الوقت ظهيرة, و الحر شديد, والعرق يبلل ثيابها, وظلها يركظ معها و تتعثر به, ولاأحد يطاردها,
ولاأحد يركض معها, أين هرب الأخرون!
لاتتذكر إلا صورة أمها وهي تفر, نعم رأتها بعينها إنها هي, متؤكدة من ذلك, رأتها تركض في اتجاه فركضت في الإتجاه المعاكس! لعنة أصابتها إنها تسابق ظلها لاهثة مجبرة.
من بعيد ترائ لها رجال بحلل سوداء, يسيرون بانتظام, كأنهم موكب عسكري, يحملون نعشا,
لا أثر لي النسوة, لا صوت للولولة, اقتربتْ أكثر فقط صمت رهيب, لايسمعُ فيه إلا دقات قلبها و صوت ارتداد أحذيتهم على الأرض.غريب دقات قلبها تسمع !
اقتربتْ أكثر وأكثر, شوهتْ لوحة السواد ربما لأنها كانت بيضاء.
صُعقت عندما رأت التابوت في وسطه تجلس فتاة, بمثل عمرها أو أقل ببضع سنوات, وعلى جبينها حفر الحزن, حزن عميق لايمكن أن يصل لهذا القدر إلا لمن أدرك بالفعل أنه قد مات.
لم تتعرف على الفتاة, كانت أكيدة أنها لم ترى لها صورة في وجه حياتها. الأخرى كانت تنظر إليها بعين واثقة كأنها تعرفها.
عبثا حاولَت التذكر سارت بجانبها سألتْها عن اسمها
-أجابت اسمي ـ أنا ـ
خجلتْ لجهلها باسمها
سألتْها عن سر حزنها فقصت عليها قصة طويلة, طويلة... متشعبة, مكتظة بحفنات الوجوه,
أخدت صاحبتها بالسرد وقالت:
اسيقظت ذات صباحا, فركت عيني, تململت في الركن الذي أشاركه انا وأربع أخوات غيري,
مأكثر أرجلنا لشدة ضيق المكان, لأدكر سوى أرجلنا الخشنة, ورؤوسنا الكبيرة المليئة بالفراغ.
وأصوات صارخة آمرة ,كان من بينهم صوت أمي, أمرتني بالخروج معها على غير عادتها, بمهمة عاجلة أطلقت عليها [قطع الشك باليقين ]
سرنا في شوارع ضيقة على قدمي, وصلنا ساحة مظطربة بأمواج من البشر, بكل أنواعه ـ صغير, متوسط, طويل, عريض, رجال, نساء, أطفال, وأشياء كثيرة لم أقدر على تمييزها, أميز فقط صراخهم, هم لا يتشاجرون بل يعرضون سلعهم للبيع.
لمحت لافتة أكل الصدأ نصفها, كتب عليها ـ ماريا ـ إسم أنيق.
دخلنا البناية صعدنا الدرجات الضيقة, وذراعها تشد عل كتفي أكثر والمشاعر المبهمة تزداد غموضا.
جلسنا ننتظر دورنا, خائفة كنت, تمنيت لو يطول الإنتظار, ربما كانت أمي من أصحاب قرارات الوقت الميت..لأول مرة أحس بلذة الإنتظار.
كنت لا مبالية من شدة قرفي فلم أهتم بتذكر تفاصيل الغرفة. ماريا تلك كانت لطيفة, عكس ماتخيلتها.
مددتني, ألقت غطاء على جسدي, أحسه يلتصق بمسامي, كأنه يمنعها عني, وددت لو أمنعها عني, واولي ساقي للريح, كنت مدركة تماما كرهي لها ولهم ولنفسي.
تلك اللحظة مرت بسرعة البرق الخاطف بالنسبة لأمي, طمنتها ـ ماريا ـ انفرجت أساريرها فرحتُ لفرحها لكن ماذا عن لحظتي أنا !
لحظة بثرت من معصم الوقت, ذهرا تعلق بها وتوقف, لأدري طويلا.... طويلا...
لم تبقى سوى الدهشة, والفراغ الذي خلفته تلك اللحظة, لم اتمكن من إزاحة الغطاء عني
كان ثقيلا .
قلت سأحاول أن انسى!
لكني أبدا مانسيت, أبدا لن أعود كما كنت من قبل, حتى ولو حللت ألف مرة ,
أبدا لن أكون أنا نفسي دموعي كانت أقوى من كل حبر تضعه في ورقة ليصدقني الأخر.
------
تذكرتها عرفتها الأن كيف لي أن أنسى اسمها إنها أنا!
أيها العابر تذكر أن ربع وجهي هنا
الربع الأخر سأكمله فيما بعد
فيامتتبع حرفي انتظر الجزء الثاني والأخير لترى نصف وجهي.
تحياتي للجميع