قد لا تتخيل كيف نقوم بالشعائر والعبادات في ظل غياب الجاذبية وتحديات الحياة الفضائية المختلفة. ولكن ذلك دفع بعض العلماء والباحثين في الشريعة الإسلامية إلى تقديم حلول معاصرة وإصدار فتاوى تتماشى مع وجود المسلمين في الفضاء. تم طرح هذا الموضوع في ثمانينيات القرن الماضي عندما بدأ المسلمون بدخول مجال الفضاء، حيث توجه أحد عشر مسلمًا إلى الفضاء خلال الثلاثة عقود الماضية، وآخرهم الإماراتي هزاع المنصوري.

الصلاة في الفضاء تواجه تحديات متعددة تتعلق بالمواقيت والقبلة والطهارة والصوم. تعتبر سرعة مركبة المحطة الدولية للفضاء، التي تبلغ حوالي 27.6 ألف كيلومتر في الساعة، عاملًا مؤثرًا في تحديد مواقيت الصلاة في الفضاء. تتم دورة المحطة الدولية حول الأرض بشكل كامل تقريبًا كل 90 دقيقة، وبالتالي تشهد الفضاء حوالي 16 شروقًا وغروبًا في اليوم الواحد. هذا يعني أن تحديد مواقيت الصلاة يصبح أمرًا معقدًا في الفضاء.

إضافة إلى ذلك، تواجه الأفراد في الفضاء صعوبة في تحديد اتجاه القبلة نحو مكة المكرمة وكيفية توجيههم صوبها. كما يواجه رواد الفضاء صعوبة في الحصول على المياه وعملية الاستحمام بسبب عدم توافر المياه وتأثيرات الجاذبية في الفضاء. هذا يؤثر أيضًا على تنفيذ الطهارة والوضوء بشكل صحيح.

وأخيرًا، تعتبر الصيام في الفضاء أمرًا صعبًا، حيث يواجه رواد الفضاء تحديات متعلقة بتوفير الغذاء وظروف البيئة الفضائية المختلفة، مما يجعل من الصعب تطبيق الصوم والامتناع عن تناول الطعام والشراب لفترات طويلة.

باختصار، الصلاة في الفضاء تواجه تحديات تتعلق بمواقيت الصلاة، تحديد القبلة، الطهارة، والصوم، نظرًا لتأثيرات الجاذبية، نقص المياه، وظروف البيئة الفضائية المختلفة.

مسألة الصوم في الفضاء

تستمر الجدل حول مسألة الصوم في الفضاءنظرًا لتحديات مواقيت الشروق والغروب. ففي ظل تلك الظروف، يجب على رائد الفضاء المسلم أن يصم بالفعل 16 مرة في اليوم، أو يصم لمدة ساعة ونصف فقط. بالإضافة إلى ذلك، يتم تجهيز الطعام مسبقًا قبل الإقلاع، حيث يُقدَم ثلاث وجبات محسوبة بدقة لكل فرد. تحتوي هذه الوجبات على نسبة محددة من السعرات الحرارية، حيث يتم تقديرها بحوالي 1900 سعر حراري للنساء و3320 سعر حراري للرجال، وفقًا لوكالة الفضاء الأمريكية (ناسا). يولي رواد الفضاء أهمية كبيرة لتناول الفيتامينات والمواد الغذائية الضرورية للحفاظ على نشاطهم وحيويتهم بدقة.

فيما يتعلق بالفتاوى المتعلقة بالصوم في الفضاء، اجتمع علماء المسلمين في ماليزيا عام 2007 لإصدار كتيب توجيهات لرواد الفضاء المسلمين، وذلك بعد إطلاق رائد الفضاء الماليزي شيخ مظفر إلى الفضاء. وقد اعتُبِرَ توقيت رحلته في ذلك الوقت محطة خاصة نظرًا لتزامنها مع شهر رمضان الكريم. وبالرغم من ذلك، قرر الدكتور شيخ مظفر عدم الصوم واستخدام رخصة السفر المسموح بها للصائم وفقًا للشريعة الإسلامية.

لقد قدم العلماء عدة حلول لرواد الفضاء المسلمين لمواجهة تحديات الصلاة والصوم في الفضاء. يُسمح لهم بالامتناع عن تناول الطعام مع بداية أذان الفجر في مكة المكرمة، أو صوم وفقًا لمواقيت غرينتش، أو الصوم وفقًا للموعد الأقرب لمواقيت الأرض، وفي هذه الحالة يتم اعتبار مكان الانطلاق من الأرض كمرجع.

وقد أصدر المجلس الشرعي لعلماء المسلمين فتوى تجيز للرائد في حالة السفر استخدام رخصة الفطر. استندت هذه الفتوى على العديد من الأبحاث، ومن بين أهم هذه الأبحاث التقدير والقياس في مناطق محددة على الأرض مثل القطبين الشمالي والجنوبي، حيث يستمر غروب الشمس لمدة ستة أشهر كاملة ويصعب تحديد توقيت الصوم ومواقيت الصلاة في تلك الحالة. وبالتالي، يتبع المقيمون في تلك المناطق الحلول الثلاثة المذكورة سابقًا.

الصلاة في الفضاء

في الفضاء، يتم حساب مواقيت الصلاة بالاعتماد على توقيت الفجر والمغرب. يتم اختيار منطقة محددة على الأرض لقياس الزمن وفقًا لمواقيت الصلاة في تلك المنطقة. أما بالنسبة لتحديد القبلة، فقد تم وضع نظام قياس بالتعاون مع وكالة الفضاء الماليزية لتحديد اتجاه مكة المكرمة. ومع ذلك، عندما يكون من الصعب تحديد الاتجاه نحو مكة بسبب دوران المركبة الفضائية حول الأرض باتجاه معاكس، يقوم رائد الفضاء بتوجيه نفسه مباشرة نحو الأرض ويؤدي الصلاة.

هدا الفيديو يوضح صعوبة الامر.

وبسبب عدم وجود الجاذبية في الفضاء، مما يجعل السجود أمرًا مستحيلاً، يشير الكتيب إلى إمكانية أداء الصلاة في وضعية الجلوس وربط الحزام الأمان للثبات. ومع ذلك، قام الدكتور شيخ المظفر بابتكار طريقته الخاصة لأداء الصلاة عن طريق تثبيت قدميه على سطح المركبة الفضائية، مما سمح له بأداء الصلاة بالشكل المألوف المعروف. ونظرًا لصعوبة الوصول إلى الماء في الفضاء، يمكن استخدام الأوراق المناديل المطهرة للحفاظ على النظافة والطهارة.