| يمر اقتصاد المملكة المتحدة بمرحلة هي الأكثر حرجا مقارنة بمثيلاتها في الاقتصادات المتقدمة الأخرى. وهذه حقيقة تسعى الحكومة المحافظة الحالية، كي تغيرها في غضون أشهر تفصلها عن الانتخابات العامة الحساسة والحاسمة في العام المقبل. وبريطانيا واجهت المشكلات الاقتصادية ذاتها التي عمت الساحة الدولية عموما، وساحات الدول المتقدمة خصوصا، لكن آثارها محليا كانت أكبر وأطول وأكثر قوة من حيث الضغوط، ولا سيما في ظل عدم استقرار سياسي بلغ أوجه الصيف الماضي بوصول ثلاثة رؤساء وزارة لـ"داونييج ستريت" في أقل من ثلاثة أشهر، بينهم ليز تراس التي لم تستمر في الحكم عمليا سوى 44 يوما. فقد أضافت تراس في فترتها الوجيزة هذه مشكلات ضخمة إلى اقتصاد البلاد، حتى إن مارك كارني حاكم بنك إنجلترا المركزي السابق اتهمها علنا، بأنها "حولت بريطانيا إلى أرجنتين تقع على القنال الإنجليزي، بسبب سوء فهمها الأساس لما يحرك الاقتصادات".رغم أن كارني قال ما قاله في أعقاب استقالته من موقعه الحساس، فإن الشواهد تؤكد اليوم استنتاجاته. منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، تعقد أن الاقتصاد البريطاني سينمو هذا العام بمعدل أسرع مقارنة باقتصادي ألمانيا والأرجنتين، ولكن بمعدل أبطأ مقارنة بنمو أي اقتصاد متقدم آخر. وحذرت المنظمة من أن النمو في المملكة المتحدة لن يتفوق العام المقبل إلا على النمو في الأرجنتين. وهذا الاستنتاج أيضا أضاف مزيدا من الضغوط على كل الحكومة البريطانية، التي تحاول أن تحقق أي مستوى للنمو قبل نهاية العام الحالي، وأن تقرب النمو قدر المستطاع من الحد الأعلى المستهدف وهو 2 في المائة. لكن في النهاية لا تزال هذه النسبة بعيدة المنال، إذا ما أخذنا في الحسبان المستوى الراهن لأسعار المستهلكين الذي بلغ الشهر الماضي 6.7 في المائة منخفضا من 6.8 في المائة عن الشهر الذي سبقه.هذا يشير بوضوح إلى أن ريشي سوناك، رئيس الوزراء قد لا يفي بتعهده السابق بخفض التضخم إلى النصف، خصوصا إذا ما استمرت وتيرة الأداء الاقتصادي على شكلها الحالي. لا شك أن بريطانيا تمكنت في الـ100 عام الماضية من تخطي سلسلة من الأزمات الاقتصادية التي مرت بها، بما في ذلك بالطبع الأزمة العالمية التي انفجرت في 2008. إلا أن الأمر يبدو صعبا حاليا، من جهة أن "السلاح" الذي كانت الحكومات السابقة تستخدمه في مواجهة هذه المشكلات، وهو التقشف، ليس من السهل اللجوء إليه في الوقت الراهن، خصوصا مع ارتفاع وتيرة الضغوط المعيشية على المواطن البريطاني عموما. فهي اليوم تواجه تردي واضح في الأحوال المعيشية المشار إليها إلى درجة اتساع هائل في شريحة أولئك الذين باتوا يقبعون عند خط الفقر.ليس واضحا حتى الآن ما إذا كانت الحكومة البريطانية قادرة فعلا على إيصال التضخم إلى 3 في المائة في العام المقبل. حتى "منظمة التعاون" التي لم تستبعد ذلك، تطرح إشارات جانبية سلبية. فمعدل النمو المتوقع للعام الجاري في البلاد سيكون عند 0.3 في المائة على أساس سنوي. وهو أضعف معدل بين دول مجموعة السبع، وثالث أضعف معدل في مجموعة العشرين. وفي بداية العام الحالي لم يتفوق اقتصاد المملكة المتحدة في هذه المجموعة إلا على الاقتصاد الروسي، الذي يعاني العقوبات الغربية الشاملة وضغوط وتكاليف الحرب الدائرة في أوكرانيا. وسط هذا المشهد العام، لن يحقق اقتصاد بريطانيا نموا أعلى من 0.8 في المائة في العام المقبل. ورغم أن بنك إنجلترا المركزي أبقى في مراجعته الأخير سعر الفائدة عند 5.25 في المائة، إلا أن الباب يظل مفتوحا لمزيد من الزيادات في المراجعات المقبلة، خصوصا إذا ما تعثرت الخطوات نحو خفض التضخم.البنك المركزي، وعلى غرار بقية البنوك المركزية الأخرى، أقدم على رفع تكاليف الاقتراض بقوة في العامين الماضيين، ولا سيما عندما بلغت نسبة التضخم في ذروتها 11.1 في المائة. فارتفاع الأسعار جاء "كما هو معروف" نتيجة عوامل كثيرة، في مقدمتها المشكلات التي أصابت سلاسل التوريد لمدة لم تكن قصيرة، والأعباء التي جلبتها جائحة كورونا، فضلا عن حرب أوكرانيا الدائرة حاليا وهي الأخطر على الإطلاق منذ الحرب العالمية الثانية. والمشكلة الإضافية التي خصت الاقتصاد البريطاني بقوة، هي تلك المتعلقة بقطاع الخدمات. فهذا الأخير لا يزال يواصل التباطؤ إلى 6.8 في المائة الشهر الماضي من 7.4 في المائة في الشهر الذي سبقه. كل هذا يأتي في ظل ارتفاع حجم الديون الحكومية التي وصلت إلى أكثر قليلا من 100 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي البالغ 3.07 تريليون دولار.الصورة ستبقى غير واضحة تماما بشأن الاقتصاد البريطاني، في ظل ضغوط لا تنتهي على الحكومة الحالية، التي تواجه انتخابات عامة هي الأكثر خطورة على حزب المحافظين منذ خسارتهم لها في انتخابات 1997 عندما فاز حزب العمال بزعامة توني بلير آنذاك بأعلى عدد من المقاعد النيابية في تاريخ البلاد. ((( الإقتصاديه))) -- أدخل النص هنا -- |
0📊0👍0👏0👌0📈 |