فى ذكر تَواضُعه
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد، قال: أخبرنا أحمد بن على بن ثابت، قال: أخبرنى محمد بن أَحمد بن يَعقوب، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن حَمْدُويَه، قال: قرأتُ بخَط أبى عَمرو المُسْتَملى، سمعتُ عبد الله بن بَشر الطّالْقانى، يقول: سمعتُ محمد بن طارق البغدادى، يقول: كنتُ جالسًْا إلى جَنب أحمد بن حنبل، فقلتُ: يا أبا عبد الله، أستمدُّ من مِحبرتك؟ فنظر إلىَّ وقال: لم يَبلغ وَرعى وورعك هذا. وتَبسَّم.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، ومحمد بن عبد الباقى، قالا: أخبرنا حَمْد بن أحمد، قال: حدثنا أحمد بن عَبد الله، قال: حدثنا سليمان بن أحمد، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حَنبل، قال: سمعتُ عباس بن محمد الدُّورى، يقول: سمعتُ يَحيى بن مَعِين، يقول: ما رأيتُ مثل أحمد بن حنبل؛ صَحِبناه خَمسين سَنة ما افْتَخر علينا بشىءٍ مما كان فيه من الصَّلاح والخَير.
أخبرنا محمد بن أبى منصور، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد بن
يوسف، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البَرْمَكى، قال: أخبرنا على بن مَرْدَك قال: حدثنا أبو محمد بن أبى حاتم، قال: حدثنا صالح، قال: كان أبى ربما أخذ القَدومَ وخرج إلى دار السكّان يَعمل الشىءَ بيده، وربما خَرج إلى البَقّال فيَشترى الجُرْزَة من الحطب، والشىء فيحمله بيده.
أخبرنا محمد بن أبى منصور، قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار، قال: أخبرنا محمد بن عبد الواحد بن جَعفر الحريرى، قال: أخبرنا أبو عُمر بن حيّويه، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق المَرْوزى، قال: حدثنا العباس بن محمد الدُّروى، قال: حدثنا عارِم بن الفَضل، قال: كان أحمد بن حنبل هاهنا عِندنا بالبَصرة فجاءنى بمعضدة له - أو قال: صرة فيها دراهم - فكان كلّ قليل يَجئُ فيأخذ منها، فقلت له: يا أبا عبد الله بَلغنى أنك رجلٌ من العرب، فمِن أىّ العرب أنتَ؟ فقال لى: يا أبا النُّعمان، نحنُ قوم مَساكين. فكانَ كلّما جاءَ أعدتُ عليه فيقول لى هذا الكلام؛ ولا يُخبرنى حتى خَرج من البصرة.
قال الخلال: وأخبرنى إسماعيل بن إسحاق الثقفى، قال: قلتُ لأبى عبد الله أول ما رَأيتُه، يا أبا عبد الله، ائذَن لى أُقَبل رأسك؛ فقال: لم أبلغ أنا ذلك.
قال الخلال: وأخبرنى أبو بكر المُّروذى، قال: قلتُ لأبى عبد الله: الرجل
يُقال له فى وجهه: أحيَيْت السُّنَّة؟ قال: هذا فسادٌ لقلب الرجل.
قال الخلال: وأخبرنى مُحمد بن موسى بن أبى موسى، قال: رأيتُ أبا عبد الله وقد قال له خُراسانى: الحمدُلله الذى رأيْتُك. فقال له: اقعد، أى شىءٍ ذا؟ مَن أنا؟
قال الخلال: وأخبرنى أحمد بن الحُسين بن حَسان، قال: دخلنا على أبى عبد الله، فقال له شيخ من أهل خُراسان: يا أبا عبد الله، الله الله! فإن الناسَ يحتاجون إليك، قد ذَهب الناس، فإن كان الحديث لا يُمكن فمَسائل، فإن الناس مُضطرون إليكَ. فقال أبو عبد الله: إلىَّ أنا؟ واغتمَّ من قَوله وتنفَّس صُعداء، فرأيتُ فى وَجهه أثر الغَمّ.
