مطيع الرحمان | أفضل عضو بالمنتدى الإسلامي العام | المشاركات: 51845 نقاط التميز: 146613 |  | معدل المشاركات يوميا: 10.2 | الأيام منذ الإنضمام: 5103 | |

سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [1]
تفسير الربع السابع من سورة الأعراف بأسلوب بسيط
الآية 142: ﴿ وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً ﴾ لِمُناجاتنا بجبل الطور ولإنزال التوراة عليه، ﴿ وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ ﴾: يعني ثم زِدناهُ بعد ذلك عشرَ ليالٍ فوق هذه الثلاثين، ﴿ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ﴾: أي فبذلك اكتمل الوقت الذي حَدَّدَهُ اللهُ لموسى لِتكليمِه أربعين ليلة، ﴿ وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ ﴾ - حينَ أراد الذهاب لِمُناجاة ربه-: ﴿ اخْلُفْنِي ﴾: يعني كُن خليفتي ﴿ فِي قَوْمِي ﴾ حتى أرجع، ﴿ وَأَصْلِحْ ﴾: يعني وأْمُرْهم بعبادة الله تعالى، وبالأعمال الصالحة، ﴿ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ﴾:أي ولا تَسلك طريق الذين يُفسدون في الأرض بالشرك والمعاصي.
الآية 143: ﴿ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا ﴾ أي في الموعد الذي واعدناهُ فيه والوقت الذي حدَّدناهُ له، ﴿ وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ ﴾ بلا واسطة بينهما، طَمَعَ في رؤية اللهِ تعالى شوقاً إليه وحُبَّاً، فـ ﴿ قَالَ رَبِّ أَرِنِي ﴾ أي اجعلني ﴿ أَنْظُرْ إِلَيْكَ ﴾، فـ ﴿ قَالَ ﴾ اللهُ له: ﴿ لَنْ تَرَانِي ﴾: أي لن تقدر على رؤيتي في الدنيا، لأنّ خِلقتك لن تَحتَمِل ذلك، ﴿ وَلَكِنِ ﴾ إذا أردتَ أن تتيَقن مِن أنك لن تقدر على ذلك في الدنيا: فـ ﴿ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ ﴾ ﴿ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ ﴾ بعد أن أتجلَّى وأظهر له ﴿ فَسَوْفَ تَرَانِي ﴾ ﴿ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ ﴾ لم يتحمل الجبل رؤية ذاتِ اللهِ تعالى، فـ﴿ جَعَلَهُ ﴾ اللهُ ﴿ دَكًّا ﴾ أي مستويًا بالأرض، (فاندِكاكُ الجبل - رغم قوة بِنْيَتِهِ وعظيمِ جسمِه - كانَ لِعجزِهِ عن رؤية ربه تبارك وتعالى، فكيف بموسى عليه السلام لو رآه؟!)، ﴿ وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا ﴾: أي وسقط موسى مَغشيًّا عليه عند رؤية الجبل، ﴿ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ ﴾ لربهِ تبارك وتعالى: ﴿ سُبْحَانَكَ ﴾ أي تنزيهاً لك يارب وتقديساً فأنتَ عظيم، وإني ﴿ تُبْتُ إِلَيْكَ ﴾ فلن أسألك مِثل هذا السؤال بعد اليوم، ﴿ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ بكَ مِن قومي.
الآية 144: ﴿ قَالَ ﴾ اللهُ تعالى: ﴿ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ ﴾:أي اخترتك وفضّلتك ﴿ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي ﴾ أي بتبليغ رسالاتي التي لا أخُصُّ بها إلا أفضل الخَلق، ﴿ وَبِكَلَامِي ﴾: أي وفضّلتك عَلَى النَّاسِ بكلامي لك مِن غير واسطة، ﴿ فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ ﴾: أي فخُذ ما أعطيتك مِن النعم، وخذ ما أعطيتك مِن الأمر والنهي بانشراحِ صدر، وتَلَقَّهُ بالقبول والانقياد واعمل به، ﴿ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾ للهِ تعالى على نِعَمِه، وعلى ما خَصَّكَ به وفضّلك.
