبقه، وتنقله استشهاداتٍ في الإنشاء الإبداعي والخطابة.
ثم يجمع النصوص ويَصوغ النص النهائي المتصل لها، ثم يوزِّع المهام، وتبدأ التدريبات التي تستهدف الإتقان الذي يجعل التلميذ يحفظ نصَّه ووقتَ إلقائه وطريقتَه، حتى إذا كان الموعد فوجئ الجميع بالأداء المتميز التلقائي.
(3)
وقد أُخرجت بحسب هذه الرؤية ثلاثُ إذاعات أُراها نموذجًا لمن يتَّفق معي في رؤيتي، أو لمن يحاول الخروج من التقليد والمألوف، وقد تميزت بمزايا هي:
أ- لقد اختفى منها الفصل الحاد بين الفقرات الإذاعية، بوجود المقدِّم الذي يقدِّم بين يدي كلِّ فقرة إذاعية؛ فجاءت نصًّا ملتحمةً أجزاؤه يعرف كلُّ عضو فيها وقته، فيمسك المِسماع (المايك)، ويؤدي مهمته التي أُنيطت به.
ب- وكذلك اختفى الاقتصار على آيات من سورة واحدة بدءًا وختامًا؛ فتُليت الآيات التي احتوت الحديث عن عربية القرآن في تتابعٍ يُلائم ترتيب السور.
ج- وكذلك اختفى اقتصار كل عضو على مهمة واحدة كما في الإذاعة التقليدية؛ إذ هناك مَنْ يُقدِّم، وهناك مَنْ يتلو القرآن، وهناك مَنْ يذكر فقرة (هل تعلم)، وهناك مَنْ يقدم الحكمة ... اختفى كل ذلك في هذه الإذاعة؛ فقد كان لكل عضو مهمتان أو أكثر يعرف محتواها وزمنها.
ج- وجود فقرة ترجمة لقرآن أو حديث.
د- كثرة التدريب إلى درجة الإجادة والإتقان.
هـ- التكريم كما حدث في إذاعة المعلم وإذاعة العلم.
و- الالتزام بأن يكون الوقت أقل من خمس عشرة دقيقة.
ز- إذاعة مرئياتها (فيديواتها) على مختلف التطبيقات الشبكية؛ ليمتد أثرها، ولنتلقى أكبر رد فعل يُوقفنا على حقيقة عملنا في أعيُن المتلقين.
ح- عدم السماح للفريق بالقراءة من ورقة.
ط- نشر الإذاعة بإجراءاتها.