ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى ﴾آخر
الصفحة
محمد عبد الودود
  • المشاركات: 951
    نقاط التميز: 1348
عضو نشط
محمد عبد الودود
عضو نشط
المشاركات: 951
نقاط التميز: 1348
معدل المشاركات يوميا: 1.7
الأيام منذ الإنضمام: 545
  • 11:37 - 2024/07/14

ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى:

﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى ﴾ [العلق: 6]


يسَّر الله لي الاطلاع على عدد من كتب تفاسير القرآن الكريم؛ للتعرف على مدلولات تفسير الآية موضوع المقال، فشدَّني تفسير الشيخ ابن عثيمين رحمه الله؛ لِما عرضه من تفصيل شامل ودقيق للآية، جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.

وإليكم ما ذكره رحمه الله على النحو الآتي:

1. إن "الإنسان" ليس شخصًا معينًا، بل المراد الجنس، كل إنسان من بني آدم إذا رأى نفسه استغنى، فإنه يطغى.

2. معنى الطغيان: مجاوزة الحد، إذا رأى أنه استغنى عن رحمة الله، طغى ولم يبالِ، إذا رأى أنه استغنى عن الله عز وجل في كشف الكربات، وحصول المطلوبات، صار لا يلتفت إلى الله ولا يبالي، إذا رأى أنه استغنى بالصحة نسِيَ المرض، وإذا رأى أنه استغنى بالشبع نسِيَ الجوع، إذا رأى أنه استغنى بالكُسوة نسِيَ العُري... وهكذا.

3. الإنسان من طبيعته الطغيان والتمرد، متى رأى نفسه في غنًى، ولكن هذا يخرج منه المؤمن؛ لأن المؤمن لا يرى أنه استغنى عن الله طرفة عين، فهو دائمًا مفتقر إلى الله سبحانه وتعالى، يسأل ربه كل حاجة، ويلجأ إليه عند كل مكروه، ويرى أنه إن وكله الله إلى نفسه، وكله إلى ضعف وعجز وعورة، وأنه لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، هذا هو المؤمن، لكن الإنسان من حيث هو إنسان من طبيعته الطغيان؛ وهذا كقوله تعالى: ﴿ وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72].

والمتأمل لحياة الناس اليومية يرى بوضوح صورًا من طغيان الإنسان في مجالات شتى، وبجهد المقل سأعرض جملة من الملامح التربوية التي تضمنتها الآية موضوع المقال؛ لعلها تُسهِم في ضبط السلوك الإنساني من الطغيان، وبالله التوفيق، وعليه التُّكْلان:

أولًا: إن التسلح بالإيمان الصادق، والالتزام بشرع الله تعالى بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، هو السبيل الأمثل للبعد عن الطغيان، وتجاوز الحدود، ونشر الخير والمحبة، والفضيلة والسلام بين الناس على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم.

ثانيًا: تختلف درجة طغيان الإنسان بحسب ما لديه من إيمان وتقوى، فكلما قَوِيَ الإيمان كان بعيدًا عن إيذاء من حوله، بخاصة أخوه الإنسان بأية صورة من صور الإيذاء؛ امتثالًا لقول الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10].

وقول نبينا صلى الله عليه وسلم: ((المسلم من سَلِم المسلمون من لسانه ويده))؛ [صحيح البخاري: 10، صحيح مسلم: 40].

وقوله أيضًا عليه الصلاة والسلام: ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقِره ولا يخذُله))؛ [صحيح البخاري: 6064، صحيح مسلم: 2564].

ثالثًا: المؤمن المتقي في الغالب إن حصل منه طغيان وتعدٍّ على الآخرين، فسرعان ما يبادر بالاعتذار، وطلب الصفح؛ لأنه يخشى من جزاء الله تعالى وعقابه في الدنيا قبل الآخرة.

وصدق الله العظيم: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 201]؛ قال السدي رحمه الله: "إن المتقي إذا أصابه نزغ من الشيطان تذكَّر وعَرَف أنه معصية، فأبصر فنزع عن مخالفة الله"؛ [البغوي، التفسير، الأعراف: 201].

رابعًا: من أهم بواعث الطغيان لدى الإنسان الغضبُ، وما يحصل معه من ظلم لأخيه الإنسان، وقد حذر نبينا صلى الله عليه وسلم منه أشد التحذير؛ كما ورد في الحديث الشريف: ((أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصِني، قال: لا تغضب، فردَّد مرارًا، قال: لا تغضب))؛ [صحيح البخاري: 6116].

قال ابن حجر رحمه الله: "الغضب يجمع الشر كله"؛ [فتح الباري، 17/297].