واعلم أنّ قوله تعالى: ﴿ فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾، فيهِ دعوةٌ إلى القناعة، فهي خير ما يُؤتَى المرءُ في حياته)، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قد أفلحَ مَن أسلم، ورُزِقَ كفافاً- (أي أُعْطِيَ الرزق الذي يَكفيه عن سؤال الناس) -، وقنَّعَهُ اللهُ بما آتاه) (انظر حديث رقم: 4368 في صحيح الجامع).
الآية 145 الآية 146: ﴿ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ﴾: أي وكَتبنا لموسى في ألواح التوراة مِن كل ما يحتاج إليه في دينه مِن أحكام، فكَتبنا فيها ﴿ مَوْعِظَةً ﴾ تُرَغِّب النفوس في فِعل الخير، وتخوِّفهم مِن فِعل الشر، ﴿ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ ﴾ مِن تكاليف الحلال والحرام، والأمر والنهي، والقصص والعقائد، وقال اللهُ تعالى له: ﴿ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ ﴾: أي خذ يا موسى التوراة بِجدّ واجتهاد، واعمل بما فيها، ﴿ وَأْمُرْ قَوْمَكَ ﴾ أيضاً بأن ﴿ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ﴾: أي بأن يعملوا بما شَرَِع اللهُ فيها من الأوامر الواجبة والمُستحَبة، وألاَّ يتساهلوا بأخْذ الرُخَص التي فيها، وإنما يأخذوا بالعَزائم التي فيها، وذلك تربيةً لهم وتعويداً على تحمل العَظائم، لِمَا لازَمَهم من الضعف والكسل زمناً طويلاً، (ونَضربُ مثالاً حتى نفهم معنى الرخصة والعزيمة: أنّ صيام رمضان عزيمة مُؤكَّدة في الشرع، وأمَّا الإفطار فيه فهو رُخصة للمسافر والمريض).
﴿ سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ ﴾ - اختلف المفسرون في تفسير هذه الجملة، فقال بعضهم: (إنّ هذه الجملة تتضمن النَهي لبني إسرائيل عن ترْك ما جاء في التوراة من الشرائع والأحكام، لأنهم إذا تركوا ذلك، كانوا من الفاسقين، وللفاسقين نار جهنم، وسَيُريهم اللهُ إيّاها يوم يَلقونه)، وعلى هذا يكون المعنى: (سأُرِيكُم في الآخرة دار الفاسقين، وهي ناري التي أعدَدتُها للخارجين عن طاعتي).
وقال بعضهم إنّ المعنى: (سأُرِيكُم دار الفاسقين بعدما أهلكتُهُم، وأبقيتُ ديارَهم عِبرةً يَعتبر بها المؤمنون المتواضعون)، وأما غير المتواضعين فقال عنهم: ﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ ﴾: يعني سأصرف عن فَهْم الحُجج الدالَّة على توحيدي: قلوبَ ﴿ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾: أي المتكبرين عن طاعتي والانقياد لشريعتي، والمتكبرين على الناس بغير الحق، فلا يَتَّبعون نبيًا ولا يَنصتون إليه لِتكَبُّرهم، ﴿ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا ﴾، ﴿ وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ ﴾: يعني وإن يَرَ هؤلاء المتكبرون طريق الحق القائم على الإيمان والتقوى: ﴿ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ﴾، ﴿ وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ ﴾ - وهو طريق الضلال القائم على الشرك والمعاصي - ﴿ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ﴾: يعني يتخذوه طريقًا ودينًا، ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا ﴾: أي وذلك الانحراف عن الحق، كان بسبب تكذيبهم ﴿ بِآَيَاتِنَا ﴾ الواضحة، ﴿ وَكَانُوا ﴾: أي وبسبب أنهم كانوا ﴿ عَنْهَا غَافِلِينَ ﴾ لا يلتفتونَ إليها، ولا يتفكَّرون فيما تدل عليه وتهدي إليه، فصرفهم الله عن فَهْمها.
الآية 147: ﴿ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآَخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ﴾ بسبب فَقْدِها لِشرط القَبول, وهو الإيمان بالله والتصديق بجزائه, ﴿ هَلْ يُجْزَوْنَ ﴾ في الآخرة ﴿ إِلَّا ﴾ جزاءَ ﴿ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ من الكفر والمعاصي, وهو الخلود في النار؟ (والجواب: نعم، وهذا ما يُسمَّى بالاستفهام التقريري).
