امتلأت خريطة الدراما العربية في شهر رمضان هذا العام بعدد كبير من الأعمال الدرامية، استطاع البعض منها جذب الجمهور منذ بداية الشهر، والبعض الآخر خرج من دائرة الاهتمام، فضلًا عن العدد الكبير الذي بقي على قائمة "الاحتياط" لمجرد ملء الوقت ومتابعة الأحداث سواء أسفرت عن شيء أو لم تسفر. ومع الهزيع الأخير للتنافس الرمضاني، اتضح التوجه لمسلسلات الـ 15 حلقة في الدراما المصرية والعربية والخليجية، مثل المسلسل المصري "حرب" المعروض مؤخرًا على شاشات الفضائيات. هذا النهج المقتصد ربما يوفر ملاذًا آمنًا للدراما العربية في عمومها تجنبًا لضعف الإيقاع والوتيرة والحشو الزائد الذي تعاني منه معظم المسلسلات.
في نفس الإطار، لجأت الدراما الخليجية إلى فكرة التكثيف والاختصار، حتى أن بعض المسلسلات جاءت في 8 حلقات، مثل مسلسل "غسيل" في الدراما الكويتية، وهو أحد أقصر المسلسلات وأشهرها، التأليف لفهد العليوة والإخراج لأحمد عبد الواحد، أما البطولة فلشجون الهاجري وعبد الله عبد الرضا بمشاركة عدد من الممثلين الإيرانيين من بينهم عبد الله بوشهري. يخاطب المسلسل فئة عمرية من الشباب جعلته يحظى بجماهيرية عريضة نظرًا لموضوعه الشائك الذي يتناول عالم السوشيال ميديا ومدى تأثيرها في صناعة وعي الفرد وتشكيل قناعاته وأفكاره كـ "غسيل المخ".
مسلسل "ولد أمه" أيضًا من تأليف فهد العليوة بمشاركة ورشة الكتابة التي يشرف عليها وإخراج حسين دشتي، البطولة للممثلة المصرية سوسن بدر- صباح بمشاركة محمود بوشهري-عزيز، تقوم بدر بدور أم مصرية انتقلت إلى العيش في الكويت منذ سنوات بعد أن تزوجت من والد عزيز؛ الأب المتخلي، لينشأ الصبي في كنف أمه، تبدأ أحداث المسلسل بمقتل الأب ومن ثم يتعرض عزيز لمحنة فقد الأب مرتين في حياته. قام بغناء تتر المسلسل المطرب الشعبي المصري طارق الشيخ وقد أجاد السيناريو في رسم العلاقة بين الأم المصرية وابنها الكويتي لولا الأداء التراجيدي المستحوذ على البطل عبر الحلقات، ناهيك عن البطء في الإيقاع الذي تمكن من معظم حلقات المسلسل رغم بدايته المثيرة.
|  | مع الهزيع الأخير للتنافس الرمضاني، اتضح التوجه لمسلسلات الـ 15 حلقة في الدراما المصرية والعربية والخليجية. هذا النهج المقتصد ربما يوفر ملاذًا آمنًا للدراما العربية في عمومها تجنبًا لضعف الإيقاع والوتيرة والحشو الزائد |  | |
من مصر أيضًا شارك الممثل حمدي الميرغني في بطولة مسلسل "سقط سهوًا" بطولة وتأليف خالد المظفر والإخراج لعلي بدر رضا. تدور الأحداث في إطار كوميدي حول الطبيب المصري علي – الميرغني الذي يضطلع بعلاج صديقه الكويتي عدنان – المظفر من فقدان للذاكرة، وهو ما يستدعي عددًا من المواقف والايفيهات الكوميدية لم تخرج معظمها عن النمطية المسيطرة على غالبية أعمال الميرغني في مصر، الذي لم يقدم جديدًا يُذكر على مستوى الأداء المعتاد.
على جانب آخر، شاركت الممثلة الكوميدية المصرية شيماء سيف كضيف شرف في إحدى حلقات مسلسل "منزل 12" لمناف عبد الله، وتبتعد سيف في هذا الدور عن الكوميديا تمامًا ورغم ما يحمله الحدث من دراما وأحداث غامضة، كانت جملة قصيرة منها قادرة على جلب الضحك، خصوصا حين تنطق باللهجة الخليجي.
على مدار ما يقارب أربعة عقود، استطاعت النجمتان حياة الفهد وسعاد عبد الله تحقيق ثنائي رائع في الكثير من الأعمال الشهيرة مثل "على الدنيا السلام. خالتي قماشة. درس خصوصي... وغيرها". وهما من أبرز نجوم الدراما الخليجية؛ غير أنهما هذا العام لم يلتقيا في عمل واحد. وإن كنا نلمس مدى التشابه في كلا العملين، حيث تقوم حياة الفهد بدور الأم "كلثم" في مسلسل "قرة عينك" تأليف علي شمس وإخراج سعود بو عبيد - وهو التعاون الأول بين الفهد وبو عبيد- وفيه نتابع محاولات الأم المستميتة للم شمل بناتها عقب خروجها من السجن بعد أن ظهرت براءتها في جريمة لم ترتكبها وقضت إثرها ما يقارب ربع قرن خلف القضبان.
