توطن الصناعة في قلب إقليم القاهرة
إن اختيار مواقع الصناعة بدون أخذ الاعتبارات البيئية، كبعد هام ومؤثر في المحيط الحيوي بما في ذلك الصناعة ذاتها،
يأتي بنتائج وخيمة ومشاكل اقتصادية حادة تنعكس في أنظمة المكان الأربعة: اليابس والغلاف المائي والغازي والحيوي الطبيعي؛
مما يجعل العيش فيه صعباً بل مخاطرة بصحة الإنسان وممتلكاته. حينئذ يفقد مجموع السكان قيمة الاستمتاع بطيب العيش في ذلك المكان،
وهي قيمة اجتماعية اقتصادية غالية وصعبة القياس أو التقدير. وترى منطقة شبرا الخيمة وقد أجهزت على رئة العاصمة بالتلوث الصناعي المستمر،
بل كادت تختنق مدينة القاهرة وسكانها بما تستقبله من ملوثات غازية ضارة تحملها الرياح السائدة. ومن ناحية أخرى وبصورة مختلفة،
ظهرت مصانع جنوبي القاهرة وكأن منطقة حلوان قد حققت بذلك نمطاً للتوطن الصناعي الصحيح والمخطط.
وحقيقة الأمر أن تحول منطقة حلوان إلى قاعـدة صنـاعية وعمالية كبرى، قد أفقدها قيمة مضافة بيئية (خالية من تكلفة التلوث الصناعي)،
نتيجة الاستغلال الأنسب لاقتصاديات المكان كمنتجع صحي وترفيهي عالمي ومحلى. وبالنظر إلى مركز الثقل الصناعي
في كل من محافظتي القليوبية والقاهرة، يظهر في كليهما جنوبياً وفي أقصى الحدود الإدارية،
ولكن في حالة القليوبية كان لا يزال عظيم الأثر في أضراره البيئية التي تعاني منها القاهرة،
تلك المدينة التي تتنفس تلوث مصانع شبرا الخيمة. بينما في حالة القاهرة وإن ظهر صحيحاً،
تمشياً مع قاعدة التوطن الصناعي في جنوب وجنوب شرق المدن المصرية، فلم يحالفه الصواب من ناحية التنظيم المكاني؛
ودليل ذلك إقامة مناطق سكنية داخل ذلك النطاق كثيف التلوث بحلوان. وبذلك تكون مدينة القاهرة قد ابتعدت كثيراً عن معيار 'نقاء البيئة مما يلوثها'،
ففقدت درجات كثيرة قللت من شأن موقفها الحضاري تجاه قضية التلوث البيئي. فهي إذن مدينة مقهورة وليست القاهرة،
بموقعها بين هاتين المنطقتين الصناعيتين الرئيستين في شمالها وجنوبها ، فضلاً عن مخلفاتها من الأنشطة الاقتصادية الأخرى.