وقيل لأبى عبد الله: جزاك الله عن الإسلام خيرًا، فقال: لا، بل جزى الله الإسلامَ عنى خَيرًا. ثم قال: ومَن أنا؟ وما أنا؟
ودُفع إلى أبى عبد الله كتابٌ من رَجل يسأله أن يَدعو الله له، فقال: فإذا دعّونا لهذا؛ نحن مَن يدعو لنا؟
قال الخلال: وأخبرنى محمد بن أحمد بن واصل، قال: سمعتُ أبا عبد الله غير مرة يقول: مَن أنا حتى تَجيئون إلىَّ؟ من أنا حتى تجيئوا إلىَّ؟ اذهبوا اطلبوا الحَديث.
قال الخلال: وأخبرنا على بن عبد الصمد الطَّيالسى، قال: مَسحتُ يدى على أحمد بن حنبل؛ ثم مسحتُ يدى على بَدنى وهو ينظر، فغضب غضبًا
شديدًا؛ وجعل يَنفُض يَده، ويقول: عَمَّن أخذتم هذا؟ وأنكره إنكارا شديدًا.
أخبرنا محمد بن أبى منصور، قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار، قال: أخبرنا على بن عُمر القَزوينى، قال: أخبرنا محمد بن العباس بن حَيّويه، قال: حَدثنا جعفر بن محمد الصَّنْدلى، قال: أخبرنى خَطّاب بن بِشر، قال: قال أبو عثمان الشافعى لأبى عبد الله أحمد بن حنبل: لا يزالُ الناس بخير ما منَّ الله عليهم ببقائك، وكلام من هذا النحو كثير. فقال: لا تَقُل هذا يا أبا عثمان؛ لا تَقُل هذا يا أبا عثمان، ومَن أنا فى الناس؟
قال خَطّاب: وسألتُه عن شىءٍ من الوَرع، فرأيتُه قد أظهر الاغتمام، وتَبين عليه فى وجهه، إزراءٌ على نفسه، واغتمامًا بأمره، حتى شَقَّ علىَّ، فقلت لرجل كان مَعى حين خرجنا: ما أراه يَنتفع بنَفسه أيامًا، جددنا عليه غمًا.
أخبرنا محمد بن ناصر، قال: أخبرنا عبد القادر بن محمد، والمبارك بن عبد الجبار، قالا: أخبرنا أبو بكر محمد بن على الخَياط، قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن أبى الفَوارس، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن سَلْم، قال حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الخالق، قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد المُّروذى قال: سمعتُ أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل - وذكر أخلاق الوَرعين - فقال: أسأل الله أن لا يَمقُتنا، أينَ نحنُ مِن هؤلاءِ؟
وقلت لأبى عبد الله: ما أكثر الداعينَ لك؟ فتَغرغَرت عينه، وقال: أخافُ
أن يكون هذا استدراجًا، أسأل الله أن يَجعلنا خيرًا مما يظّنون، ويَغفر لنا ما لا يعلمون.
قلت لأبى عبد الله: إن بعضّ المحدثين قال لى: أبو عبد الله لم يَزْهد فى الدراهم وَحدها؛ قد زَهِد فى الناس، فقال أبو عبد الله: ومَن أنا حتى أزهد فى الناس؟ الناسُ يريدون يَزهدون فىَّ.
أخبرنا المبارك بن أحمد الأنصارى، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد السَّمرْقَندى، قال: أخبرنا أحمد بن على بن ثابت، قال: أخبرنا على بن أحمد ابن عمر المُقرىء، قال: أخبرنا إسماعيل بن على الخُطَبِى، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: رأيت أبى إذا جاءَه الشيخُ والحَدث من قُريش، أو غيرهم من الأَشراف، لا يَخرج من باب المسجد حتى يُخرجَهم، فيكونوا هم يَتقدمونَه، ثم يَخْرج بَعدهم.
وقد روى احمد بن على الأبار، قال: سمعتُ أبا عبد الله أحمد بن حنبل - وسأله رجل - حَلفتُ بيمين ما أدرى أىّ شىءٍ هى؟ فقال: ليتَ انك إذا دَريتَ دريتُ أنا.
مناقب الإمام أحمد