أما سعاد عبد الله فتقوم بدور "غنيمة" بمسلسل "مجاريح" تأليف جمال سالم وإخراج عيسى ذياب، وتدور الأحداث أيضًا عقب خروجها من السجن بعد سنين طويلة وهي تقضي عقوبة جريمة ملفقة من الزوج، وحين تصدم بمجموعة من السيدات اللاتي يعانين من مشكلات مجتمعية؛ تجد أن الجرح واحد حتى وإن اختلفت الأسباب. مجموعة أخرى من النساء يجتمعن في مسلسل "نون النسوة" تأليف سلام أحمد وإخراج محمد كاظم، بطولة هبة الدري. شهد الياسين. أميرة محمد. هدى حمدان. رانيا شهاب. وهم خمس من الصديقات يحاولن مساندة بعضهن البعض للتغلب على المشكلات المجتمعية المختلفة.
"العودة"...
لم يقف التواجد المصري في الدراما الخليجية هذا العام عند عنصر التمثيل فقط، حيث يأتي المسلسل السعودي الكوميدي "سكة سفر- ج 2" من إخراج المصري رامي رزق الله، وهو مسلسل رشيق يخاطب فئة الشباب وقد نجح في ذلك إلى حد كبير، بداية من التتر المميز الذي لا يقل رشاقة سواء على مستوى المؤثرات والجرافيك أو الكلمات واللحن، ثم القصة المثيرة في تتبع حكاية الأصدقاء الثلاثة. ولا يخلو الإخراج من لمسة دعاية سياحية بعدد كبير ومتناثر من اللقطات الواسعة التي تستعرض أماكن مختلفة من المملكة، وربما تتكرر هذه التيمة في معظم إنتاج الدراما الخليجية.
من أشهر الأجزاء أيضًا هذا العام في الدراما السعودية، الجزء 19 من المسلسل الجماهيري "طاش ما طاش" بعنوان "العودة". منذ انطلاق المسلسل بداية التسعينيات وهو يحتل المرتبة الأولى في المسلسلات الكوميدية، ذات الحلقات المنفصلة التي لا يجمعها سوى الأبطال في حكايات متوالية مليئة بالحماقة، عبرت هذه الحكايات خلال العقود الماضية عن الجانب الشعبي في مملكة العاديين والبسطاء وأحلامهم المضحكة، كما كانت شاهدًا على تسجيل حال المجتمع من عادات أو تقاليد جامدة كثيرًا ما وصمت بها السياسات السابقة للحكومة.
لم يكن هناك أمام صناع العمل صورة أكثر مناسبة لاستهلال الحلقات سوى الصورة الحديثة للمجتمع السعودي المعاصر، بعد عدد من الانفتاحات - الداخلية والخارجية- عن طريق الممارسات الجديدة لولي العهد، وانتقال المملكة إلى آفاق أرحب من المثاقفة في الانفتاح على الآخر بالإضافة إلى مساحات جديدة من الحريات الداخلية للمواطن، ربما يأتي في مقدمتها الوضع المقلق للمرأة السعودية حتى في أبسط الحقوق العادية كأن تقود سيارة في الشارع مثل الرجل. في مغامراتهما المتوالية يتجول الثنائي – ناصر القصبي، عبد الله السرحان في الرحاب الجديدة للمملكة حيث البراندات العالمية وأجواء أوروبا، يندهشان من التطور المذهل الذي يضعهما -والسعوديون- على مصاف الدول المتقدمة، مع العلم أن الصديقين يمثلان الجيل الماضي؛ جيل الأب وما تركه من إرث ثقيل سواء على المستوى المادي أو المعنوي، إلا أن جيل الشباب لم يخرج كثيرا عما اعتاده جيل الستينيات؛ خصوصا على مستوى الإعلام الموجه للدولة، وهو ما يتجلى بوضوح في معظم النشاطات الفنية في المملكة تحت مظلة الهيئة العامة للترفيه.
دراما عائلية
تحتل الموضوعات العائلية النسبة الأكبر من الدراما الخليجية، حيث تتمحور غالبية القصص حول سيناريوهات أُسرية تدور في نطاق أفراد العائلة، يظهر ذلك بوضوح في الدراما الإماراتية التي لم تخرج موضوعاتها عن هذا السياق. في "طوق الحرير" تأليف منى النوفلي وإخراج أحمد يعقوب، نتابع محاولات إحدى سيدات الأعمال في السيطرة على أبنائها وتحريكهم كيفما تهوى، ويُعد المسلسل عودة للممثلة سميرة أحمد ويُشاركها البطولة أحمد الجسمي، الذي نراه - بطولة وتأليفًا- في مسلسل آخر بعنوان "أهل الدار" إخراج عمر إبراهيم، وتدور أحداثه أيضًا في عالم رجال الأعمال من خلال تتبع حياة أربع أسر مختلفة في قالب كوميدي درامي.
وائل سعيد - العربي الجديد