أثبت الموسم المنصرم بقاء دراما البيئة الشامية في الصدارة بالنسبة إلى الجمهور السوري. رغم المآخذ الكثيرة على «العربجي» لناحية تعاطيه الرجعي مع المرأة، إلا أنّه نجح في خلق حالة تماهٍ مع الجمهور الذي تابعه وبه رغبة بأن ينتصر المظلوم على الظالم. من جهته، حاول «النار بالنار» تقديم مادة بصرية عن أكثر المواضيع المعاصرة حساسيةً، وهي العنصرية في المجتمع اللبناني تجاه اللاجئين السوريين، لكن يمكن القول بأنّ وحده مسلسل «الزند» كان مكتمل العناصر من حيث الشكل والصورة والديكور ومواقع التصوير والألوان والشارات والأداء التمثيلي.
«العربجي» نجماً على ذمّة الجمهور
الجمهور هذا الموسم قال كلمته بدون مواربة في ما يخصّ أفضل الأعمال. ورغم المآخذ النقدية الواضحة في ما يخصّ منطق تعاطيه مع المرأة ومجافاته لأي سلوك تنويري، لكنّ الكفة الشعبية رجحت باتجاهه والحديث هنا عن المسلسل الشامي «العربجي» (كتابة عثمان جحى ومؤيد النابلسي ــ إخراج سيف الدين السبيعي ــ بطولة: باسم ياخور، سلوم حداد، نادين خوري، فارس ياغي، طارق مرعشلي، محمد قنوع، ديمة قندلفت، روعة ياسين، تسنيم الباشا، ميلاد يوسف وعبد الرحمن قويدر ـــــ إنتاج «غولدن لاين») العمل الذي صار قاب قوسين من بدء التحضير لموسم ثان له، سبق أن قلنا بأنه ربما يحتمل الوجهين!

بمعنى أنه يحتمل رأياً وعكسه في الوقت نفسه، لكن من وجهة نظر الجمهور، فالعمل في مراتب متقدمة بشكل أكيد، إذ تمكّن بقدرة صريحة من إجادة وصفة رمضانية محبّبة، تدعو للمشاهدة من خلال حكاية «عبدو العربجي» (يؤدي الشخصية النجم باسم ياخور) الذي تعرّض لجور وظلم أهل حارته، فقرر أن ينتقم لنفسه وكشّر عن أنيابه وراح يردّ الصاع صاعين. إذاً، هي ببساطة قصة الظالم والمظلوم، والرغبة الجماهيرية المرافقة لهذه الفرضية بأن ينتصر المظلوم ويسترد حقّه، ويبرّد قلوب الناس ربما على حقوقهم المهدورة التي لا يمكنهم واقعياً استعادتها، فيصيرون بحاجة إلى بطل يعلّقون عليه أمنياتهم! العمل نجح لأنه صُنع على مقاس شهر رمضان، ووفقاً لمعطيات مُشاهده، الذي يميل نحو الحكاية المشوّقة لكن السهلة التي تحمل دفعات متعاقبة وذروات متلاحقة!
«النار بالنار» نال شرف التجربة
تعرّض مسلسل «النار بالنار» (كتابة رامي كوسا وإخراج محمد عبد العزيز ــ بطولة: عابد فهد وكاريس بشار وطارق تميم وجورج خباز وزينة مكي وساشا دحدوح وهدى الشعراوي ـــ إنتاج «الصبّاح») لمجزرة حقيقية على مستوى التعديلات. أمر جعل الكاتب يخرج صراحة معترضاً على الشكل النهائي للعمل، معتبراً أن أكثر من 60% مما ظهر على الشاشة، ليس له علاقة به. نقطة الخلاف ظهرت على شارة العمل بمرور اسم ورشة افتراضية لا يُفصح عن أسمائها، كأننا أمام ورشة تهريب أو تجّار آثار.

العمل بجزء منه مجحف بحق السوريين، فهو لا يعكس مرحلة النزوح الحرجة المسيّجة بالوجع والعوز، كونه يقترح مجموعة نماذج سورية غارقة في الانحدار، ويقع في مطب التناقض الصريح لسلوك الشخصيات مع بنائها، إضافة إلى غياب المبرّرات الكافية للكثير من الأفعال والأحداث غير المنطقية، وخصوصاً قصة الحب التي تجمع اللبناني العنصري المتعصّب الحاقد على السوريين مع سيدة لاجئة بسيطة كانت تعيش في حي الشيخ محيي الدين ولا يمكن لها الانسجام مع منطق حياة هذا اللبناني! مع كلّ ذلك، قدّم المسلسل مادة بصرية تحكي عن أكثر المواضيع المعاصرة حساسيةً وهي العنصرية المتبادلة بين اللبنانيين والسوريين، والمعارك الباردة والحامية بينهما على خلفية تاريخ مربك بين البلدين الجارين. جرّب المسلسل اقتحام المحظور ولو كانت التجربة مفكّكة في مطارح عديدة وقعت في هنّات لا تُغتفر. لكن يمكن القول بأن التجربة بحد ذاتها استحقّت الإشادة.
«الزند» مكتمل العناصر
الشكل والصورة والديكور ومواقع التصوير والألوان والشارات والأداء التمثيلي وقبل كلّ ذلك القصّة، كل ذلك جعله ضربة الموسم ومسلسل المهرجان التلفزيوني، وصاحب الصدارة من دون منافسة. الحديث هنا عن «الزند... ذئب العاصي» (كتابة عمر أبو سعدة وإخراج سامر البرقاوي بطولة: تيم حسن وأنس طيارة وجابر جوخدار ورهام القصار ودانا مارديني وتيسير إدريس وفايز قزق ومجد فضّة ومازن عبّاس ونانسي خوري ــ إنتاج «الصبّاح»).
الشغل بدأ من الكلمات المفتاحية للعمل، وبذكاء تمكّنت الشارات بعد بحث استقصائي، من محاكاة وجدان الناس ودغدغة ذاكرتهم، عندما أعادت إحياء عتابا معروفة لأهالي المناطق المنتشرة على ضفاف نهر العاصي أي المسرح الجغرافي للحدث. تلا ذلك استقدام المرحلة التاريخية بشكل محكم، يوازيها بحث يتحقق على مستوى الملابس، لينسجم مع بناء درامي على مستوى القصة والحوار والأداء التمثيلي البارع. الحكاية ربما تقدّم بطلاً واحداً هو عاصي الزند الذي يُقتل أبوه على يد رجال الباشا في ليل حالك، فينتقم ويفقأ عين قاتل والده ويهرب ليخدم في العسكر السلطاني. وعندما يعود، يكون وريث الباشا الشاب الوسيم نورس باشا قد أحكم السيطرة على أرض الرجل وكل المنطقة. ولدى محاولته المطالبة بحقه، يوضع في مكان يضطر فيه للهرب مع شقيقته وأولادها، قبل أن يتحول مع شباب قرية متمرّدة لإدارة حركة ثورية في وجه الظلم، سرعان ما تتحوّل إلى استرزاق وبلطجة وقطع طرق. كان الملمح المتوهّج في العمل هو التنافس على جودة الأداء بين مجموعة ممثلين بارعين!
أحمد الخطيب، وسام كنعان - الأخبار