خامسًا: إن الاستزادة من العلم الشرعي والعناية به، والمحافظة على أداء الفرائض المكتوبة، والإكثار من النوافل، ومداومة ذكر الله تعالى - حصنٌ حصين من تسلُّط النفس الأمَّارة بالسوء والشيطان على الإنسان، فيكون دائمًا على بصيرة من إيذاء نفسه أو الآخرين، وهو في حفظ الله تعالى، فالله يحفظ من يحفظه، ويتولى من اعتنى بعبادته وأخلص فيها؛ قال تعالى: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [يونس: 62].

وصدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ((احفظ الله يحفظك))؛ [الألباني، صحيح الترمذي، 2516].

قال ابن عثيمين رحمه الله: "جملة تدل على أن الإنسان كلما حفِظ دين الله حفِظه الله، ولكن حفِظه في ماذا؟ حفظه في بدنه، حفظه في ماله، في أهله، في دينه، وهذا أهم الأشياء أن الله يحفظك في دينك، يسلمك من الزيغ والضلال؛ لأن الإنسان كلما اهتدى زاده الله هدًى".

سادسًا: أورد القرآن الكريم ثلاث حالات تَعرِض للنفس الإنسانية: النفس الأمارة بالسوء؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ﴾ [يوسف: 53]، والنفس اللوامة؛ قال تعالى: ﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴾ [القيامة: 1، 2]، والنفس المطمئنة؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾ [الفجر: 27 - 30].

ولا شكَّ أن النفس المطمئنة هي نفس المؤمن التقيِّ النقيِّ الْمُمْتَثِل لشرع الله أمرًا ونهيًا، وهناك ارتباط وثيق بين كل نوع من هذه الأنفس ودرجة الطغيان، فعندما يكون الإنسان متلبِّسًا بالنفس الأمارة بالسوء، يعُمُّ أذاه ويقل خيره، أما النفس اللوامة، فهي على خير لِما يحصل من لوم صاحبها على الطغيان إن حصل، فيؤوب إلى رشده نادمًا على ما بدر منه، أما النفس المطمئنة، فهي في سلام دائم، فإذا لم يحصل منها خير للآخرين، لم يلحقهم منه ضرر ألبتة، ولعل هذه المراحل للنفس الإنسانية تتشابه إلى حد كبير مع قول الله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾ [فاطر: 32].

والإنسان العاقل الموفَّق أعرف بنفسه من غيره، فالواجب أن يرتقيَ بنفسه ويُربِّيها شيئًا فشيئًا على القيم والمبادئ، والأخلاق الإسلامية الفاضلة؛ حتى يلحَقَ بركب النفس المطمئنة؛ حيث يأمن الناس من طغيانه، ويعم خيره، ويقل ضرره.

سابعًا: من أقوى مسببات طغيان الإنسان على أخيه الإنسان التعصبُ الديني، أو المذهبي، أو القَبَلي، أو العرقي، وما شابه ذلك؛ ولذلك فالمهذب الأول والضابط لسلوك الناس في كل زمان ومكان هو الالتزام بشرع الله تعالى، ويعضُّد ذلك ويقويه ما تَضَعُه الدول والحكومات من أنظمة وقوانين لتنظيم الحياة الاجتماعية لسلامة أفراد المجتمع الواحد مما قد يحصل من إيذاء بعضهم بعضًا، ولضمان استتباب الأمن بين أفراد المجتمع للعيش بأمن وسلام وحياة كريمة، ولكن في كلا الحالين لضمان الالتزام بشرع الله، وتنفيذ أنظمة الجهات الرسمية يحتاج الأمر إلى جهات رسمية مخوَّلة بالمتابعة وتطبيق العقوبات المناسبة عند حدوث أية مخالفات، سواء كانت شرعية أو نظامية.

ولله ولي التوفيق، والحمد لله رب العالمين

https://www.alukah.net/sharia/0/165908/%d9%85%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%ad-%d8%aa%d8%b1%d8%a8%d9%88%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d8%b3%d8%aa%d9%86%d8%a8%d8%b7%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d9%82%d9%88%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%aa%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%89-%d9%83%d9%84%d8%a7-%d8%a5%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%86%d8%b3%d8%a7%d9%86-%d9%84%d9%8a%d8%b7%d8%ba%d9%89/

0📊0👍0👏0👌
elhoSSain 1982

  • المشاركات: 12687
    نقاط التميز: 7385
عضو أساسي
elhoSSain 1982

عضو أساسي
المشاركات: 12687
نقاط التميز: 7385
معدل المشاركات يوميا: 3.2
الأيام منذ الإنضمام: 3978
  • 13:16 - 2024/07/14
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
بارك الله فيك على الموضوع
اللهم انصر اخواننا في فلسطين
0📊0👍0👏0👌
خالد K h a l i d

