اليَومَ أَصعَدُ دونَ قَبرِكَ مِنبَرا | | |
| وَأُقَلِّدُ الدُنيا رِثاءَكَ جَوهَرا | |
وَأَقُصُّ مِن شِعري كِتابَ مَحاسِنٍ | | |
| تَتَقَدَّمُ العُلَماءَ فيهِ مُسَطَّرا | |
ذِكراً لِفَضلِكَ عِندَ مِصرَ وَأَهلِها | | |
| وَالفَضلُ مِن حُرُماتِهِ أَن يُذكَرا | |
العِلمُ لا يُعلي المَراتِبَ وَحدَهُ | | |
| كَم قَدَّمَ العَمَلُ الرِجالَ وَأَخَّرا | |
وَالعِلمُ أَشبَهُ بِالسَماءِ رِجالُهُ | | |
| خُلِطَت جَهاماً في السَحابِ وَمُمطِرا | |
طُفنا بِقَبرِكَ وَاِستَلَمنا جَندَلاً | | |
| كَالرُكنِ أَزكى وَالحَطيمِ مُطَهَّرا | |
بَينَ التَشَرُّفِ وَالخُشوعِ كَأَنَّما | | |
| نَستَقبِلُ الحَرَمَ الشَريفَ مُنَوَّرا | |
لَو أَنصَفوكَ جَنادِلاً وَصَفائِحاً | | |
| جَعَلوكَ بِالذِكرِ الحَكيمِ مُسَوَّرا | |
يا مَن أَراني الدَهرُ صِحَّةَ وُدِّهِ | | |
| وَالوُدُّ في الدُنيا حَديثٌ مُفتَرى | |
وَسَمِعتُ بِالخُلُقِ العَظيمِ رِوايَةً | | |
| فَأَرانِيَ الخُلُقَ العَظيمَ مُصَوَّرا | |
ماذا لَقيتَ مِنَ الرُقادِ وَطولِهِ | | |
| أَنا فيكَ أَلقى لَوعَةً وَتَحَسُّرا | |
نَم ما بَدا لَكَ آمِناً في مَنزِلٍ | | |
| الدَهرُ أَقصَرُ فيهِ مِن سِنَةِ الكَرى | |
ما زِلتَ في حَمدِ الفِراشِ وَذَمِّهِ | | |
| حَتّى لَقيتَ بِهِ الفِراشَ الأَوثَرا | |
لا تَشكُوَنَّ الضُرَّ مِن حَشَراتِهِ | | |
| حَشَراتُ هَذا الناسِ أَقبَحُ مَنظَرا | |
يا سَيِّدَ النادي وَحامِلَ هَمِّهِ | | |
| خَلَّفتَهُ تَحتَ الرَزِيَّةِ موقَرا | |
شَهِدَ الأَعادي كَم سَهِرتَ لِمَجدِهِ | | |
| وَغَدَوتَ في طَلَبِ المَزيدِ مُشَمِّرا | |
وَكَمِ اِتَّقَيتَ الكَيدَ وَاِستَدفَعتَهُ | | |
| وَرَمَيتَ عُدوانَ الظُنونِ فَأَقصَرا | |
وَلَبِثتَ عَن حَوضِ الشَبيبَةِ ذائِداً | | |
| حَتّى جَزاكَ اللَهُ عَنهُ الكَوثَرا | |
شُبّانُ مِصرَ حِيالَ قَبرِكَ خُشَّعٌ | | |
| لا يَملِكونَ سِوى مَدامِعِهِم قِرى | |
جَمَعَ الأَسى لَكَ جَمعَهُم في واحِدٍ | | |
| كانَ الشَبابَ الواجِدَ المُستَعبِرا | |
لَولاكَ ما عَرَفوا التَعاوُنَ بَينَهُم | | |
| فيما يَسُرُّ وَلا عَلى ما كَدَّرا | |
حَيثُ اِلتَفَتَّ رَأَيتَ حَولَكَ مِنهُمُ | | |
| آثارَ إِحسانٍ وَغَرساً مُثمِرا | |
كَم مَنطِقٍ لَكَ في البِلادِ وَحِكمَةٍ | | |
| وَالعَقلُ بَينَهُما يُباعُ وَيُشتَرى | |
تَمشي إِلى الأَكواخِ تُرشِدُ أَهلَها | | |
| مَشيَ الحَوارِيّينَ يَهدونَ القُرى | |
مُتَواضِعاً لِلَّهِ بَينَ عِبادِهِ | | |
| وَاللَهُ يُبغِضُ عَبدَهُ المُتَكَبِّرا | |
لَم تَدرِ نَفسُكَ ما الغُرورُ وَطالَما | | |
| دَخَلَ الغُرورُ عَلى الكِبارِ فَصَغَّرا | |
في كُلِّ ناحِيَةٍ تَخُطُّ نِقابَةً | | |
| فيها حَياةُ أَخي الزِراعَةِ لَو دَرى | |
هِيَ كيمِياؤُكَ لا خُرافَةُ جابِرٍ | | |
| تَذَرُ المُقِلَّ مِنَ الجَماعَةِ مُكثِرا | |
وَالمالُ لا تَجني ثِمارَ رُؤوسِهِ | | |
| حَتّى يُصيبَ مِنَ الرُؤوسِ مُدَبِّرا | |
وَالمُلكُ بِالأَموالِ أَمنَعُ جانِباً | | |
| وَأَعَزُّ سُلطاناً وَأَصدَقُ مَظهَرا | |
إِنّا لَفي زَمَنٍ سِفاهُ شُعوبِهِ | | |
| في مُلكِهِم كَالمَرءِ في بَيتِ الكِرا | |
أَسِواكَ مِن أَهلِ المَبادِىءِ مَن دَعا | | |
| لِلجِدِّ أَو جَمَعَ القُلوبَ النُفَّرا | |
المَوتُ قَبلَكَ في البَرِيَّةِ لَم يَهَب | | |
| طَهَ الأَمينُ وَلا يَسوعُ الخَيِّرا | |
لَمّا دُعيتُ أَتَيتُ أَنثُرُ مَدمَعي | | |
| وَلَوِ اِستَطَعتَ نَثَرتُ جَفني في الثَرى | |
أَبكي يَمينَكَ في التُرابِ غَمامَةً | | |
| وَالصَدرَ بَحراً وَالفُؤادَ غَضَنفَرا | |
لَم أُعطَ عَنكَ تَصَبُّراً وَأَنا الَّذي | | |
| عَزَّيتُ فيكَ عَنِ الأَميرِ المَعشَرا | |
أَزِنُ الرِجالَ وَلي يَراعٌ طالَما | | |
| خَلَعَ الثَناءَ عَلى الكِرامِ مُحَبَّرا | |
بِالأَمسِ أَرسَلتُ الرِثاءَ مُمَسَّكاً | | |
| وَاليَومَ أَهتِفُ بِالثَناءِ مُعَنبَرا | |
غَيَّرتَني حُزناً وَغَيَّرَكَ البِلى | | |
| وَهَواكَ يَأبى في الفُؤادِ تَغَيُّرا | |
فَعَلَيَّ حِفظُ العَهدِ حَتّى نَلتَقي | | |
| وَعَلَيكَ أَن تَرعاهُ حَتّى نُحشَرا | |