أحد الوصايا الجالبة للسعادة والرضا هي قول أبي القاسم عليه الصلاة والسلام:
"انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله"
ولعمري أنها لحكمة من جوامع الكلم، فالله خلق الناس متفاوتين في القوت والمال والعلم والصحة والجمال…"نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات" لذا كان لكل أحدٍ -ولا بد- مَن هو فوقه في أحد هذه الأمور أو كلها، فحتى الغني بالمال سيجد مَن هو فوقه علمًا أو صحةً أو جمالا، وكثير من الناس أهلكه "مدّ عينيه" إلى حال من هم أفضل منه، فهذا منبعٌ صافٍ للحسد،
وقد ميّز أبو محمد بن حزم بين ما ينبغي لنا النظر فيه إلى الأدنى وما ننظر فيه إلى الأعلى، ملتقطا الوصية النبوية فقال:
"انظر في المال والحال والصحة إلى من دونك، وانظر في الدين والعلم والفضائل إلى من فوقك"
وأظن أن هذه الوصايا الشريفة من أكثر ما نحتاجه اليوم خاصةً وقد صارت برامج التواصل الاجتماعي تتأسس على (الاستعراض والنظر) أو قل (الفرجة) كما يقول علماء الاجتماع، هناك مَن يثبت ذاته بالاستعراض، وهناك مَن يبحث عن ذاته بالتفرّج والنظر، وفي القران العظيم:
"ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى"
النظر المفرط بلا حدود ولا آداب له عواقب وخيمة ليس أقلها الحسد وفقدان الرضا والقناعة الذي يفضي إلى الحزن والنكد ويبعث على السعي المحموم للحصول السريع على المال بغض النظر عن القيم والاخلاق والحلال والحرام.
في حين أن إشاعة نماذج العلم النافع والعمل الصالح والتخلّق بمكارم الأخلاق مثل البر والأمانة والنزاهة والمروءة والحياء والعطاء المحمود والتعاون ومساعدة المحتاجين هي التي تصنع النماذج والقدوات التي يَحسن الإتسّاء بها ومتابعتها في سلوكها.
هذه الوصية النبوية تبني إنسانا سويا في نفسيته، ومجتمعًا صحيّا في علاقاته وتعامله.