الآية 148: ﴿ وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ ﴾ - أي مِن بعد ما فارقهم لِيُناجي ربه -، فصنعوا ﴿ مِنْ حُلِيِّهِمْ ﴾: أي مِن ذهبِ نسائهم ﴿ عِجْلًا جَسَدًا ﴾ بلا روح، ولكنْ ﴿ لَهُ خُوَارٌ ﴾: أي له صوت مثل صوت البقر، فاتخذوه معبودًا مِن دون الله تعالى.
ثم قال تعالى - مُبَيِّنًا أنه ليس فيه من الصفاتِ ما يجعله إلهاً -: ﴿ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ ﴾ فإنّ عدم الكلام نقصٌ عظيم، إذ هُم أكْملُ حالاً من هذا الجماد الذي لا يتكلم، ﴿ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا ﴾: يعني ولا يُرشدهم إلى خير؟ فالرَبّ المعبود بحق لابد أن يكون متكلّماً، حتى يُشرِّع لعباده ما فيه مصالحهم الدينية والدنيوية، فيَهديهم بذلك سُبُلَ كمالِهم وسعادتهم، ومع ذلك فقد ﴿ اتَّخَذُوهُ ﴾ إلهاً ﴿ وَكَانُوا ظَالِمِينَ ﴾ لأنهم وضعوا العبادة لمن لا يستحقها.
الآية 149: ﴿ وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ ﴾ والمعنى: ولمَّا نَدِموا على عبادة العِجل - (لأنه يُقال للنادم: (سَقَطَ الندم في يده)، وهذا تشبيه بمَن عَضَّ يده من الندم، فظهرتْ آثار العضّ في يده) -، فلمَّا ندموا هذا الندم الشديد، ﴿ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا ﴾ عن طريق الرشاد، استغفَروا ربهم، وأقرُّوا بعبوديته وحده، وتضرَّعوا إليه سبحانه فـ ﴿ قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا ﴾ بقَبول توبتنا، وعِصمتنا من الوقوع في الذنوب، ﴿ وَيَغْفِرْ لَنَا ﴾ هذا الذنب العظيم، ﴿ لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ الذين ذهبتْ أعمالهم هباءً (لأنهم يعلمون أنَّ اللهَ تعالى - إن لم يَقبل توبتهم - فسَوف يُحبط أعمالهم بسبب شِركهم).
الآية 150: ﴿ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ ﴾ أي ممتلئاً غضباً وغيظاً عليهم، ﴿ أَسِفًا ﴾ أي حزينًا لأن الله أخبره أن قومه قد فُتِنوا، وأن السامِرِيَّ قد أضلَّهم، (وهذا الغضب والحُزن كانَ لِتمام غيرتِهِ عليه الصلاة السلام أن يَعبد قومُهُ غيرَ ربه)، فـ ﴿ قَالَ ﴾ لهم: ﴿ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي ﴾: أي بئسَ الحالة التي خلفتموني بها، مِن بعد ذهابي عنكم، فإنها حالة تؤدي بكم إلى الهلاك والشقاء الأبدي، ﴿ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ﴾: يعني أستعجلتم أمْرَ ربكم، حيثُ وَعَدكم بإنزال الكتاب، فلم تتِمّوا ميعاده الذي حَدَّدَهُ لكم، وقلتم: (ماتَ موسى)، وبدَّلتم دينه فعبدتم العجل؟!، ﴿ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ ﴾: أي وألقى ألواح التوراة غضباً على قومه الذين عبدوا العجل، ﴿ وَأَخَذَ ﴾: يعني وأمسَكَ ﴿ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ﴾ ظناً منه أنه خالَفَ أمْرَهُ حينَ قال له: ﴿ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ ﴾، فـ ﴿ قَالَ ﴾ هارون مستعطفًاً أخاه: يا ﴿ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي ﴾: أي وقارَبوا أن يقتلوني حينَ قلتُ لهم: ﴿ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي ﴾، ﴿ فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ ﴾: أي فلا تجعل الأعداء يَفرحون بما تفعل بي، ﴿ وَلَا تَجْعَلْنِي ﴾ في غضبك ﴿ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ الذين خالفوا أمْرَك وعبدوا العجل، ولا تعاملني معاملتهم لأنني لم أقصِّر في نَهْيِهِم عمَّا فعلوا.
