ايام الدراسة كانت تكفي همسة او ايماءة من صديق تطمئنك وتنبيك انك على الطريق الصحيح في حلك مسألة الامتحان
فكما تعلمون في المواد العلمية هناك بعض المسائل يكون الحل فيها هرميا ان جاز الوصف اي انها مترابطة
وينتقل فيها الطالب من مرحلة جزئية الى اخرى معتمدا على نتيجة المرحلة السابقة ودائما ما تكون هناك مرحلة أولية مفصلية
تستوجب التحقق من نتيجتها كي تمضي قدما او تعيد مراجعة الحل في حالة كانت النتائج مختلفة مع زميلك
فالهمسة اذا هي نوع من الغش الحلال(ربما) ..مكره اخاك لا بطل
على كل ليس هذا موضوع حديثنا بل اريد ان احدثكم على ان هذا السيناريو ممكن ان يحصل حتى مع اكبر العقول كانشتاين فلا تستغربوا
ولا تستغربوا اخرى حين اخبركم ان ردة الفعل الطبيعية هي بأن تعاود النظر الى ورقة امتحانك وتراجعها بتأني
فهذا هو رد الفعل الطبيعي، فما هو رد الفعل الغير الطبيعي يا ترى ؟
الغير طبيعي هو تراجع ورقة امتحانك ايضا! لكن امامك ثلاثة خيارات ..(لك ان تبحث عن الخيار الخطأ فيما سأعرضه عليك)
الخيار الأول وهو ان تهتدي الى مكمن الخطأ –بتوفيق من الله- فتتداركه
الخيار الثاني ان يستعصي عليك الامر بعد مراجعة اولى وثانية وثالثة وو.. ..
بعد الواو الرابعة او السابعة حتى، انت مخير بين امرين، يا إما ان تتجاوز المسألة برمتها الى مسألة أخرى ان وجدت
لعل وعسى تخفف بها الأضرار وتجني منها شيئا من الثمار/ النقاط تحفظ بها ماء الوجه
يا إما ان تستغرق في البحث بعناد عن الخطأ او المشكلة او المعضلة او الاحجية التي ستبني بها هرم الحل الى ان ينفذ وقتك وتسحب منك ورقة الامتحان
وهو بالمناسبة ما وقع لانشتاين، لأن ميكانيكا الكم اعطته نتائج مخالفة لتوقعاته وقوانينه ونظرياته ..ومعتقداته ، حتى قال " الاله لا يلعب النرد"
ويا للأسف استهلك انشتاين ما تبقى من ايامه في عناد تام – كأي طالب عادي- وهو ينظر الى ورقة الامتحان باحثا عن مكمن الخطأ
ولما قوانينه ونسبيته لا تعطي نفس النتائج التي تعطيها زميلتها ميكانيكا الكم
.
وبالعودة الى الموضوع يجدر بنا الذكر ان ما حصل لانشتيان هو ما قد يحصل لاي عالم آخر متخصصا كان او موسوعي
لان هذا هو رد الفعل المحتمل (حسب راي) امام اي معضلة قد تصادف العالم او الباحث او الطالب او حتى العامي
ولك مثال على ذلك: اهل الحديث وأهل الرأي كانو في صدام وخلاف موغل سببه تمسك كل طرف بأسلوبه في الحل
فأهل الحديث ينكرون على اهل الرأي ويتهمونهم برد حديث رسول الله (عليه الصلاة و السلام) وانهم يقدمون قولهم على قوله
اما الفريق الثاني فيرد عليهم بانهم لا يفقهون الحديث ولا مدلولاته ولا معانيه واقيسته فيتهمونهم في عقولهم و مداركها
وهكذا دواليك استمر الصراع بينهم لعقود
ثم الا ترى معي بعد ان نعزل كل فريق على حدى، الا يظهر لك جليا على انه اشبه بالطالب الذي صدم من همسة زميله
التي تخبره على استحياء ان النتيجة مخالفة للتى توصل اليها فهو في سباق مع الزمن للبحث عن مكمن الخلل وتداركه،
اوليس هو كأنشتاين حين صدم بميكانيكا الكم، او هو كصدمة المجتمع اليوناني من اطروحات السفسطائيين
قل لي، أليس الأمر اشبه بما وصفته انت في موضوعك على انه ازمة وقلت "
حيث يمر السوق ومعه الاكاديميا بنوع من الأزمة و حالة الشك و الارتياب"
فهذه هي عينها الازمة وحالة الشك والارتياب التي صاحبت الطالب في امتحانه وصاحبت انشتاين في ايامه الاخيرة
و صاحبت اهل الحديث واهل الرأي في خلافهم وصاحبت المجتمع اليوناني امام السفسطائيين
وستصاحب اي شخص اخر امام اي معضلة اخرى مستقبلية
فهذه اللحظة من الذهول " الشك و الارتياب" لحظة يتوقف فيها الزمن او يكاد كما قلت ايضا في موضوعك
" حيث الوثيرة التي تتقدم بها بعض التطبيقات العلمية تبدو بطيئة للغاية" نعم يتوقف الزمن او يكاد
مع ما يصحب ذلك من ريبة وشك و ضيق نفس وما شئت بعدها من اوصاف اخرى كبكاء ونواح وعويل وحجرجة تكاد تفتك بصدور اصحابها وترديهم ..
نعم هي عينها اللحظة التي تمهد لتجلي العلم والعالم
فحين قرأ ابوا بكر الصديق رضي الله عنه الآية الكريمة
﴿ وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ﴾
دهش الجميع حتى عمر رضي الله عنه الذي كان قبلها حاله كحال الطالب امام ورقة الامتحان يبحث عن فهم لما يجري
اعيد هذه اللحظة هي نفسها لحظة ظهور سقراط برده على السفسطائيين
وهي نفسها لحظة ظهور شمس الشافعي رحمة الله عليه حين فصل الخطاب بين اهل الحديث و اهل الرئي
وهي نفسها تجدها دوما ظاهرة كعلامة فارقة لتبرز قيمة الحقيقة و قيمة الناطق بها ودرجة علمه وفقهه وفهمه
خلاصة قولي وردي:
ساتركها مفتوحة لعل احدهم يقتنص تلك اللحظة التي استعصت علي ويجليها لنا
دمتم.