يثار في الآونة الأخيرة عبر وسائل الإعلام المختلفة: بعض القضايا
والموضوعات التي يتم تناولها والتركيز عليها بشكل متكرر.
التناول الإعلامي لها، وتطويع المفردات الصحفية لإبرازها: كلاهما يثير تساؤلات
عدة حول مصادر ومنابع هذه الوسائل وماهية القوى التي تحركها.
إن الإعلام الحقيقي يتبع في توجهاته السياق المجتمعي المحيط به، والاحتياجات
المختلفة لهذا السياق، فهل ما يُقدم الآن يعكس احتياجات المجتمع العربي المسلم؟!
وإذا سلّمنا أن الإعلام من المؤسسات التربوية التوجيهية التي لها دور كبير في بناء
المجتمع، وأن ما يقدمه يعد أحد الأسلحة ذات الأهمية الإستراتيجية
على الجبهة الأيديولوجية؛ فإن إخضاعه لحركات التغريب
يعتبر من الخطورة بمكان، خاصة مع استحواذ هذه الوسائل على وعي الرأي العام
العربي الذي يعتمد على جبهة واحدة في تلقي المعلومة دون التحقق من مصداقية
المصدر والمقصد من وراء ما يثار. مما يتطلب توضيحاً لآليات هذا التغريب، وتمكنه
من الوصول إلى مراكز القرار في وسائل الإعلام العربي، كما يستدعي تحليلاً دقيقاً
لطبيعة القضايا الجديدة التي يتم الإصرار على إبرازها، وجعلها من الأولويات
في الطرح والاستمرار في التركيز عليها.
إعلامنا اليوم مخترق
ومسيطر عليه من قبل الإعلام العالمي وما يثار فيه من موضوعات، لا تخدم قضايا
الأمة، بل على النقيض تماماً. إن ما يقدم يهدم القيم والثوابت، ويستغل القارئ
لايصال وترسيخ قناعات معينة لديه، فيبقى القارئ أسيراً لموضوعاته المحلية المصاغة
بتوجه غربي، فيغدو إعلاماً فارغاً لا يخدم الواقع ولا الحدث ولا الحقيقة ولا
الموضوعية؛ وبالتالي لا يخدم القارئ الذي من المفترض أن الإعلام يسعى
إلى رفع مستواه ومعالجة قضاياه معالجة بنّاءة.
وإذا كانت وسائل الإعلام الغربية قد كونت فجوة بين الفكر العالمي والفكر الإسلامي
، ورسمت صورة المسلم في ذهن الغربي على أنه إرهابي ومتخلف؛ فإن وسائل الإعلام
العربية الآن، تسهم في إيجاد الفجوة ذاتها بين الفكر العربي والإسلامي.
إن دور الإعلام هو نشر الحقيقة، وليس من حق القائمين على هذه
الوسائل تضليل الرأي العام لصالح جهات بعينها لذلك نحن بحاجة إلى
الحد من الفوضى الإعلامية والتجاوزات الحاصلة؛ من خلال تفعيل الدور الإعلامي المسؤول، وإيجاد
إعلام تنموي يساهم في عملية التوجيه والمشاركة، وترسيخ مفهوم الحرية الإعلامية المسؤولة
القائمة على المصداقية، وتوخي الحقيقة وحرية التعبير والنقد البناء دون التعدي على القيم والمبادئ والأصول.
ونحن بحاجة أيضاً إلى العمل على التحصين الثقافي الذاتي، وتحرير الإعلام
من أثقال التبعية، من خلال تزويد رواد مواجهة الغزو الثقافي بالمعرفة وإيجاد منابر إعلامية لهم.
بالإضافة إلى إيجاد علاقة تعاونية تكاملية بين المؤسسات الإعلامية المختلفة؛ لتكون قادرة
على مواجهة الغزو الفكري الذي يستهدف قيمنا وهويتنا العربية والإسلامية، والسعي لإبراز
قضايانا الحقيقية المهمة والمصيرية، والتي تُبث فيها الهوية الإسلامية
للأمة، ومناقشتها وإيجاد الحلول التي تساهم في بناء مجتمع مسلم.
لنكون من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فحملوا لواء المنافحة عن هوية الأمة
وحضارتها، والتأكيد على مضمونها الإنساني والشمولي