قصتك قصة ألم وأمل، خوف وعزم، خسارة وفوز
قصتك أثرت في فكتبت بعض السطور البسيطة عنها (بتصرف، فلا يعلم التفاصيل الا من عاشها)
أتمنى أن تلقى استحسانك
__________________________________
قدر لطيف... بقلمي
ظلت الأم طوال اليوم واقفة قرب نافذة تطل على ابنها طريح سرير في غرفة الانعاش، تحيط جسده الهزيل أسلاك وآلات عديدة. بدأت تتأمله بعينيها الذابلتين العائمتين في بحر من الدموع المالحة، وشفاه متشققة تهمس للمولى أن يمن بمعجزة وينجي فلذة كبدها من موت يجزم به الأطباء.
وهي على حالها تلك تذكرته وهو طفل مشاغب ما ينفك في الخارج راكضا ولاعبا، ضحكاته الصاخبة لا تزال ترن في أذنيها. قاطع شرودها سؤال جارتها مريم:
- كيف حاله الآن؟
التفتت لسائلتها، سلمت عليها ووجهت بصرها نحو جسده كجواب لها، لم تجد مريم الكلمات المناسبة غير الدعاء بشفاء ابنها والدعاء لها بالعون والصبر، أمنت الأم الدعاء بعبرات حارة وتوسلات بقلب مرهف خاضع لأمر الله.
لم تترك خديجة النافذة إلا لفترات الصلاة، لكنها في كل سجدة في صلاتها تنظر لجسد ابنها فتسكب على سجادتها دموعا تصحب تضرعها للطيف الرحيم أن يلطف في ما جرت به المقادير ويرحم ابنها وقلبها فيعيد له الحياة وينصره على المرض.
كان شكيب كأي طفل مرح في صباه وحتى في مراهقته كان قوي البنية ورياضيا رفيعا، لا أحد توقع من أهله أن حاله ستؤول لما هو عليه الآن.
بدأ يشعر بالتعب قليلا منذ الخامسة عشر من عمره، لكن الأمر كان خفيفا لدرجة تجاهله، فاشتد الأمر في التاسعة عشر وبعدها أكثر فأكثر في العشرين من عمره، حيث تجاوز الأمر التعب لسعال شديد وضيق في التنفس ووهن شديد مما دفعه لمعاينة الطبيب، فكان الخبر الصادم، سرطان في الرئتين في مرحلة متأخرة!
لم يكن الخبر هينا عليه ولا على والديه، كيف سيتحمل المرض وتبعاته وهو في ريعان شبابه؟ بكت أمه وتمنت لو كانت مكانه، والأب تماسك حينها وبداخله يقول "ليتني مت قبل هذا" أما شكيب فلم يستوعب ما سمعه بل وأيقن أن هناك خلطا في نتائج الفحوصات. أكد الطبيب صحة الفحوصات وصحة التشخيص فلا بد من الرضى بقضاء الله والأمل في الشفاء وتجاوز المرض.
ابتدأت الرحلة، وقد كانت مرهقة بعلاجها وآلامها ونفقاتها، نهايتها كانت غرفة الانعاش جسدا منهكا ما عاد قادرا على التحمل..
كان شكيب طوال الأيام دعاء كل أهله وجيرانه وأصدقائه. وفي اليوم الخامس عشر استجيبت الدعوات واستفاق شكيب من غيبوبته، لم يكن الطاقم الطبي أقل فرحا من أهله، فرحوا بلطف الله ورحمته واستبشر الجميع بنجاح ما تبقى من الرحلة، وما بقي أعظم!
قضى شكيب ثلاث سنوات في المشفى في غرفة منعزلا مع علاج مكثف، ظل الزجاج يفصل بينه وبين أهله لكنه بات بفضل الله يتفاعل معهم يحييهم ويجيب إشاراتهم بإشارات أخرى تطمئنهم. حمد الوالدان الله على نعمته عليهم ومنه على ابنهم بالقوة لتحمل ما بقي من العلاج.
لم يصدق شكيب يوم أعلن الطبيب له أنه انتصر على المرض، وأن موعد خروجه بات قريبا، خر ساجدا لله حامدا قائلا:
- حمدًا لله الواحد الأحد أن شفاني الله من هذه الأزمة وأخرجني سالمًا من هذه المحنة.
ثم دعا بالشفاء لكل مريض قائلا:
-اللهم بعدد من سجد وشكر، أسألك أن تشفي كل مريض شفاء لا يغادر سقما، وتعوضهم خيرا عن كل لحظة وجع وألم، اللهم رد كل مريض إلى أهله سالما معافى من كل أذى أو ضر. اللهم يا سامع دعاء العبد إذا دعاك، يا شافي المريض بقدرتك، اللهم اشفهم شفاء لا يغادر سقما، اللهم ألبسهم لباس الصحة والعافية يارب العالمين.
وها هو اليوم الموعود أخيرا قد حان، شكر الوالدان صنيع الطاقم الطبي معهم وغادر شكيب إلى بيته بعد معركة خاضها مع مرض السرطان تكللت بالفوز بفضل الله، غادر وكله أمل ألا يعود لخوضها مجددا هو وكل أحبائه.
النهاية
"اللهم ألبسنا ثوب الصحة والعافية عاجلا غير آجل، واشفنا وعافنا واعف عنا، واشملنا بعطفك ومغفرتك، وتولنا برحمتك يا أرحم الراحمين."