يزداد القلق على الأداء الاقتصادي في الصين، ليس فقط على الساحة المحلية، بل العالمية أيضا، فالاقتصاد الصيني كان ولا يزال المحرك الأول لمؤشرات النمو العالمي، حتى بعد تراجع معدلات النمو بفعل جائحة كورونا، ظل عند المستويات العليا مقارنة بغيره من الاقتصادات الكبرى. اليوم، يواجه ثاني أكبر اقتصاد في العالم مصاعب، اعترفت بها حكومة بكين التي تحاول أن تحمي المكتسبات التي حققتها في العقد الماضي على الأقل. فمع وصول الرئيس شي جين بينج، إلى الحكم قبل أكثر من عقد من الزمن، أطلق سلسلة واسعة من المشاريع، وأقدم على فتح ما أمكن من القطاعات أمام النشاط الاقتصادي شبه الحر، بما في ذلك ما يمكن وصفه بالبناء الواسع لقطاع العقارات الذي بات يمثل محركا أساسيا لنمو الاقتصاد المحلي كله.
والدورة الحالية التي تمر بها سوق العقارات تشهد تباطؤا كبيرا، نشر القلق في الساحة بصورة متزايدة، تفوق حدة الأزمة التي مرت بها هذه السوق في 2015، خصوصا مع ارتفاع أعداد المطورين الذين تخلفوا عن السداد. الحكومة انطلقت في الفترة الماضية من أجل تنفيذ خطة إنقاذ تحافظ على المكتسبات العقارية الراهنة، وفي الوقت نفسه تمنع انهيارا لن يكون بسيطا. ماذا فعلت للوهلة الأولى؟ قيدت موجات الاقتراض، وهذا أمر طبيعي في الوقت الذي تجري فيه الخطوات من أجل السيطرة على الديون والانكشافات التي تشمل أيضا مؤسسات مالية خارج الصين. ويتفق بعض المراقبين للوضع على أن التدخل الحكومي سيكون كافيا لوضع تدهور أسموه "فوضويا"، وربما ولد نوعا ما من التعافي.من هذه النقطة يعاني القطاع العقاري في الصين أزمة، وتحتاج بكين إلى بذل مزيد من الجهود من أجل إصلاح مشكلاتها العقارية. وتسهم سوق العقارات بنحو ربع الناتج المحلي الإجمالي في الصين، وكان يمثل عبئا على النمو خلال الفترة الماضية، خاصة منذ أن اتخذت بكين إجراءات صارمة ضد اعتماد المطورين الكبير على الديون عام 2020، فيما بدأت السلطات الصينية تخفيف القيود المفروضة على تمويل القطاع خلال الأشهر العديدة الماضية.ويرى الخبراء في القطاع العقاري أن على الصين اتخاذ إجراءات عاجلة، فضلا عن ضرورة وجود حاجة إلى إجراءات إضافية من أجل إنهاء الأزمة العقارية. وعلى هذا الصعيد الأمور كلها باتت مرتبطة الآن بالخطة الحكومية التي يوليها المسؤولون في بكين أهمية كبيرة، بصرف النظر عن بعض الروابط السلبية الطبيعية لها. فكل عملية من هذا النوع لها جانبها المؤلم، لكن في النهاية لها مبرراتها القوية التي تستهدف عودة قطاع مهم كهذا إلى وضعية الاستدامة والانسيابية المالية إن جاز القول.في هذه الأثناء يبقى الذعر حاضرا حتى تتضح الأمور. فشركات التطوير العقارية باتت تئن تحت وطأة التخلف عن السداد، بما في ذلك مؤسسة "إيفرجراند" Evergrande بطلب الحماية من الإفلاس في الولايات المتحدة، بسبب تفاقم الأزمة في الصين، وهذه الشركة تخلفت عن السداد في الواقع في 2021، ويقدر حجم ديونها بـ300 مليار دولار، بينما تمتلك 1300 مشروع في 280 مدينة.وقبل يومين، حذرت شركة "كانتري جاردن" العقارية الكبرى من أنها قد تتخلف عن السداد، بعد تسجيل خسائر بلغت سبعة مليارات دولار. لا شك أن الحكومة الصينية تمكنت في 2015 من إعادة الثقة بالسوق العقارية المحلية، مستوعبة "إفرازات" الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008. والطريقة التي أنجزت فيها هذه المهمة، كانت بضخ استثمارات هائلة في البنية التحتية، مع دعم المضاربة في سوق العقارات. الأمر يختلف حاليا، فالحكومة قلصت في الواقع الإنفاق على البنية التحتية، وتعمل على ضبط الميزانية العامة. فحتى تطوير هذه البنية أسهم في رفع الديون بقوة، ما أدى إلى حدوث ما يمكن تسميته "فقاعة عقارية".من هنا، أصاب المشهد العام تعقيدات حادة، فالحكومة لا بد أن تعتمد على إنفاق الصينيين وتقليل الادخار، لكن حتى المدخرات شهدت تراجعا مستمرا في الآونة الأخيرة بسبب الأعباء التي تركتها جائحة كورونا على الأسر. بمعنى آخر، فإن هذا المخرج سيكون صعبا للغاية في الفترة المقبلة. وليس أمام الحكومة حاليا سوى العمل بسرعة على لملمة مشكلات سوق العقارات، والتحرك من أجل جلب الثقة إلى هذه السوق، واحتواء ما أمكن من الآثار التي تنشر الذعر في الأجواء، وتؤثر مباشرة في وتيرة النمو المحلي.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
معلومات رائعة وموضوع مميز وابداع التي قدمتها لنا
وتسلم الايادي التي ابدعت في هذا المشاركة
اتمنى لك التوفيق ولا تحرمنا من ابداعاتك وتميزك المتواصل