  • المشاركات: 405355
    نقاط التميز: 51754
مشرف سابق
خالد K h a l i d

مشرف سابق
المشاركات: 405355
نقاط التميز: 51754
معدل المشاركات يوميا: 64.1
الأيام منذ الإنضمام: 6326
  • 17:52 - 2024/07/14
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيرا ، طرح قيم
ومعلومات مفيدة
جعلها الله في موازين حسناتكم يوم تلقونه
0📊0👍0👏0👌
المسافر إلى الله

  • المشاركات:
    191931
مشرف المنتدى الإسلامي العام
مشرف الحديث والسيرة النبوية
أفضل عضو بمنتدى سير الأنبياء وأعلام الامة
المسافر إلى الله

مشرف المنتدى الإسلامي العام
مشرف الحديث والسيرة النبوية
أفضل عضو بمنتدى سير الأنبياء وأعلام الامة
المشاركات: 191931
معدل المشاركات يوميا: 30.9
الأيام منذ الإنضمام: 6204
  • 20:10 - 2024/07/14
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
بارك الله فيك أخي و سدد خطاك لما فيه خير الاسلام و المسلمين
جزاك الله خيرا على الموضوع القيم
0📊0👍0👏0👌
نداء التوحيد

  • المشاركات:
    51519
مشرف الحديث والسيرة النبوية
مشرف المنتدى الإسلامي العام
مشرف القرآن الكريم
محرر بمجلة الأسرة
مشرف مميز بمنتدى السيرة النبوية والحديث الشريف
نداء التوحيد

مشرف الحديث والسيرة النبوية
مشرف المنتدى الإسلامي العام
مشرف القرآن الكريم
محرر بمجلة الأسرة
مشرف مميز بمنتدى السيرة النبوية والحديث الشريف
المشاركات: 51519
معدل المشاركات يوميا: 12.1
الأيام منذ الإنضمام: 4248
  • 01:15 - 2024/07/15
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

احسن الله إليك وبارك فيك عزيزي..

وثبت خطاك ورزقك من حيث لا تحتسب..

0📊0👍0👏0👌
احمد ابراهيم الراشد

  • المشاركات:
    124529
مشرف القرآن الكريم
مشرف سير الأنبياء وأعلام الأمة
مشرف التعارف الرياضي
مشرف مميز بمنتدى القرآن الكريم
أفضل عضو هذا الشهر بمنتدى الفورملا 1
احمد ابراهيم الراشد

مشرف القرآن الكريم
مشرف سير الأنبياء وأعلام الأمة
مشرف التعارف الرياضي
مشرف مميز بمنتدى القرآن الكريم
أفضل عضو هذا الشهر بمنتدى الفورملا 1
المشاركات: 124529
معدل المشاركات يوميا: 23.5
الأيام منذ الإنضمام: 5297
  • 18:03 - 2024/07/15
سلمت يداك وبارك الله فيك وجزاك الله خير الجزاء
0📊0👍0👏0👌
اخدم شغلك صديقي

  • المشاركات: 429109
    نقاط التميز: 683867
مشرف سابق
اخدم شغلك صديقي

مشرف سابق
المشاركات: 429109
نقاط التميز: 683867
معدل المشاركات يوميا: 120.1
الأيام منذ الإنضمام: 3573
  • 19:32 - 2024/07/16
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
بَارَك الْلَّه فِيْك عَلى مَوْضُوْع الْرَّائِع
والْمَعْلُوْمَات الْقَيِّمَةالَّتِي زَادَتْنَاعِلْمَاوافَادَة
ننتظـر منك الكثيـر ان شـاء الله ونرى
ابداعك وتميزك في الـمـنـتـدى
لك منــ أجمل تحية ــي
الخالصــة
0📊0👍0👏0👌
ES SENIA SAT

  • المشاركات: 28038
    نقاط التميز: 26821
عضو أساسي
ES SENIA SAT

عضو أساسي
المشاركات: 28038
نقاط التميز: 26821
معدل المشاركات يوميا: 4.3
الأيام منذ الإنضمام: 6587
  • 22:57 - 2024/07/16
الـسـلآم عـلـيـكـم ورحـمـة الله وبـركـاتـه
تسلم يدكم بارك الله فيكم معلومات رائع وقيمة ومفيدة
ومواضيع مميز تقدمونها لنا
تقبلو مروري
اتمنى لكم مزيدا من التميز و التوفيق ان شاء الله
في إنتظار جديد شكرا لكم
تحياتي و احترامي وتقديري لكم
0📊0👍0👏0👌

الرد على المواضيع متوفر للأعضاء فقط.

الرجاء الدخول بعضويتك أو التسجيل بعضوية جديدة.

  • إسم العضوية: 
  • الكلمة السرية: 

 ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى ﴾بداية
الصفحة