فِي زَمَنِ اَلْوَبَاءِ صَارَتْ كَلِمَاتُنَا بِلَا مَعْنًى فَطَارَتْ مِنْ صَفَحَاتِنَا وَتَبَدَّلَتْ مَعَانِيهَا وَفِي رَحِمِ اَلْهِجَاءِ تَاهَتْ نَغماتُنَا بِلَا مَأْوًى وَأَضْحَتْ هَمَسَاتُنَا لَغْوًا إِذَا تُتْلَى فَذَاكَ حَرْفُ الأَلِفِ فَرَّتْ مِنْهُ هَمْزَتُهُ فَضَاعَتْ عَنْهُ عِزَّتُهُ وَالْبَاءُ سَقَطَتْ نُقْطَةُ ضَعْفِهَا فَتَغَيَّرَتْ مَعَالِمُهَا وَتَلَعْثَمَ نُطْقُهَا وَالتَّاءُ تَتَعْتَعَ لَفْظُهَا فَتَثاقَلَ وَزْنُهَا وَالْجِيمُ جَفَّ لِسَانُهَا وَصُمَّتْ عَنْ اَلْبَوْحِ وَالْحَاءُ حَوْقَلَ مَشْيُهَا وَحَارَ حَدِيثُهَا فَنَحْنَحَ صَوْتُهَا وَالْخَاءُ تَخَاذَلَتْ خَوَاتِمُهَا فَخَفَّتْ مَوازِينُهَا وَالدَّالُ دَمْدَمَ رَعْدُهَا فَدَنْدَنَ صَوْتُهَا وَالرَّاءُ رَفْرَفَتْ بِدَايَتُهَا فَتَدَحْرَجَتْ نِهَايَتُهَا وَالزَّايُ زُلْزِلَتْ بُؤْسًا فَزَفَرَتْ يَأْسًا وَالسِّينُ تَسْعَسَعَ حَالُهَا فَسَكَتَتْ عَنِ اَلْكَلَامِ وَالشِّينُ شَعْشَعَ ضَوْؤُهَا فَشَاخَتُ قَبْلَ أَوَانِهَا وَالصَّادُ صَعْصَعَتْ خَوْفًا فَصَاحَتْ صَيْحَةَ الصَّرْعَى وَالضَّادُ تَضَعْضَعَ شَكْلُهَا فَضَاعَتْ فِي زَحْمَةِ اَلْوَبَاءِ وَالطَّاءُ طَقْطَقَتْ أَصَابِعَهَا وَطَارَتْ مُطَأْطِئَةً وَالظَّاءُ تَظَلَّمَ ظِلُّهَا فَظَلَّتْ طَرِيقَهَا وَالْعَيْنُ عَسْعَسَ لَيْلُهَا فَأَغْمَضَ عَيْنَهَا وَالْغَيْنُ غَرْغَرَ حَلْقُهَا وَأُغْرِقَتْ غَلَائِلُهَا وَالْفَاءُ فَحْفَحَ صَوْتُهَا وَفَضْفَضَ فَهْمهَا وَالْقَافُ قَالَتْ وَدَاعًا وَتَقَوْقَعَتْ قَلَقًا فَتَقَعَّرَ قَبْرُهَا وَالْكَافُ كَفْكَفَ دَمْعُهَا وَكَفَّتْ عَنِ اَلْكَلَامِ وَاللَّامُ لَامَتْ نَفْسَهَا لَوْمًا وَتَوَارَتْ عَنِ اَلْأَنْظَارِ وَالْمِيمُ مُغْمِغَ أَمْرُهَا فَمَاتَتْ عَلَى شِفَاهِنَا وَالنُّونُ نَقْنَقَتْ كَضِفْدَعَةٍ فَنَامَتْ نَوْمَةَ اَلْمَوْتَى وَالْهَاءُ هَتَفَتْ بُكَاءً فَهَفْهَفٓ دَمْعُهَا وَالْوَاوُ وَقْوَقَ صَوْتُهَا فَتَأَوَّهَتْ أَلَمًا وَالْيَاءُ يَئِسَتْ مِنَ اَلْحَيَاةِ فَلَمْ تَعُدْ يَاءً وَلَا بَاءً أَشْعَارٌ تُقَاوِمُ اَلْحُمَّى وَالْأَحْرُفُ تَشْكُو اَلسُّعَالَ اِلْتَهَبَتْ رِئَةُ اَلْكَلِمَاتِ فَصَارَ نَظْمُ اَلشِّعْرِ مَهْزَلَةً كَانَتِ اَلْأَلْفُ سَيْفَ اَلْكَلِمَاتِ بِهَا تَزْهُو وَتُمَجَّدُ وَالْيَوْمَ تَحْتَ أَقْدَامِهَا تَبْكِي وَتَسْجُدُ أَيَّتُهَا اَلْأَشْعَارُ يَا زَهْرَ اَلرُّبَى كَيْفَ أَصَابَكِ الدَّاءُ بَعْدَ عَهْدِ اَلْهُدَى يَا حَسْرَةً عَلَى اَلْكَلِمَاتِ تَتَوَارَى فِي سَاحَةِ اَلْحَرْفِ وَتَذْبُلُ فِي قَبْضَةِ اَلْحُمَّى بِالْأَمْسِ كُنْتِ نِبْرَاسَ اَلْبَيَانِ يُضِيءُ فِي دُجَى اَلْبَوْحِ وَالْيَوْمَ صِرْتِ فِي لُجَّةِ اَلنِّسْيَانِ بقلمي، تاركا باقة ورد على مقابر الكلمات وزهر المودة للجميع
|