
عقيدة الجبرية والقدرية
وهناك من نفى القدر في أعمال العباد كالقدرية وجعل العباد خالقين لأفعالهم، وهؤلاء أيضا تاهوا مثل الجبرية ولكن في الاتجاه المعاكس. فالله تعالى قدَّر أعمال العباد وخلقها أيضا، قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات: 96]. ولو كان العباد خالقين لأفعالهم كما يقولون لتنافى ذلك مع أن يكون الله هو خالق كل شيء، وهذا كفر لأنه يكذب القرآن الذي بين أن الله خالق كل شيء. ويتنافى كذلك مع حديث القلم واللوح المحفوظ السابق ذكره. قال تعالى: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ [الأنعام: 102].
وقد كتب الله تعالى من سيكون أصحاب الجنة ومن أصحاب النار؛ وذلك لعلمه وإحاطته بأعمالهم وقلوبهم وما سيقع منهم.
روى عن عبد الله بن عمرو أنه قال: (خرج علينا رسول الله ﷺ وبيده كتابان، فقال: أتدرون ما هذان الكتابان؟ فقلنا: لا يا رسول الله إلا أن تخبرنا، فقال للذي في يده اليمنى: هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم، ولا ينقص منهم أبدا. ثم قال للذي في شماله: هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أجمل على آخرهم فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا.
فقال أصحابه: ففيم العمل يا رسول الله إن كان أمر قد فرغ منه؟
فقال: سددوا وقاربوا، فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة، وإن عمل أي عمل، وإن صاحب النار يختم له بعمل أهل النار، وإن عمل أي عمل ثم قال رسول الله ﷺ بيديه فنبذهما ثم قال: فرغ ربكم من العباد: فريق في الجنة: وفريق في السعير)[2].
وهذا يبين أن الإنسان عبد لله، ويستطيع أن يختار الكفر او الإيمان ولكنه لا يستطيع أن يخلقهما. وأرادته تابعة لإرادة الله وتحت مشيئته، وهذا يثبته الواقع الذي نمر به، فكم من ساعة نقرر فعل شيء ولكن الله يقدر ألا نفعله.
فمثلا ربما قررت أن تذهب للحج هذا العام؛ ولكنك لم تستطع، ربما نقص مالك عن التكلفة أو مرضت أو لم يتم اختيارك من قبل لجنة اختيار الحجاج أو مت قبل ذلك وما إلا ذلك. فهذه الموانع كلها من قضاء الله وقدره. وربما أراد الله تعالى بها أن يكتب لك الأجر دون أن تتكبد المشقة. قال ﷺ: (من هم بحسنة فلم يعملها؛ كتبت له حسنة؛ فإن عملها؛ كتبت له عشر أمثالها إلى سبع مئة وسبع أمثالها، فإن لم يعملها؛ كتبت له حسنة)[3] وغير هذه العراقيل التي قد تواجه الإنسان فيما ينوي فعله.
وهناك أيضا تقليب القلوب بيد الله، وجاء في الحديث: (إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد، يصرفه حيث يشاء) [4]، ودعائه ﷺ بقوله: (اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك)
إسلام أون لاين:https://islamonline.net/