حسن الاختيار والفرصة السعيدة
لعلني لن أبعد عن مرمى الحقيقة
إن أنا ذهبتُ إلى أن أعسر مهمة في حياة الإنسان،
قبل الإقدام على تنفيذ فعل ما،
لهو بالذات حسن الاختيار،
وبالتالي تجنب مزالق اختيارات أخرى
قد تبدو في ظاهرها شديدة الإغراء،
فإن تم تبني أحدها والجنوح إلى العمل على ضوئه،
يفاجأ من اختاره، بعد أن يكون قد توسط طريق التنفيذ،
أو تجاوز المنتصف بقليل أو كثير،
بأن الاختيار يلوذ به إلى أحضان الفشل،
وأن المآل، تبعاً لذلك، هو التخبط في وضع جديد،
كالسائر على وحل يمتص الماشي عليه،
خطوة بعد خطوة، إلى أن يبتلعه تماماً،
إذا لم تدركه يد العناية الإلهية
بحبل إنقاذ ينتشله مما انتهى به إليه سوء اختياره ذاك.
والحق أن بين حسن الاختيار والفرصة السعيدة علاقة وثيقة،
فلكأنما كل طرف منهما يدعو الأخر إليه ويرافقه في المسار.
وقل الشيء نفسه عن سوء الاختيار والحظ التعس
الذي يشاركه نفس الدرب،
فإذا الذي تبنى الأول منهما، قد صار نهباً لمخالب الثاني.
كيف يتم الاختيار الملائم؟
فلتتوجه بالسؤال إلى هذا وذاك، ولتتسمّع لما سيقال لك،
ثم اعمد إلى التصنيف، تماماً كما صنعتُ،
وقل لي بعدها أي الأجوبة هو الألأم والأصوب.
فلقد انطلقتُ من أن الناس معادن وكائنات ذات طبائع مختلفة.
فعمدتُ إلى القريبة مني، وهي الجدة، بارك الله في عمرها،
وسألتها، فأجابت: ـ وهل هذا السؤال يحتاج إلى تأمل؟
الجواب هو: الاستخارة.
وهل هناك أليق منها وأقرب إلى الدلالة على حسن الاختيار من عدمه؟
خذ مثلا جارتنا الأستاذة سعيدة،
لقد أخبرتني بلجوئها إلى الاستخارة،
عندما عرضوا على الموظفين التقاعد التطوعي،
ودارت أمام عينيها الملايين التي ستجنيها إن هي فعلت ذلك،
ولكنها اعتادت، بحكم تربيتها الدينية الرصينة،
أن تلجأ في كل ورطة إلى الاستخارة.
قالت الأستاذة: ـ فإذا برجل مهيب، ذي وجه منير،
وجلباب أبيض يعلوه سلهام أسود،
يقترب مني، ثم يخرج كتاباً يناولني إياه،
ويشير أمامي، فأتمعن،
فإذا سبورة مثبتة على جدار، وإذا تلاميذ يتحلقون حولها..
فاستيقظت للتو وكأنني لا أزال أتابع تفاصيل المشهد من جديد.
وعندما حكيت المنامة لمن حولي،
أجمعوا عن بكرة أبيهم بأنه الأمر لي باختيار متابعة التدريس.
وها قد مر ما مر من سنين، ولم أندم يوماً على هذا الاختيار.
فإن قلتَ: قد سمعنا هذه الوسيلة لنيل الاختيار الصحيح، فهاتِ غيرَها!
أقل لك: لا تجعلني أطيل على القراء الكرام..
والكلمة الآن لك،
فهاتِ ما عندك،
ولنا بعد الحديث حديث.