واعلم أنّ هارون عليه السلام قالَ لفظ: ﴿ ابْنَ أُمَّ ﴾ - مع أنه شقيق موسى لأمِّهِ وأبيه -، ترقيقاً لقلب أخيه، لأنّ ذِكر الأم وحدها يكونُ أكثر عطفاً وحناناً مِمَّا إذا ذُكِرَ الأب والأم معاً، أو الأب فقط.
الآية 151: ﴿ قَالَ ﴾ موسى - لَمَّا تبيّنَ له عُذر أخيه، وعَلِمَ أنه لم يُفَرِّط فيما كان عليه من أمْر الله -: ﴿ رَبِّ اغْفِرْ لِي ﴾ ما صنعتُ بأخي قبل أن أتبيّن براءته، واغفر لي إلقاء ألواح التوراة على الأرض، ﴿ وَلِأَخِي ﴾: أي واغفر لأخي إن كانَ قد وقع منه تقصير في الإنكار على عَبَدَة العجل، ﴿ وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ ﴾ الواسعة، ﴿ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾: يعني فإنك أرحم بنا مِن آبائنا وأمّهاتنا، ومِن كل راحم.
الآية 152، والآية 153: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ ﴾ إلهًا ﴿ سَيَنَالُهُمْ ﴾ أي سيُصيبهم ﴿ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ (وقد نالهم غضبُ اللّه في الدنيا، حيثُ أمرهم أن يقتلوا أنفسهم، وأخبَرَهم أنه لن يَرضى عنهم إلا بذلك، فقتل بعضهم بعضاً، وانتهت المعركة عن كثيرٍ من القتلَى)، ﴿ وَكَذَلِكَ ﴾: يعني وبمِثل هذا الجزاء: ﴿ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ ﴾ أي الكاذبين على اللهِ تعالى (بزَعْمِهم أنّ له شريك).
﴿ وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ﴾: يعني وأما الذين وقعوا في الكفر والمعاصي ﴿ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآَمَنُوا ﴾: يعني ثم رجعوا مِن بعد فِعلها إلى الإيمان والعمل الصالح، ﴿ إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا ﴾ أي مِن بعد هذه التوبة النَصوح: ﴿ لَغَفُورٌ ﴾ لذنوبهم، ﴿ رَحِيمٌ ﴾ بهم - وبكل التائبين - حيث مَكَّنَهم من التوبة، وجعلها نجاةً لهم من عذابه.
الآية 154: ﴿ وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ ﴾: يعني ولمَّا هدأ موسى، وزالَ غضبه: ﴿ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ ﴾ بعد أن ألقاها على الأرض، ﴿ وَفِي نُسْخَتِهَا ﴾: يعني وفي ما كَتبه اللهُ فيها ونَسَخه بيده: ﴿ هُدًى ﴾ أي إرشادٌ للحق، ﴿ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ﴾ أي وفيها رحمة للذين يخافون اللهَ ويَخشون عقابه، فلا يعصونه.
الآية 155، والآية 156، والآية 157: ﴿ وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ ﴾ أي اختارَ مِن قومه ﴿ سَبْعِينَ رَجُلًا ﴾ مِن خِيارِهِم، وخرج بهم إلى طُور "سيناء"، ﴿ لِمِيقَاتِنَا ﴾: أي في الوقت الذي حدَّده اللهُ لهم (ليعتذروا له عمَّا فعَلَهُ عَبَدة العجل)، فلما أتوا طُور "سيناء"، قالوا لموسى: (لن نؤمن لك حتى نرى اللهَ بأعيننا، فإنك قد كلَّمتَهُ فاجعلنا نراه)، ﴿ فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ ﴾: أي فلما أخذتْهم الصاعقة، التي ارتجفتْ لها قلوبهم والأرض مِن تحتهم - بسبب جُرأتهم على ربهم - ماتوا جميعاً، فقام موسى يتضرع إلى الله، فـ ﴿ قَالَ رَبِّ ﴾ ماذا أقولُ لبني إسرائيل إذا أتيتُهم، وقد أهْلكتَ خِيارهم؟ إنك سبحانك ﴿ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ ﴾ جميعًا ﴿ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ ﴾: أي مِن قبل مجيئهم إليك وأنا معهم، فإنَّ ذلك أخَفّ عليَّ، ﴿ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا ﴾ أي بسبب فِعل ضعاف العقول (وهم مَن عبدوا العجل، وكذلك مَن طلبوا رؤيتك)؟ إنك سبحانك لا تفعلُ بنا ذلك.
فبذلك اعتذر موسى لربه بأنّ المُتجرّئين على اللّه ليس لهم عقول كاملة تَرْدَعُهُم عمَّا قالوا وفعلوا، وبأنهم قد حصل لهم فتنةٌ في دينهم، فقال: ﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ ﴾: يعني ما هذه الفِعلة التي فعلها قومي إلا اختبارٌ وفتنة منك ﴿ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ ﴾ ﴿ أَنْتَ وَلِيُّنَا ﴾ أي مُتولي أمْرنا وناصِرُنا، فليسَ لنا سواك ﴿ فَاغْفِرْ لَنَا ﴾ ذنوبنا ﴿ وَارْحَمْنَا ﴾ برفع العذاب عنا ﴿ وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ ﴾: يعني وأنت خيرُ مَن صَفَحَ عن جُرْمٍ، وسَتَرَ عن ذنب، (فأجابَ اللّهُ دعائه، فأحياهم مِن بعد موتهم، وغفر لهم ذنوبهم).
ثم قال موسى في ختام دعائه: ﴿ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً ﴾ مِن عِلمٍ نافع، ورزقٍ واسع، وعملٍ صالح، ﴿ وَفِي الْآَخِرَةِ ﴾- يعني وفي الآخرةِ حسنة، وهي الجنة - ﴿ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ﴾: يعني إنا رجعنا تائبين إليك، (وبهذا اللفظ: ﴿ هُدنا ﴾ سُمُّوا يَهوداً، أي التائبين مِن عبادة العجل)، ﴿ قَالَ ﴾ اللهُ تعالى لموسى: إن الرَّجفة التي أنزلتُها بقومك هي ﴿ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ﴾ مِن خلقي، وهم الذين يَخرجون عن طاعتي، كما أصبتُ هؤلاء الذين أصَبْتُهم من قومك، ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ أي وَسِعَتْ خَلقي كلَّهم، ولكنْ: ﴿ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ﴾ ﴿ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ﴾ لِمُستحقيها ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾ وهم ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ ﴾ أي الذي لا يقرأ ولا يكتب، وهو محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا ﴾: أي الذي يجدون صِفَته مكتوبة ﴿ عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ﴾ ﴿ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ﴾: أي يأمرهم بالتوحيد والطاعات وكل ما عُرِفَ حُسْنُهُ بين الناس، ﴿ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾: أي وينهاهم عن الشرك والمعاصي وكل ما عُرِفَ قُبْحُهُ بين الناس، ﴿ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ ﴾ التي حُرِّمَتْ عليهم بسبب ظُلمهم، ﴿ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾ كالخَمر ولحم الخنزير والرِبا وسائر المُحَرَّمات في الإسلام، ﴿ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ﴾: أي ويُذهِب عنهم ما كُلِّفوه من الأمور الشاقة، كقَطْع مَوْضع النجاسة من الثوب، وإحراق الغنائم، والقصاص حتمًا من القاتل (سواء كان القتلُ عمدًا أم خطأً)، ﴿ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ ﴾: يعني فالذين صدَّقوا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم وأقرُّوا بنبوَّته، ﴿ وَعَزَّرُوهُ ﴾: أي ووَقَّروه وعظَّموه، ﴿ وَنَصَرُوهُ ﴾ على أعدائه المشركين والمنافقين ﴿ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ ﴾: أي واتَّبعوا القرآن المُنَزَّل عليه، وعَمِلوا بسُنَّتِه ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ الفائزون بدخول الجنة والنجاة من النار.
[1] وهي سلسلة تفسير للآيات التي يَصعُبُ فهمُها في القرآن الكريم (وليس كل الآيات)، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو شرحُ الكلمة الصعبة في الآية.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
شبكة الألوكة | | | | | | | |
0📊0👍0👏0👌 |